مقالات

تكليف “وزارة القمع” الإيرانية إلى قائد رفيع في الحرس الثوري

مراد ويسي 
تم تعيين أحد كبار وأبرز قادة الحرس الثوري وزيرا للداخلية الإيرانية. وهو اللواء أحمد وحيدي، الذي يبلغ من العمر 63 عاما وله حضور في الحرس الثوري لمدة 42 عاما.
 
وفي الـ12 عاما الأخيرة في إيران، والتي شهدت دورة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد النظام الإيراني، كان 3 وزراء من أصل 4 وزراء الذين تم تعيينهم على وزارة الداخلية الإيرانية وهي المؤسسة الرئيسية لقمع الاحتجاجات، كانوا من كبار قادة الحرس الثوري، وهم: صادق محصولي، محمد مصطفى نجار، وأخيرا أحمد وحيدي.
 
وعلى الرغم من أن الرأي العام في إيران يعلم أن عبدالرضا رحماني فضلي، وزير الداخلية في حكومة روحاني ليس ضمن أفراد الحرس الثوري، لكنه يشتهر بين الشعب الإيراني بقمعه الأوسع والأكثر دموية للمحتجين الإيرانيين خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
 
وأثار تعيين أحمد وحيدي وزيرا للداخلية الإيرانية 3 أسئلة مهمة، وهي: في ظل الظروف الراهنة، ما الحاجة إلى تعيين قائد كبير آخر في الحرس الثوري وزيرا للداخلية؟ لماذا وزارة الداخلية هي الوزارة الأكثر أهمية وحساسية للجمهورية الإسلامية في الأوضاع الراهنة؟ وثالثا: ما هي خلفيات وخصائص وتجارب أحمد وحيدي ولماذا تم تعيينه بالتحديد للسيطرة على هذه الوزارة؟
 
لماذا قائد في الحرس الثوري يتم تعيينه وزيرا لوزارة الداخلية ؟
 
تظهر التطورات التي حدثت في العقد الماضي أنه لم تكن هناك مثل هذه الاحتجاجات الشعبية والمناهضة للنظام الإيرانية بهذا الاتساع والحجم الكبير في عموم إيران. على مدى السنوات الـ 12 الماضية، يعني منذ الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009 والتي اشتهرت باحتجاجات “الحركة الخضراء” في إيران، تكررت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية والمناهضة للنظام في البلاد، كان آخرها الاحتجاجات التي اندلعت من الأحواز على شح المياه وراحت تتوسع في جميع إيران.
 
وبعد احتجاجات عام 2009، شهد النظام الإيراني احتجاجات شعبية عام 2017 مناهضة له في مناطق ذات أغلبية مهمشة وفقيرة، وتوسعت في عشرات المدن الإيرانية. وهي الاحتجاجات التي رفعت فيها هتافات ضد “أصل النظام الإيراني” بشكل صريح. ورفع خلالها المحتجون شعارات ضد المرشد الإيراني أيضا وطالبوا بإسقاط الجمهورية الإسلامية.
 
واندلعت في عام 2018 احتجاجات مماثلة في بعض المدن الإيرانية، ولكن الاحتجاجات الأوسع اندلعت في نوفمبر 2019 احتجاجا على الارتفاع المفاجئ لأسعار البنزين، والتي أصبحت على الفور أكبر احتجاجات مناهضة للنظام الإيراني، وأكثرها انتشارا في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
 
واتسمت احتجاجات نوفمبر 2019 بثلاث سمات خاصة، هي: كانت الأكثر انتشارا في تاريخ إيران، مطالب المحتجين فيها كانت أكثر راديكالية وحدة، وثالثا: ارتكب فيها النظام الإيراني أكبر حملة للقمع الدموي لاحتجاجات الشارع في تاريخه، حيث قدر عدد القتلى فيها بين 300 إلى 1500 شخص.
 
ورفض النظام الإيراني الإعلان عن أعداد القتلى في احتجاجات نوفمبر 2019 حتى الآن. ولكن أحدث احتجاجات شهدتها إيران حدثت في هذا الصيف، حيث كانت انطلاقتها من الأحواز، جنوب غربي إيران، احتجاجا على شح المياه، ولكنها سرعان ما تحولت إلى احتجاجات ضد النظام الإيراني وأخذت تتوسع في جميع مدن المحافظة، وفي أعقاب محاولات النظام الإيراني لقمع المحتجين العرب في الأحواز وإلصاق تهمة الانفصاليين عليهم، خرج أهالي العديد من المدن الإيرانية الأخرى في احتجاجات تضامنية مع المحتجين في الأحواز.
 
وبالتالي، تعكس جميع هذه الاحتجاجات أن ظاهرة تكرار الاحتجاجات الكبيرة والمتسلسلة أصبحت أهم خطر أمني يلاحق نظام الجمهورية الإسلامية. وهو الخطر الذي يرى مسؤولو النظام أنه قد يؤدي إلى انهيار النظام في أي لحظة ممكنة، وذلك بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في إيران، وزيادة مستوى الاستياء بين الشعب الإيراني.
 
لذلك، فإن القضية الأساسية التي يواجهها النظام الإيراني في الأوضاع الراهنة هي كيفية الاستمرار في قمع الاحتجاجات، في حين أن هذه الاحتجاجات ومن حيث انتشارها في البلاد والمحافظات، وكذلك من حيث المطالب الأكثر راديكالية للمتظاهرين، ومشاركة مختلف شرائح المجتمع فيها، لم تكن مصدر قلق للنظام الإيراني إلى هذا الحد.
لماذا تعتبر وزارة الداخلية أهم وزارة للنظام في الوضع الحالي؟
 
وفي الوقت الذي أصبح فيه قمع الاحتجاجات ومنع انهيار النظام هو القضية الرئيسية للنظام الإيراني، فإن غرفة التحكم لقمع الاحتجاجات هي وزارة الداخلية المسؤولة عن توجيه القمع في 31 محافظة من البلاد، وهي أيضًا مقر أمانة مجلس الأمن القومي، الذي يمثل هيئة التنسيق الوطنية للقمع. ووزير الداخلية هو أيضا رئيس مجلس الأمن باعتباره أهم مجموعة فرعية من مجلس الأمن القومي الإيراني.
 
وتشير الدلائل إلى أن 11 مؤسسة ومسؤولاً في كل محافظة مسئولون عن توجيه وقيادة قمع الاحتجاجات، و31 محافظاً كأعلى مسئولين في المحافظات، و 431 قائمقاما باعتبارهم أعلى مسئولين في كل مدينة تابعين لوزارة الداخلية، ويتلقون أوامر القمع من وزير الداخلية.
 
أما ممثل المرشد الأعلى في المحافظة، والمحافظ، ومساعد المحافظ في الشؤون السياسية والأمنية، وقادة الحرس الثوري الإيراني، والباسيج، ووحدات إنفاذ القانون، والوحدات الخاصة، ورؤساء المحافظات لجهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، ووزارة المخابرات، ورئيس القضاء، والمدعي العام في كل محافظة، فيشكلون شبكة القمع المحلية في كل محافظة.
 
ويكون المحافظ وممثل المرشد الأعلى في كل محافظة على رأس شبكة القمع هذه، ويقوم مساعد المحافظ في الشؤون السياسية والأمنية، بصفته رئيس مجلس الأمن، بتنسق المؤسسات العاملة في شبكة القمع هذه.
 
من ناحية أخرى، على المستوى الوطني، فإن وزير الداخلية ليس فقط له السلطة العليا على جميع المحافظين، ولكن أيضًا أمين مجلس الأمن القومي، المسؤول عن توفير الأمن (القمع) في جميع أنحاء البلاد. ويضم المجلس الحرس الثوري والشرطة والباسيج باعتبارها الركائز الأساسية لقمع المحتجين.
 
بالإضافة إلى ذلك، عادة ما يكون وزير الداخلية نائب القائد الأعلى في شؤون قوات الشرطة، ولا سيما وحدتها الخاصة، التي تشكل رأس حربة القوى القمعية للمتظاهرين. وقد جعلت هذه الظروف مجتمعة وزارة الداخلية هي الوزارة الأهم والأكثر حساسية للنظام الإيراني في الوضع الراهن.
 
لماذا يعتبر أحمد وحيدي أهم وزير في الحكومة ولماذا تم اختياره لوزارة الداخلية؟
 
يتم تعيين وزير الداخلية تقليديًا بالتدخل المباشر للمرشد الأعلى للنظام الإيراني، وهو وزير للنظام والمرشد أكثر من كونه وزيرا يعينه رئيس الجمهورية.
 
وأحمد وحيدي، الذي شغل سابقًا منصب وزير الدفاع في حكومة محمود أحمدي نجاد (2009-2013)، هو أيضًا أكثر الوزراء خبرة في حكومة رئيسي.
 
قبل ذلك ، كان قائدًا لفيلق القدس، الفرع الخارجي للحرس الثوري، لمدة 7 سنوات (1990-1997)، وقبلها كان مسؤولًا عن مخابرات الحرس الثوري، وقائد الحرس الثوري اللبناني، والمفاوض مع الولايات المتحدة في قضية “ماك فارلين”.
 
على الرغم من أن هذه السجلات قد تسببت في تسليم أهم وزارة في النظام الإيراني إلى شخص ذي خبرة وموثوق للغاية في الوضع الحالي، وفي الواقع إلى الحرس الثوري، فإن القضية الرئيسية التي تم التغاضي عنها هي أن أحمد وحيدي هو الحاكم العسكري الوحيد في تاريخ النظام الإيراني، في مدينة واحدة.
 
في صيف عام 1988، عندما تحركت قوات مجاهدي خلق في عملية “فروغ جاويدان” ضد النظام الإيراني، ووصلت إلى 35 كيلومترًا من كرمانشاه، أهم مدينة في غرب البلاد، كان من الممكن سقوط هذه المدينة في أي لحظة.
 
وتم اختيار أحمد وحيدي حاكمًا عسكريًا لكرمانشاه عندما كان هاشمي رفسنجاني قائدًا للحرب، وكان جميع كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في هذه المدينة. هذه الفترة تعرف بالإعدام السريع لبعض الأشخاص المتهمين بالتعاون مع مجاهدي خلق على أبواب كرمانشاه، وحتى أحمد وحيدي اعتقل بعد ذلك بقليل بسبب أفعاله خلال هذه الفترة، وأطلق سراحه بأمر من هاشمي رفسنجاني (مذكرات رفسنجاني، 28 أغسطس 1988).
 
عزز هذا السجل احتمالية أن النظام الإيراني، الذي يشعر بخطر انتشار الاحتجاجات، قد فكر أيضًا في فرض الأحكام العرفية في المدن.
 
بمثل هذا السجل، يبدو أن النظام قرر الآن أن خطر تكرار الاحتجاجات الواسعة النطاق بات وشيكًا، وأنه من الضروري تسليم وزارة الداخلية، أو في الواقع “وزارة القمع” ، إلى الحرس الثوري، ولا سيما القادة ذوو السجلات العسكرية، وتجربة قمع الاحتجاجات في الشوارع في السنوات الـ 12 الماضية تظهر أنه على الرغم من القمع الدموي والمستمر، فإن نطاق الاحتجاجات الشعبية والمناهضة للنظام لم يتقلص فحسب، بل إن الفجوة الزمنية بين الاحتجاجات أصبحت أقصر، واتسع انتشارها الجغرافي على الصعيد الوطني، وأصبحت مطالب الناس أكثر راديكالية، وانهار خوف الناس من قمع النظام، وزادت شجاعة المحتجين للمطالبة بإسقاط النظام واستهداف خامنئي نفسه بصفته الشخص الرئيسي المسؤول عن الوضع الحالي في البلاد.
نقلا عن إيران اينترنشنال

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى