كيف يقرأ الإيرانيون اتفاق تبادل السجناء؟
حسن فحص
بعيداً من الشروط التطبيقية لاتفاق تبادل السجناء ونقل الأموال المجمدة التي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة الأميركية والنظام الإيراني، وأن المسار ربما يستغرق نحو شهرين لحين انتهاء عملية تبدل الأموال الإيرانية من العملات المحلية والدولار إلى اليورو وتجميعها في البنوك السويسرية ثم نقلها لاحقاً إلى البنك المركزي القطري، من الأهمية معرفة أو الوقوف على الخلفيات التي أسهمت في بلورة الموقف الإيراني وسهلت عملية اتخاذ القرار بالذهاب إلى توقيع هذا الاتفاق بعد أكثر من عامين من التفاوض كثيراً ما وصلت خلالهما الأمور إلى الخواتيم التي انتهت إليها، إلا أن المفاوض الإيراني كان يعمد إلى عرقلتها ونسفها في اللحظات الأخيرة.
ما من شك في أن أحد المحركات الأساسية التي ساعدت النظام الإيراني على اتخاذ قراره بالقيام بالخطوة الحاسمة أن الأصوات الداخلية المعارضة لأي اتفاق مع واشنطن خفتت نسبياً تحت ضغط تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية والحصار الذي تعيشه البلاد من جهة، وحاجة هذه القوى والنظام على حد سواء إلى إنجاز اقتصادي يخفف من حدة التوتر عشية الانتخابات البرلمانية المرتقبة مطلع مارس (آذار) 2024 من ناحية أخرى، فضلاً عن أهمية القيام بهذه الخطوة وإنجاز التبادل في ظل أجواء الصدمة التي ولدها الإعلان عن توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية برعاية صينية.
الاتفاق الموقع بين واشنطن وطهران لا يقتصر على النص المعلن أو البنود التي أدرجت فيه، بل هناك اتفاق رديف غير معلن تم التفاهم على بنوده بين الطرفين، أو في الأقل وجود سطور غير مكتوبة في الاتفاق الموقع بينهما تتعلق بمسائل أوسع من مسألة تبادل السجناء وتحرير الأموال المجمدة، ومن المفترض أن تشكل جزءاً من الخريطة المستقبلية لسياسة الإدارة الأميركية الخارجية في التعامل مع إيران ومن دون التأثر بالحملات والانتقادات الداخلية الصادرة عن الجمهوريين أو الديمقراطيين لما اعتبروه “دفع ترضية لإيران مقابل السجناء” أو تفريغ سياسة الضغط المفروضة على طهران من مضمونها وفاعليتها.
من هنا، يعتقد الإيرانيون بأنهم استطاعوا جر الطرف الأميركي إلى الملعب الذي يريدونه ويسعون إليه من خلال تغيير أو إدخال تغييرات في الأولويات الأميركية على طاولة التفاوض المباشر أو غير المباشر، إذ استطاعت المماطلة الإيرانية والتسويف في نقل المفاوضات عبر الوسيط القطري ومعه العماني من اتفاق تبادل السجناء وتحرير الأموال في البنوك الكورية مقابل تجميد إيران لأنشطة تخصيب اليورانيوم بمستوى 20 في المئة إلى تبادل ليس فيه أي مطلب معلن حول التخصيب واستبداله بمطلب واضح حول تحرير الأموال المجمدة في البنوك الكورية والعراقية واليابانية، من دون الدخول في تفاصيل الأرقام التي تتجاوز ما هو معلن من الطرفين، بخاصة أن الجانب الإيراني يحرص على عدم الكشف عن حجم ومقدار هذه الأموال تاركاً لنفسه هامشاً لاستغلالها وتوظيفها على الساحة الداخلية بحيث يعطي للحكومة قدرة على ادعاء تحقيق نجاحات وإنجازات في سياق الجهود التي تبذلها للتخلص من العقوبات المفروضة على النظام.
ويتوقف الإيرانيون عند التصريحات والمواقف الأميركية التي صدرت حول هذا الاتفاق، باعتبارها المدخل لمعرفة حجم الإنجاز الذي حققوه في هذه المفاوضات، وهي مواقف اعترفت بوجود استعصاء وصعوبة في حل أزمة السجناء وكل الطرق التي لجأت إليها الإدارة في واشنطن فشلت مع طهران، لذلك لم يكن أمام البيت الأبيض وإدارته الدبلوماسية سوى الذهاب إلى خيار مركب وغير مرغوب فيه، مثل العبور عن السقف العالي في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، بخاصة بعدما رفعت طهران مستوى التخصيب إلى نحو 60 في المئة مما زاد المشهد تعقيداً، بالتالي اعتماد مبدأ “أي اتفاق ممكن أفضل من عدم الاتفاق”.
ويعتقد الإيرانيون بأنه مع اصطدام واشنطن بحائط الفشل في إعادة إحياء اتفاق عام 2015، كان لا بد للدبلوماسية الأميركية من العمل على إبقاء قنوات التواصل مع طهران قائمة ومفتوحة من أجل هدف واحد هو العمل على قطع الطريق أمام تطويرها لأنشطة التخصيب والبرنامج النووي بالدرجة الأولى، في حين يفتح هذا الاتفاق الباب أمام إمكان التواصل حول قضايا تتعلق بالأمن والقضايا السياسية الخاصة بمنطقة غرب آسيا، خصوصاً الشرق الأوسط بالدرجة الثانية، في حين يشكل هاجس تشكيل تحالف أو محور جديد من إيران وروسيا والصين في الشرق الأوسط مصدر قلق للأميركي، بالتالي فإن إنجاز هذا الاتفاق يشكل رسالة إلى هاتين المنافستين بصعوبة هذا الأمر وأن الانهماك في الحرب الأوكرانية لا يعني تخلياً أو إهمال أهمية منطقة الشرق الأوسط في معادلات الطاقة والموازين الاستراتيجية الدولية.
ولا ينفي الإيرانيون أن الرغبة الأميركية في إنجاز هذا الاتفاق تأتي من رهان واشنطن على استغلال الموضوع الإنساني وحقوق الإنسان وتطويره ليكون جسراً نحو حوارات تعيد تفعيل التفاوض حول البرنامج النوويوالدور الإقليمي لإيران لتجنب التصعيد.
وهنا يتهم الإيرانيون الإدارة الأميركية بأنها راهنت على حصول انقلاب على النظام نتيجة الحراك الشعبي والاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل الفتاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، عندما أعلنت قبل عام تعليق المفاوضات مع إيران، إلا أن التطورات التي حصلت وفي مقدمتها الاتفاق مع السعودية واعتماد سياسة الانفتاح على المحيطين العربي والإقليمي، دفعا واشنطن إلى إعادة تقويم موقفها وتفعيل قنوات الوساطة والتفاعل.
لا شك في أن القراءة الإيرانية للتطورات التي أنتجت اتفاق التبادل والأموال تحاول التركيز أو تقديم الموقف من الزاوية التي تخدم مصالحها، وتحاول تناسي أو تجاوز التسويات التي قدمتها طهران وستقدمها في ملفات عدة قبل الوصول إلى هذه النقطة أو المرحلة التي أنتجت الاتفاق، سواء في الملف العراقي أو الالتزام بما هو مطلوب منها في الملف اليمني والملفات الأخرى التي لا تقل أهميتها عن أهمية الاتفاق في هذه المرحلة للإدارة الأميركية.
اندبندبنت عرببة