مقالات

مفاوضات من دون العرب لا تلزم العرب!

فوزية رشيد

{‭ «‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‮»‬‭ ‬والمباحثات‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬يتوقع‭ ‬البعض‭ ‬انتهاءها‭ ‬قريبًا،‭ ‬وتسرّب‭ ‬تقارير‭ ‬عن‭ ‬مباحثات‭ ‬سرية‭ ‬إيرانية‭/ ‬أمريكية،‭ ‬وشروط‭ ‬إيران‭ ‬المعروفة‭ ‬حول‭ ‬عودة‭ ‬عشرات‭ ‬المليارات‭ ‬وفك‭ ‬المقاطعة‭ ‬الاقتصادية‭ (‬الجزئية‭) ‬المضروبة‭ ‬حولها‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بالعقوبات‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬الإيراني‭ ‬تحديدًا،‭ ‬والتصريحات‭ ‬التي‭ ‬تومئ‭ ‬باقتراب‭ ‬إيران‭ ‬من‭ (‬الإنتاج‭ ‬العسكري‭ ‬النووي‭ ‬–‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية‭) ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تواطؤا‭ ‬غربيا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬دار‭ ‬ويدور‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬جولات‭ ‬من‭ ‬المباحثات‭ ‬التي‭ ‬دوخت‭ ‬رأس‭ ‬العالم،‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬حقيقية،‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يروجّه‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني‭ ‬وتدخلات‭ ‬مليشياته‭ ‬وأذرعه‭ ‬ومشروعه‭ ‬التوسعي‭ ‬إقليميا‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الخطاب‭ ‬الغربي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬جهة‭ ‬فيما‭ (‬التواطؤ‭ ‬الفعلي‭) ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭! ‬وهذا‭ ‬التواطؤ‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬للتحركات‭ ‬الإيرانية‭ ‬ضوء‭ ‬أخضر‭ ‬غربي‭/‬أمريكي‭ ‬منذ‭ ‬تسليم‭ ‬العراق‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬ذهب‭!‬

{‭ ‬وأرض‭ ‬الواقع‭ ‬يتضح‭ ‬منها‭ ‬أيضا‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬أمام‭ ‬منحدر‭ ‬استراتيجي‭ ‬وجيوسياسي‭ ‬ضخم،‭ ‬يهيئ‭ ‬دولنا‭ ‬والعالم‭ ‬لإيران‭ ‬يريدها‭ ‬الغرب‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬وأكثر‭ ‬وقاحة‭ ‬وأكثر‭ ‬إرهابًا‭! ‬ورغم‭ ‬الضربات‭ (‬المجهولة‭ ‬الأثر‭) ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬مليشيات‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وداخل‭ ‬أراضيها‭ ‬من‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬قط،‭ ‬رغم‭ ‬التطبيل‭ ‬الأجوف‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬والدولي‭! ‬وكما‭ ‬يبدو،‭ ‬وكما‭ ‬قلنا‭ ‬مرارًا،‭ ‬إن‭ ‬تقوية‭ ‬إيران‭ ‬والأقلية‭ ‬الشيعية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطي‭ ‬التقسيمي،‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وضد‭ ‬الدول‭ ‬المناوئة‭ ‬للمشروع‭ ‬الإيراني‭/ ‬الغربي،‭ ‬وهي‭ ‬الدول‭ (‬السنية‭ ‬سياسيًّا‭) ‬أو‭ ‬بالمفهوم‭ ‬السياسي‭ ‬وليس‭ ‬المذهبي‭ ‬هنا‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬استمرار‭ ‬التواطؤ‭ ‬الغربي‭ ‬مع‭ (‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭) ‬وفصله‭ ‬عن‭ (‬الملف‭ ‬الإرهابي‭ ‬الإيراني‭) ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬الخليج‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬عمومًا،‭ ‬هو‭ ‬تواطؤ‭ ‬مقصود‭ ‬لاستمرار‭ ‬‮«‬العداء‭ ‬الإيراني‮»‬‭ ‬متعدد‭ ‬الأوجه،‭ ‬فهو‭ (‬عداء‭ ‬عقدي‭ ‬وثقافي‭ ‬وعرقي‭ ‬وتاريخي‭) ‬وُظِّف‭ ‬الأذرع‭ ‬والوكلاء‭ ‬والعملاء‭ ‬والمرتزقة‭ ‬لتنفيذه‭! ‬وفتح‭ ‬الغرب‭ ‬الباب‭ ‬الأوسع‭ ‬له‭ ‬كعداء‭ ‬يستهدف‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬الخليج‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬العرب‭ ‬اليوم‭ ‬مطالبون‭ ‬بالتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬نفسه‭ (‬أمريكا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭) ‬ومع‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬لمناقشة‭ (‬الملف‭ ‬الإيراني‭ ‬الإرهابي‭) ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأثره‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬من‭ ‬تستهدفهم‭ ‬إيران‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬وربط‭ ‬الاستجابة‭ ‬للمطالب‭ ‬العربية‭ ‬بالمصالح‭ ‬الغربية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬وتحديدًا‭ ‬هي‭ ‬إن‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬تواطؤها‭ ‬مع‭ ‬التدخلات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬فيها‭ ‬التصريحات‭ ‬الغربية،‭ ‬وإنما‭ ‬ما‭ ‬تهيئه‭ ‬لإيران‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬اتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬إرهابها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭! ‬ولذلك‭ ‬فلا‭ ‬حجة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬بالحوار‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬لأن‭ ‬إيران‭ ‬لن‭ ‬يُجدي‭ ‬معها‭ ‬الحوار،‭ ‬طالما‭ ‬مشروعها‭ ‬بالأصل‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬التوسع‭ ‬الطائفي‭!‬

{‭ ‬الغرب‭ ‬وإيران‭ ‬يتفاوضون‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬‮«‬الملف‭ ‬النووي‮»‬،‭ ‬وإنما‭ ‬حول‭ ‬مصير‭ ‬المنطقة،‭ ‬بما‭ ‬تنتجه‭ ‬تلك‭ ‬المفاوضات‭! ‬ولأن‭ ‬النوايا‭ ‬والتحركات‭ ‬الإيرانية‭ ‬معروفة‭ ‬ومكشوفة‭ ‬للغرب‭ ‬نفسه‭ ‬كما‭ ‬للعالم‭ ‬كله،‭ ‬فإن‭ (‬التوسع‭ ‬الإرهابي‭) ‬هو‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬ملفها‭ ‬النووي‭ ‬وليس‭ ‬غيره،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حسم‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭/ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬مواقفها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬التوسعي،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُجدي‭ ‬معه‭ ‬أي‭ ‬حوار‭ ‬عقلي،‭ ‬لأنه‭ ‬عقل‭ ‬إرهابي‭ ‬ومن‭ ‬المستحيل‭ ‬‮«‬عقلنة‭ ‬الإرهاب‮»‬‭!‬

{‭ ‬على‭ ‬‮«‬التحالف‭ ‬الرباعي‮»‬‭ ‬باعتباره‭ ‬واجهة‭ ‬العرب‭ ‬حاليًا،‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬الطاولة،‭ ‬لأن‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬إلا‭ ‬لغة‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭. ‬المطلوب‭ ‬هو‭ (‬التأثير‭ ‬العربي‭) ‬على‭ ‬المحرك‭ ‬الغربي‭ ‬للدور‭ ‬الإيراني،‭ ‬مثلما‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬التحالف‭ ‬الروسي‭ ‬والصيني‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬المصالح‭ ‬أيضًا‭!‬

من‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬غربي‭/ ‬إيراني‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متوقع،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العرب‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬أية‭ ‬مفاوضات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬تلزمهم‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬تكشف‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬للتواطؤ‭ ‬الغربي‭/ ‬الأمريكي‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬والأيام‭ ‬القادمة‭ ‬ستوضح‭ ‬المزيد‭! ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬تحديد‭ ‬مواقف‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬الإيراني‭ ‬الإرهابي.

 

اخبار الخليج

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى