أهم الأخبارمقالات

حرب المأزومين

حميد قرمان

طبول الحرب قرعت، هي حرب إسرائيل مع إيران ووكلائها.. ليست حرب الشعب الفلسطيني، وليست حرب القدس، بل حرب الرسائل بين حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف ونظام الملالي، حرب الردود المحدودة التي يعزفها بنيامين نتنياهو ببراعة هربا من ضجيج الاحتجاجات ضد حكومته في إسرائيل، وتجيدها إيران بحثا عن أوراق تفاوضية تخدم أجنداتها الإقليمية.

بالرجوع إلى الأسابيع القليلة الماضية، وبقراءة موضوعية بعيدا عن أي مواقف سياسية مسبقة، ترى المشهد يؤول إلى هذه الحرب بكل واقعية نتيجة تمسك أطرافها بإرسال رسائل تصعيدية تظهر قدرة كل طرف على المناورة والردع. لذلك هي حرب محدودة الأهداف، واضحة المسار، بعيدة عن تعقيدات الحروب التقليدية، تحفظ لكل طرف ماء وجهه، وتنقذ الجبهات الداخلية. فهي ليست الحرب المنشودة التي سيقضي بها طرف على الآخر، بل هي حرب المأزومين التي يبحث عنها كل طرف في سبيل مصالحه.

اليمين الإسرائيلي المأزوم بعد سلسلة الإدانات الدولية التي شجبت تصرفاته الفاشية ضد مدينة القدس ومقدساتها وسكانها الفلسطينيين، وحالات المراهقة السياسية التي أبداها وزراؤه منذ توليه سدة الحكم، تلقى الضربة الصاروخية من جنوب لبنان، ليسارع إلى توظيفها متقوقعا مجددا في دور الضحية المعهود أمام المجتمع الدولي، وصدر بيان عن الإدارة الأميركية يعطيه دعما لاستخدام القوة لحماية نفسه من هجمات صاروخية طالت كيانه. وتوحد الشارع الإسرائيلي، الممزق مؤقتا، في انتظار ردع ما يأتيه من الشمال والجنوب بلغة تكتيكية معتادة، وخرج زعيم المعارضة يائير لابيد بتصريحات نصرةً لأمن إسرائيل ودعما لموقف حكومة نتنياهو.

حكومة نتنياهو اللاهثة وراء أسباب تضمن استمراريتها مع رفع نسب شعبيتها قليلا في الشارع الإسرائيلي، لتخرج منتصرة من حرب الردود المحدودة دون التورط بتعقيدات سياسية تنعكس عليها بويلات التشرذم السياسي، ستكسبها الحرب التي تسعى لها وقتا تعيد به ترتيب أوراقها مجددا، وتظهرها بمظهر القوة التي تحتاجها بعد أزمتها السياسية الأخيرة، وتكون ذات لون سياسي موحد وجامع للإسرائيليين. فعندما يتعلق الأمر بالأمن، تتوحد الأطياف السياسية الإسرائيلية وتنصهر ألوانها الحزبية ضمن بوتقة المؤسسة العسكرية القائمة بالأساس على سياسة الردع وإبقاء المعركة في أرض العدو وفقا لعقيدتهم. فخلال الأسابيع الماضية، وفي ظل الأزمة السياسية داخل إسرائيل، كان دعم شرائح المجتمع الإسرائيلي كافة للمؤسسة العسكرية لتقوم بمهام ردع داخل العمق السوري ضد أهداف إيرانية.

إيران، وهي الطرف المأزوم المقابل، اختارت حركة حماس للرد، ضاربة بذلك عدة عصافير بحجر واحد، فلم تتورط بشكل مباشر بحرب قد تخرج تداعياتها عن حساباتها الإقليمية والدولية، خاصة وهي ترى بأن فرص الحرب عليها أصبحت أقرب كثيرا من أي وقت مضى، وحافظت بذات الوقت على حزب الله ومنظومته العسكرية، من خلال إرسال رسائل سياسية، تم توجيهها إلى إسرائيل بشكل سريع ومباشر بعدم مسؤولية حزب الله عن الصورايخ الـ30 التي أطلقت من الجنوب الذي يبسط الحزب سيطرته عليه.

حزب الله المأزوم سياسيا داخل لبنان، بما يعانيه من انقسامات وخلافات داخل معسكره على المرشح الرئاسي، بين ما يريده جبران باسيل وما يطمح إليه سليمان فرنجية، بالإضافة إلى انهيار الوضع الاقتصادي اللبناني، الذي انعكس على موارد الحزب المالية، وأثر على شعبيته بالعموم، مع عدم إغفال عوامل عديدة أخرى تؤثر على المشهد اللبناني برمته، دفع للزج بحماس لتكون بالواجهة لتلقي الرد العسكري الإسرائيلي. أراد النظام الإيراني بذلك تذكير إسرائيل بالأوراق التي بحوزته، والمناطق التي يتمتع بنفوذ عسكري وسياسي فيها، خاصة بعد فشل مخططاته التصعيدية في الضفة الغربية، فلم تنجح إيران في خلق موجة عنف منتظمة ومستمرة وموجهة من مناطق الضفة الغربية، بل بقيت أعمال مقاومة فردية لم تؤسس لحالة عامة يُبنى عليها مكسب سياسي للنظام في إيران أو لحركة حماس

حزب الله المأزوم سياسيا داخل لبنان، بما يعانيه من انقسامات وخلافات داخل معسكره على المرشح الرئاسي.. دفع للزج بحماس لتكون بالواجهة لتلقي الرد العسكري الإسرائيلي

العرب

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى