أهم الأخبارمقالات

هل يمكن لإيران عدم مواكبة انفتاح جوارها؟

 

روزانا بومنصف

يعتقد مراقبون دبلوماسيون أن الانفتاح الخليجي على حوادث عالمية، والسعي الحثيث، ليس إلى المشاركة فيها فحسب، بل إلى استضافتها مع ما يستدرجه ذلك من تغييرات في المقاربات المجتمعية، هو من أبرز العوامل التي تثقل على النظام الإيراني المتشدد. ففي “المونديال” الذي استضافته قطر “والفورمولا وان” الذي استضافته المملكة العربية السعودية قبل أشهر والمواكبات الخليجية لحوادث ثقافية عالمية جعلتها قبلة الاهتمام والسياحة، ما يدعو فعلاً إلى الغيرة.

فالدول الخليجية دول إسلامية محافظة، ولكنها باتت تواكب المتغيرات العالمية بمجاراة مدروسة قد تكون تلقفتها نتيجة احتجاجات ما سُمّي بالربيع العربي الذي حصل في بعض الدول العربية وهز أنظمتها في العمق، ولا يزال البعض منها غارقاً في حروبه الداخلية. ولا يمكن للشعب الإيراني الذي عرف انفتاحاً حضارياً مختلفاً قبل وصول الثورة الإسلامية إلى الحكم أن يرى هذه التحولات في جواره، وليس في العالم فحسب، من دون أن يتفاعل معها ويطالب بالتغييرات في الداخل الإيراني.

وحتى لو لا تزال التوقعات الخارجية المراقبة للتطورات في إيران تستبعد أن تؤدي الاحتجاجات والقمع العنيف لها إلى تغيير في النظام في حد ذاته، أقله راهناً، فإن ما يجري لا يستهان به ويؤشر إلى مسار يصعب أن يشهد تراجعاً من دون أن يفرض تغييراً ما أو عدم تكرار في المرحلة المقبلة. ورصد هذا الواقع في المعطى الإقليمي وأهميته، لا يلغي العوامل الأخرى التي تضيّق الهامش أمام إيران التي يرى هؤلاء المراقبون أنها تشعر بالضغط نتيجة جملة أمور إلى جانب الاحتجاجات الداخلية التي لم تتوقف منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر. ومن هذه العوامل ما يعتقد هؤلاء أنه يخلق توتراً وإن غير معلن في العلاقة مع روسيا، رغم تبادل صفقات الأسلحة على وهج الحرب الروسية على أوكرانيا. فسعي روسيا إلى رأب الصدع بين النظام السوري برئاسة بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرقى إلى مصاف تخفيف الضغط عن النظام السوري واعتماده الكلي على النظام الإيراني، ما يعني احتمال تفلّته نوعاً ما من هذا النظام وحاجته الماسة إليه. فهذا جانب مختلف عما يجمع كلاً من روسيا وإيران وتركيا حول سوريا في أستانة أو في تنسيق ثلاثي لإدارة الوضع في الأراضي السورية.

والوضع لا يسهل على إيران في ضوء القمة الصينية السعودية التي عقدت أخيراً إبان زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ المملكة، واتفاقات التعاون التي حصلت بين الجانبين، وكذلك بين الدول الخليجية والصين، حتى لو كانت الصين تتولى تنفيذ مشاريع حيوية عدة في إيران. ولكن النقطة الأساس أن السعودية والدول الخليجية ككل تظهر قدرة على موازنة علاقات معقولة مع كل من الولايات المتحدة، من جهة، ومع روسيا والصين، من جهة أخرى، تماماً كما تفعل روسيا مثلاً في علاقتها بالنظام السوري ودعمه وفي علاقتها بالدول الخليجية وبإسرائيل وتركيا. وإيران متأخرة بنسبة كبيرة عن اللحاق بمسارات مماثلة عبر نسج علاقات متوازنة مع الدول الخليجية، بعيداً من العداء والاستفزاز، لا سيما في ظل مفاخرتها وتكبرها بالسيطرة على أربع عواصم عربية، فيما علاقتها المميزة بروسيا أو بالصين لا تجعلها متقدمة لدى أي منهما على الدول الخليجية. فبوابة الدول الخليجية لهذه الدول كما للولايات المتحدة تبقى أهم بكثير من البوابة الإيرانية، لا سيما أن عجزها عن العودة إلى العمل بالاتفاق النووي يقيد إمكانات تعاون متعددة.

وهذا لا يعني أن الدول العربية لا تعاني ضعفاً مخيفاً أتاح تقدم دول غير عربية في المنطقة من أجل النفوذ والمصالح، وقد تصدرت كل من تركيا وإيران وإسرائيل واجهة استباحة المنطقة في غياب الدور العربي الفاعل. ولا يمكن القول حتى الآن إن أدوار هذه الدول انحسرت أو ضعفت، ولكنها تواجه مشكلات جمة في ظل تقدم الدول العربية إلى محاولة إشغال الدور الملائم أو الواجب القيام به منعاً لتقدم أدوار الدول الأخرى.

وهذا لا يزال يحتاج إلى جهود كبيرة، لا سيما في ظل تقدم المحافظة على المصالح المباشرة للدول العربية والخليجية في ظل تحديات جمة تواجهها كذلك، ولكن المراقبين المعنيين يرون أن بداية حفر موقع بين هذه الدول أو على الأقل منعاً لتفردها بالمنطقة بعيداً من الدول المعنية يبدو أمراً واعداً قياساً إلى المرحلة السابقة، لا سيما أن عكس ما حصل حتى الآن يبدو مكلفاً وصعباً. ولكن ثمة مؤشرات يمكن الاستفادة منها وفقاً لهؤلاء، على غرار الانفتاح التركي على دول عربية كانت تخاصمها بشدة كما هو معروف، وكذلك حاجة إيران إلى علاقات مع دول الجوار الخليجي، كما أعلنت هي نفسها وتحاول تثبيته بعلاقات صداقة مع بعض الدول المنفتحة عليها.

وهذا يندرج في إطار التحولات السياسية التي يعتقد المراقبون أن أياً من الدول، لا سيما دول المنطقة، لا يمكنها البقاء في منأى عنها وحتمية السعي إلى مواكبتها بمرونة لم تظهرها إيران خاصة حتى الآن، علماً أن دولاً أقل تأثيراً وفاعلية تواجه التحديات نفسها.

نقلاً عن النهار 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى