أهم الأخبارمقالات

من سينتصر: غزة أم “حماس”؟

واشنطن تغلو في التحليلات، وتسبح في الاستشرافات حيال حرب غزة واشتباكات الضفة والجنوب اللبناني، والسيناريوهات تتعدد وتتعقد، والتي تترافق مع التحركات الميدانية في القطاع وعلى حدود إسرائيل مع سوريا ولبنان، ومع شحن الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل. وكذلك تتكثف التحليلات حول المراحل المقبلة، وبينها طريقة الإعلان عن وقف لإطلاق النار، وشروطها، والتطبيق إن أعلن، ولكن الفوضى الكبرى تتجلى في عدم وضوح ما يريده المجتمع الدولي حيال حرب إسرائيل في القطاع. هل المطلوب العودة إلى ستاتيكو ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)؟ أم دخول إسرائيل إلى عمق غزة وانتصارها على “حماس” بشكل كامل؟ أم خروجها بسرعة وانتصار “حماس” عليها بشكل حاسم؟ فلنستكشف ما تبغيه الأطراف إذا كان يهمها مستقبل غزة أم مستقبل “حماس”؟

وقف إطلاق نار

منذ الأيام الأولى لدخول القوات الإسرائيلية إلى شمال غزة صدرت تصريحات متتالية من حكومات عدة ومن الأمانة العامة للأمم المتحدة لإعلان وقف لإطلاق نار ثابت بين الطرفين. ودعمت “حماس” وإيران والدول العربية وروسيا والصين وعشرات الدول في الأمم المتحدة الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وبدأت بالضغط في هذا الاتجاه، لكن إسرائيل رفضت الدعوة، واستعملت واشنطن حق النقد لإيقافها، بينما تسعى دول تعتبر نفسها حيادية لكتابة نص جديد يرضي الأطراف كلها. يعتبر البعض في واشنطن أن وقفاً لإطلاق النار فقط لوقفه، من دون تغييرات ميدانية داخل القطاع، سيكون نكسة لإسرائيل، ويقارنون قرار كهذا بشيء مماثل لو أصدر مجلس الأمن قراراً لإيقاف العمليات الأميركية في أفغانستان بعد ضربات 11 سبتمبر (أيلول). هذا الرد يضيف أنه من دون حد أدنى من إجراءات في غزة، لن يكون وقف إطلاق نار ممكن وسترفضه واشنطن. أما معسكر “حماس” فقد وضع تنفيذ وقف النار كشرط لنقاش مختلف الآليات، وليس العكس. وتدعم دمشق وبيروت وصنعاء ومن ورائها موسكو وبكين الموقف “الحماسي” عبر المطالبة بقرار تقريباً غير مشروط. أما العدد الأكبر من الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن بينها الهند والبرازيل وفرنسا، فهي تطلب وقف إطلاق نار مع شروط الضبط الأمني داخل القطاع، مما يعني وجود ثلاثة محاور: إسرائيل وأميركا و”حماس” وإيران ومحورهما، وباقي الدول. انقسام كهذا حصل أكثر من مرة خلال الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ولا سيما خلال حصار إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت في صيف 1982، وعبر حروب “حزب الله” وإسرائيل. والخلاصة في هذه الحرب أن وقف إطلاق النار هو أمر حتمي في النهاية، ولكن السؤال هو متى؟
إذا حصل باكراً، تربح “حماس”، وإذا حصل بعد انكسارها فسيتحول إلى عملية تضميد إنسانية لغزة، وحسماً لصالح إسرائيل. ماذا يبقى بعد ذلك؟ ربما هدنة إنسانية، بمعنى أن يقف تبادل النيران لفترة وجيزة لحماية تحرك إنساني محدود من دون أي شرط آخر. وقد تحدث أكثر من هدنة واحدة في هذه الحرب.

استراتيجيات الأطراف

“حماس” والمحور الإيراني يريدان الحفاظ على مكاسب “غزوة النقب” على مستويات عدة، من قوة التعبئة في “الشارع الممانع”، إلى دعم قوى الاعتدال العربي والإسلامي “لقضية غزة”، والتخلي المرحلي عن التجييش ضد إيران ومحورها، إلى استعراض قوة في الغرب عبر التظاهرات القوية لصالح غزة و”حماس”. إذاً، الحصول على وقف إطلاق نار سيمكن “حماس” و”الجهاد الإسلامي” من تكديس رصيد قوي بين الفلسطينيين وقوى الممانعة، ولكن هناك قلقاً أميركياً من أن أي نصر “حماسي” سيتحول أيضاً إلى تقدم القوى الراديكالية ضد الدول المعتدلة مع كل ما يعنيه ذلك من تراجع أمام إيران، وإلى حد ما أمام “الإخوان” في المنطقة. من هنا، فقوى الاعتدال تريد وقف إطلاق نار لتخفف من توسع المتشددين. ولكن في المقابل، إسرائيل وأصدقاؤها في الغرب لم تصل بعد إلى النقطة المطلوبة “لإزالة الخطر” بمنظورها. وليس هناك من إدارة أميركية ستواجه الحليف الأكثر شعبية داخل حزبي أميركا. بنظر الطرفين، الحرب لا تزال بأولها، وهناك خطر أن تتوسع أكثر. سنرى.

شعب غزة

المعادلة في الغرب بما فيه الولايات المتحدة تتعلق بالرابط الذي قام بين قضية غزة وحركة “حماس”، وهو رابط يتعزز مع الوقت، وستجد إسرائيل، والغرب بشكل عام، نفسهما أمام تحد كبير إذا استبدلت السلطة الفلسطينية بحركة “حماس” عملياً. ففي ملف غزة هناك إجماع لتخليص شعبها من الحرب، ولكن ليس هناك قابلية لجعل “حماس”، السلطة الفلسطينية الجديدة، بخاصة بعد “غزوة النقب” وصور الهولوكوست المصغر. هذا خط أحمر في أميركا وأوروبا، ولكن “حماس” هي القوة العسكرية الأساسية داخل القطاع، وباتت العنوان العالمي لجبهة معاداة الغرب، فكيف يمكن حماية غزة وتخليصها من الأهوال من دون تقوية “حماس” ضد الاعتدالين الفلسطيني والعربي؟ لأن ثمة من يعتقد في العاصمة الأميركية وبعض شقيقاتها الأوروبية، أن سيطرة لا متناهية لسلطة في غزة بإمكانها التحالف مع إيران و”الإخوان” معاً، سوف تأكل الشركاء الإقليميين، رويداً رويداً.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى