أهم الأخبارمقالات

حرب غزة وإعادة تكريس قواعد الاشتباك السياسي… أين إيران؟

حسن فحص

 

كان لافتاً في المواقف الرسمية للإدارة الأميركية والقيادة الإسرائيلية على حد سواء تأكيدهما أنهما لم يلمسا دليلاً واضحاً على وقوف إيران وراء العملية العسكرية التي قامت بها “حماس” في مناطق غلاف غزة، التي أدت إلى معركة مفتوحة حتى الآن لا تعرف القيادة الإسرائيلية كم ستستغرق من الوقت للململة ذيولها وآثارها ونتائجها ومعالجة تداعياتها.

قد يكون هذا الموقف ناتجاً من رغبة كل الطرفين في عدم توسيع دائرة النار، لأن توجيه الاتهام لإيران بالتورط في هذه العملية العسكرية، سيفرض على الطرفين الانتقال إلى مستوى مختلف من التعامل، الذي يعني فتح حرب معها، الأمر الذي يدخل المنطقة في مسار مبهم وغامض قد يكون من الصعب التكهن بمآلاته وتداعياته وحجم دائرة النار التي ستنتج منه. وهذا ما يفسر الإصرار الأميركي على تحييد الساحة اللبنانية عن الدخول في هذه المعركة وفتح “حزب الله” للجبهتين اللبنانية والسورية.

وعلى العكس من التقديرات التي ذهب إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن هذه الحرب سينتج منها شرق أوسط جديد، من دون تحديد معالم هذا المتحول والمعطيات التي يستند إليها في هذا التقدير، الأمر الذي أثار موجة انتقادات واسعة له داخل الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية، فإن موقف المرشد الأعلى للنظام الإيراني، يذهب إلى النتيجة نفسها، لكن وفق معطيات ونتائج مختلفة ومتناقضة، أشار لها في خطابه الأخير في حفل تخريج ضباط من القوات المسلحة، مؤكداً أنه “بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الكيان الصهيوني لم يعد النظام الصهيوني السابق والضربة التي تلقاها لا يمكن تعويضها بسهولة”، واصفاً ما حصل بأنه “هزيمة غير قابلة للترميم”.

لا شك أن ما حصل في غزة، لم يكن قراراً انفردت به القيادة العسكرية لحركة “حماس” بعيداً من القيادة السياسية، ومن دون التشاور مع المحور الذي تنتمي له، وهذا لا ينفي إمكانية أن يكون المحور قد ترك لها هامشاً في تحديد التوقيت لبدء العملية. وأن هذا التوقيت لم يأت منفصلاً عن التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة، والحديث الذي بدأ يتزايد عن إمكانية دخول المنطقة في تسويات سياسية وتفاهمات واتفاقيات حول مستقبل السلام في المنطقة، والشكل الذي سيكون عليه المشهد السياسي الإقليمي ومعادلاته ومراكز القرار فيه.
خامنئي نفى أن يكون لبلاده أي دور في هذه الحرب، من بوابة نفيه لكل التحليلات التي تتحدث عن المخاوف الإيرانية من المسار السياسي الذي بدأته واشنطن، لكسر حاجز التردد في تدوير المواقف مع السعودية، بما يساعد على تحريك مسار طويل ومتدرج يوصل إلى تفاهم بين الرياض وتل أبيب، كانت تأمل واشنطن من خلاله في نقل المنطقة والشرق الأوسط إلى مرحلة مختلفة، إلا أن المحرك الإيراني أو الغطاء الذي وفرته طهران لقرار الحرب لقيادة “حماس”، لا يبتعد من الهواجس والمخاوف بأن تذهب المنطقة إلى تسويات لا مكان فيها لإيران، أو إلى معادلات جديدة تفرض عليها عزلة وتفقدها كل دورها الإقليمي الذي كلفها الكثير سياسياً وأمنياً واقتصادياً على مدى عقود.

وإذا ما كانت مصلحة “حماس” من هذه المعركة أنها تصب في سياق تثبيت موقعها على خريطة التسويات المنتظرة في الإقليم، بعد أن استشعرت من خلال الحراك السياسي والدبلوماسي الذي بدأته السلطة الفلسطينية في رام الله باتجاه عواصم القرار العربي والدولي، أن التسوية المقبلة قد تكون على حسابها، بالتالي لا بد لها من حجز موقع لها في هذه التسويات، وأن تكون جزءاً من أي حل مستقبلي، فإن طهران في المقابل لا تقل مصلحتها عن مصلحة “حماس”، باعتبار أن أية تسوية خاصة للقضية الفلسطينية من دون إشراكها، لن تكون في صالحها وصالح مشروعها الإقليمي. فالتوصل إلى حل لهذه القضية وبأي صيغة جاء فيها أو عليها، يعني بشكل لا يقبل الجدل أنها ستكون خارج هذه التسويات أيضاً، وخروجها مع المعادلات الإقليمية يعني انهيار المشروع الذي تحاول تكريسه وتسعى لتكون اللاعب الأساس فيه وفي رسم مستقبل المنطقة السياسي وصاحب الدور في تركيب المعادلات الإقليمية.

فالمعارضة الإيرانية لأي تسوية تسعى دوائر القرار الدولي لتسويقها في الإقليم والشرق الأوسط، ليس لأنها لا تريد التوصل إلى هذه التسوية، بل لأنها لا تريد تسوية لا مكان لها فيها أو تكون على خريطتها أو تكون المؤثر الأقوى في تركيب معادلاتها. من هنا يمكن القول إن العنوان الذي ترفعه بمعارضة الاتفاقيات التي وقعتها بعض دول المنطقة مع إسرائيل، وإمكانية أن تتوسع لتنضم لها السعودية في المستقبل، لا يشكل الخلفية الحقيقية لهذه المعارضة، فالاعتراض الأساس الذي حرك الموقف الإيراني على الاتفاقية التي وقعتها دولة الإمارات، هو المخاوف من أن تتحول هذه الاتفاقية إلى أرضية تستخدمها إسرائيل لتهديد الأمن الإيراني، وهذا الأمر ينسحب على أي اتفاقية أخرى، باعتبار التوجه السياسي لهذه الدول هو توجه سيادي تتعامل معه ببراغماتية عالية، كما تعاملت مع دول أخرى وقعت اتفاقيات أو معاهدات سلام مع تل أبيب.

إلا أن الأمر يختلف في التعامل مع التوجه السعودي، فمن غير المستبعد ألا يذهب النظام إلى تعكير مسار السلام مع الرياض على خلفية الموقف من أي اتفاقية سلام، وبإمكانه التعامل معها كما يتعامل مع أي اتفاقية وقعتها دول أخرى في الإقليم. إلا أن القلق الإيراني مرده إلى الشروط السعودية على هذه الاتفاقية، التي تتضمن التمسك بالمبادرة العربية لحل القضية الفلسطينية، الأمر الذي يسحب ورقة هذه القضية من يد النظام الإيراني ويكرس القيادة السياسية للسعودية، ويطيح بكل الاستثمارات التي تكبدتها على مدى عقود من أجل الإمساك بهذه الورقة، بالتالي فإن معركة غزة تخلط الأوراق وتقطع الطريق على أي تسوية لا مكان فيها لـ”حماس” وإيران والمحور الذي تقوده، الذي من المفترض أن يترجم على المستوى الإقليمي من البوابة الفلسطينية.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى