أهم الأخبارمقالات

هجوم شيراز: هل بدأت الثورة المضادة في إيران؟

 

علي حمادة 

لا شك في أن الأنباء عن هجوم مسلح على أحد الضرائح في مدينة شيراز جنوب إيران تسبب بمقتل العديد من الأشخاص مثير للقلق، لأن الرواية الرسمية التي أوردتها وكالة “إرنا” لا يعتد بها لأنها لا تتمتع بصدقية كمصدر يعتبر منصة لدعاية النظام الإيراني البدائية. ثم أن تطور موجة الاحتجاجات الواسعة التي انفجرت منذ أكثر من أربعين يوماً، مؤشر مهم في وقت لم تهدأ إنما انتشرت كالنار في الهشيم في ظل شجاعة نادرة أبداها المحتجون والمحتجات في كل المدن والبلدات الإيرانية التي انتفضت.

كل هذا يدفعنا كمراقبين الى توقع الأسوأ من جانب النظام الإيراني المرتبك الذي أخذته هذه الموجهة الاحتجاجية، لا بل الثورية، على حين غرة لأنه محاصر في زاوية حساسة جداً. ويله إن استخدم العصا الغليظة بلا حساب لوأد الثورة، وويله إن بقي مرتبكاً لا يقدم على خطوة دراماتيكية لكسر الموجة الكبيرة التي تضرب النظام من أسسه.

من هنا، فإن الهجوم المسلح الدموي الذي تتهم السلطات الإيرانية جماعات متطرفة من قبيل تنظيم “داعش” بتنفيذه، يستبطن عملاً استخبارياً يهدف الى شيطنة الاحتجاجات التي ترقى الى مستوى الثورة لأنها مسّت بجميع محرمات النظام، وأشّرت الى رفض جماهيري متنوع الانتماءات المناطقية والإثنية والجندرية لأسس النظام الثيوقراطي القائم منذ أربعة عقود ونيف.

من هنا أيضاً تقديرنا أن النظام الذي لم يبخل في سوريا بنصب الأفخاخ الاستخبارية لإلباس الثورة في سنواتها الأولى لباس التطرف الإسلامي حصراً، لتسهل عليه شيطنتها ومحاصرتها، وتبرير المجزرة المهولة التي اقترفت بحق مئات آلاف المدنيين بذريعة محاربة الإرهاب والتطرف المتجسدين بتنظيم “داعش” وتنظيمات أخرى، ليس مستبعداً أن يكون خلف هذا العمل الأمني في سياق تنفيذه مخطط لنقل الاهتمام من الثورة الرائعة التي تشهدها إيران الى مستوى أمني استخباري لتسهل محاصرتها وضربها بذرائع أمنية استخبارية تقليدية!

إن من يتابع ما يحصل في الشارع الإيراني بعد مرور أكثر من أربعين يوماً على مقتل مهسا أميني واشتعال موجة احتجاجات قادتها بداية المرأة بغالبية شبابية لافتة، يلاحظ أن الأمر تحول الى ثورة حقيقية على أسس النظام الأيديولوجية والسياسية والثقافية، وأن المواطنين الثائرين ما عادوا يخافون سطوة النظام وبطشه. والأهم أنهم حقّروا أركان النظام الأساسيين من أعلى الهرم الى أدناه. هؤلاء يرفضون العيش في “الجمهورية الإسلامية”، ويستحيل إيقافهم ومنع هواء الحرية عنهم من دون أن يدفع النظام ثمناً باهظاً جداً.

بالعودة إلى العمل الأمني الاستخباري في شيراز، لا يسعنا سوى القول إنه يصب في “طاحونة” النظام . هو لا يخدم الثورة، بل يخدم أعداءها الذين لم يتمكنوا خلال الأيام الأربعين الأولى من كسرها. ولكن النظام المرتبك الذي لا يعرف سوى لغة الدم قد يكون بدأ تنفيذ مخطط جهنمي لشيطنة الثورة وإلباسها ثوب التطرف والإرهاب. والنظام إياه الذي لم يتورع يوماً عن ممارسة الإرهاب داخلياً أو خارجياً، قادر على أن يغرق الساحة بدماء الثائرين في مئات المدن. من هنا أهمية أن يعي العالم الخارجي أن السلطات في طهران قد تلجأ الى ارتكاب مجزرة واسعة النطاق في الأيام أو الأسابيع القادمة في محالة لإيقاف المنحى الانحداري الذي تسير فيه بما قد يشير الى أن النظام قرر أن يطلق ثورته المضادة لإجهاض الثورة الحقيقية التي يتفق المراقبون على اعتبارها ثورة حقيقية، لا بل أكثر من ذلك أنها بمثابة مؤشر الى تشظي النظام.

ما تقدم لا يعني بالضرورة أن النظام الإيراني المدجج بجميع وسائل العنف، والذي يمتلك طاقة هائلة على القتل والاغتيال والقمع بشكل عام قد لا يتمكن من تنفيذ سيناريو مشابه للسيناريو السوري، فهو يواجه ثورة شعب إيراني، وسيكون حسابه عسيراً إذا ما اتجه صوب العنف المفرط. وقد يؤدي العنف المفرط الى انفجار النظام من الداخل لأن قتل المدنيين الإيرانيين أكثر تعقيداً من قتل السوريين الذين كانوا أيتاماً. لذلك إذا كان النظام في صدد شن ثورة مضادة تتسم بالعنف المفرط فإن عواقب هذا السلوك قد تكون دراماتيكية: فقد ينفجر النظام نفسه. إنها مرحلة شديدة الخطورة، وثمة من يعتقد أن إيران اليوم أمام مفترق طرق تاريخي!

نقلا عن “النهار”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى