أهم الأخبارمقالات

لبنان يحتاج قبلة الحياة لا ترنيمة الموت

 

فاضل المناصفة

على وقع طبول الحرب التي تقرع بصوت خافت في الجنوب، يسير لبنان اليوم فوق حبل مشدود على ارتفاع شاهق، السقوط منه يعني الاكتواء بلهيب حرب غزة، ولكي يحافظ على توازنه يستوجب عليه عدم النظر الى الأسفل لتجنب الوقوع في الفخ. لعل هذا هو التوصيف الدقيق للمرحلة الحساسة التي يمر بها لبنان اليوم.
شاء القدر أن يعيش لبنان لعنة السياسة التي وضعته بين فكي لصوص تركوه “على الحديدة”، ولعنة الجغرافيا التي أوقعته في منطقة نشطة ببراكين تقذف حمما إيرانية وإسرائيلية. واليوم وبعد كل الدروس التي قدمتها ويلات الحروب وحمام الدم الذي عاش فيه اللبنانيون، يبدي تجار الموت وصناع الخراب استعدادا لتكرار العبث ولتكرار حماقات دفع لبنان ثمنها وما زال يدفع إلى حد اليوم وتتجلى نتائجها في عزلته الإقليمية وظروفه الاقتصادية الصعبة.
يتابع اللبنانيون عن كثب أحداث الحرب في غزة وتطورات الوضع المتوتر جنوب البلاد، وسط مخاوف من محاولات توسيع نطاق الحرب وإقحامهم فيها، وهو ما من شأنه أن يزيد ثقل الأوزار التي يحملونها جراء ما حصل من انهيار اقتصادي أذاقهم عتمة ليل غزة عندما انقطعت الكهرباء كليا عن البلاد، وأخرج بنوكهم من الخدمة عندما عجزت عن صرف مستحقات الناس، وأفرغ صيدلياتهم من الأدوية عندما عجزت الحكومة عن توفيرها، وهاجر الناس إلى خارج لبنان دون حرب أو قصف.

بينما يبحث البسطاء من أبناء الوطن عن معجزة سياسية واقتصادية تأتي لتخلص لبنان وتمنحه قبلة الحياة، يحشد حزب الله للحرب ولإشراك اللبنانيين فيها من دون أن تكون لديه القدرة على تحمل فاتورتها الاقتصادية

وعلى الرغم من تباين الآراء ووجهات النظر اللبنانية حول وصف ما حصل في 7 أكتوبر، إلا أن هناك إجماعا من الأوساط الشعبية والطبقة السياسية حول ضرورة النأي بالنفس عن كل ما يمكن أن يجر البلاد إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل تعيد تكرار تجربة حرب 2006، لكنها ستكون أسوأ مما سبق ولأن لبنان اليوم أضعف بكثير من لبنان ذلك الوقت. يكفي فقط أن نرى عجز الحكومة عن تلبية متطلبات إدارة شؤون البلاد والعباد في زمن السلم فما بالك في وقت الحرب.
اللبنانيون يعرفون طعم الحرب ورائحة دخانها الأسود، وسبق لهم أن ناموا على أصوات هدير الطائرات الحربية واستيقظوا على مشاهد الدمار والجثث والضحايا العالقين تحت الأنقاض، وتسمّموا من الجرعة الزائدة لخطاب التضامن والدعم العربي ووعود الإعمار، اكتسبوا الخبرة من أهوال الحروب وحصّنهم ذلك من أكاذيب الملايين ومن مفعول بروباغندا الحزبلاويين، جربوا كل شيء وتيقنوا من أن لا خير يأتي من حرب تدار بالوكالة على أراضيهم، ولا مصلحة من مواجهة تعيد لبنان إلى الوراء وتضعفه عوض أن تقويه. لهذا يرفض العقلاء من اللبنانيين وما أكثرهم أن توقد إيران حربها مع إسرائيل بحطب لبنان.
فبينما يبحث البسطاء من أبناء الوطن عن معجزة سياسية واقتصادية تأتي لتخلص لبنان وتمنحه قبلة الحياة، يحشد حزب الله للحرب ولإشراك اللبنانيين فيها من دون أن تكون لديه القدرة على تحمل فاتورتها الاقتصادية أو الإمكانيات المادية واللوجستية لاحتواء المعاناة والأزمة الإنسانية التي ستنجرّ عنها، ولا لخطورة انزلاق لبنان في مستنقع الانقسام والاقتتال الداخلي، والذي وإن حصل فإنه لن يكتفي فقط بإعادة لبنان 40 سنة إلى الوراء، بل لإعادة تشكيله وفق حدود جديدة يستحوذ فيها تجار الحرب على الحصة الأكبر فيه.
تملك إيران بحسب ما ينشره إعلامها صاروخا باليستيا سمّي بـ“خرمشهر 4” يبلغ مداه 2000 كيلومتر وآخر سمّي “خيبر شكن” بمدى 1450 كيلومترا، هذا يعني أنها تمتلك القدرة العسكرية التي تمكّنها من ضرب عمق إسرائيل انطلاقا من أراضيها، ولها من القواعد العسكرية في سوريا ما يمكّن الحرس الثوري من خوص معركة برية وجها لوجه مع العدو. لكنها تتنازل عن الدخول في مواجهة مباشرة، ربما إيثارا منها لينال وكلاؤها وحدهم فقط شرف الشهادة. أما هي فتكتفي بالحصول على الثواب والأجر بدعمها لمحور المقاومة.

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى