أهم الأخبارمقالات

صفقة مع إيران وتعبئة ضدها… كيف؟

وليد فارس

توقف المهتمون بشؤون السياسة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي على قرارين لإدارة الرئيس بايدن يظهران وكأنهما على تناقض، ولكن ثمة رابطاً بين الاثنين. القراران أولهما قرار البيت الأبيض في عقد صفقة جانبية مع طهران لتبادل الأسرى ودفع فدية من ناحية، وثانيهما قرار للبنتاغون لتعبئة عسكرية وانتشار في المنطقة “لردع إيران”.

تخرج هذه المعادلة الغريبة إلى الرأي العام الأميركي والعالمي حاملة بعض التناقض وكثيراً من الغموض؟ إذ يمكن التساؤل: كيف تستوي الأمور بين إرسال ستة مليارات دولار (علناً) إلى طهران، مما سيعزز قدراتها القومية الدفاعية، وفي الوقت نفسه إرسال قطع بحرية وطيران ومشاة إلى الخليج، مما يعني صرف ميزانية عسكرية “لمواجهة التحديات الإيرانية”؟

كيف يمكن القبول بمنطق كهذا أياً تكن مسبباته؟ فإذا كان النظام الإيراني مصدر تهديد يستدعي إرسال بوارج وصواريخ وقاذفات وقوات خاصة، فلماذا ترسل واشنطن بموازاة قواتها ستة مليارات دولار للنظام نفسه وفي الوقت نفسه؟

يعلل البعض في الإدرة الأميركية بأن هذا هو ثمن خمس رهائن أميركيين! هل هذا يعقل؟ ففي ذروة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي كان ثمن “رهينة” لدى قوة عظمى نظيرها لدى قوة عظمى أخرى، لذا فإذا تبادلت واشنطن وإيران خمس رهائن بخمس، فلماذا تحول ستة مليارات إلى طهران بطلب من الإدارة إلى حسابات الدولة الإيرانية عبر قطر؟

ويعلل آخرون، لا سيما الفريق المكلف المفاوضات في إدارة بايدن، التحويلات المالية أيضاً بتناقضات مربكة. فمن جهة يفسرونها بأنها مخصصة لشراء الأدوية والحاجات الإنسانية. والرد هنا أن السلطة عندها قدرة الشراء من ريع بيع النفط إلى الصين والهند والسيولة الآتية من التحويلات السابقة، فلماذا تقوم الإدارة بهذا “الجميل” الإضافي؟

فيما يذهب فريق ثالث إلى أن المبلغ سيلزم النظام بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم! والتساؤل هنا حول نتائج التحويلات السابقة منذ فترة أوباما، لأنها أيضاً لم تضع حداً للتخصيب وشراء الأسلحة الاستراتيجية. إذاً، ماذا يدور وراء الصفقات في الكواليس؟

لماذا الصفقة؟

يبدو أن “تبادل الأسرى” عملياً صفقة تنفيذية للاتفاق الكبير الذي وقعته إدارة أوباما، وانسحبت منه إدارة ترمب، وعادت إدارة بايدن لتنفذه، كما أوضحت في كتابي “الجمهورية الإيرانية الإمبريالية”.

فالمليارات الستة هي جزء من عشرات المليارات التي تم الاتفاق على تحويلها منذ 2015. أما لماذا الإصرار على تحويلها لطهران على رغم نهج الجمهورية الإسلامية، فلأن صفقة هائلة تم التوافق عليها بين كتل مالية كبرى في الغرب بما فيها الولايات المتحدة والقيادة الإيرانية، وقد فصلناها في مقالات سابقة. فما لم تتغير الظروف أو السياسات فالتحويلات ستستمر حتى 2025، مع كل ما تعنيه جيوسياسياً، إلا أن الإدارة تعرف مدى معارضة الكونغرس لهذه الصفقات، فتلجأ إلى ربطها بملفات عزيزة على قلب الرأي العام كاسترجاع الرهائن الأميركيين و”مساعدات إنسانية”.

“الردع العسكري”

أما موضوع تحريك قطع عسكرية أميركية في الخليج “والمنطقة”، فهو من اختصاص البنتاغون، أي إن القيادة العسكرية التي تقيم نسبة “الخطر الإيراني” بشكل متواصل تقدم اقتراحات للتحركات للبيت الأبيض للموافقة، ولكن القرار لمجلس الأمن القومي، والرئيس للقرار النهائي. وتدخل في التقييم عناصر سياسية وإعلامية وانتخابية، إذ إن التحركات والاستفزازات الإيرانية لم تتوقف منذ سنوات.

ويبدو أن الإدارة قررت أن تقبل اقتراحات البنتاغون هذه المرة لأسباب سياسية، وقد تكون في معظمها مرتبطة بصفقة المليارات السبعة. ففي خضم معارضة داخلية شديدة ضد التحويلات يأتي الانتشار العسكري وكأنه يوحي بأن البيت الأبيض “يعرف كيف يتصرف”. يدفع مالاً لتحرير رهائن، وهي مليارات خصصت بالأساس إلى الاتفاق النووي، ويرسل قطعاً عسكرية كرسالة لإيران ألا تتعدى حدودها.

إلا أن المراقبين وجزءاً كبيراً من الرأي العام الأميركي أدركوا حقيقة المناورة. فالمبلغ ضخم ليبرر تحرير خمسة أشخاص، والمناورة العسكرية لا تبدو وكأنها ستشتبك مع الإيرانيين من دون سبب كبير. ربما الأهم أن فصل الانتخابات الرئاسية بات يؤثر أكثر في السياسة الخارجية.

*نقلا عن إندبندنت عربية

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى