أخبار الأحوازمقالات

” الأحواز .. الدولة المحتلة و الهوية المنتهكة “

*حمد حساني

الأحواز أرض عربية محتلة،، وتحاذي الخليج العربي، وتحتلها إيران منذ ما يقرب المائة عام. والحوز من الألفاظ الدارجة قديمًا، ولا تزال في العربية وبين أبناء الأحواز، فيقولون: هذا حوز فلان: أي في حيازته وملكه. وتصحفت بلغة فارس، وصارت أهواز، وجاراهم العرب منذ مئات السنين بالتسمية (أهواز)، فهذا جرير يقول: (سيروا بني العم فالأهواز منزلكم)

وورد في مقامات بديع الزمان الهمذاني: «كنت أجتاز في بعض بلاد الأهواز، وقصاراي لفظة شرود أصيدها، وكلمة بليغة أستزيدها»..إلخ. وبقي اسم الأحواز عربيًّا لهذه الأرض حتى عهد إسماعيل الصفوي وابنه (طهماسب)، أي العهد الصفوي، فأطلق الفرس عليها (عربستان)، ويعني ذلك إقليم العرب؛ لأن كلمة ستان تعني بالفارسية الأرض أو الإقليم.

وجاءت بوادر اكتشاف النفط المبكر في هذه الأرض لتكون وبالاً على أهلها بعد زيادة الاهتمام الدولي بها. وقد لا يعرف البعض أن بئر النفط الذي حُفر في مدينة مسجد سليمان في منطقة الأحواز عام 1908م هو أول آبار النفط في منطقة الشرق الأوسط

و يعد السبب الأقوى لاحتلال إيران لهذه المنطقة لكونها غنية بالموارد الطبيعية من النفط والغاز ذلك أن أكثر من 90 بالمئة من إجمالي إنتاج طهران من الغاز الطبيعي والنفط يأتى من الأحواز، كما أن الاحتياطات النفطية بالأحواز تشكل 10 بالمئة من احتياطات النفط العالمية، و18 بالمئة من احتياطات الغاز عالميا، وتنتج الأحواز 40 بالمئة من فولاذ إيران، وتوفر المحطات الكهربائية بالأحواز 25 بالمئة من الطاقة الكهربائية الإيرانية، وتنتج مصانع البتروكيمياويات الأحوازية نصف إنتاج إيران، كما يوجد 40 بالمئة من المياه العذبة الإيرانية بالأحواز، وعليه يمكن القول إن الاقتصاد الأحوازي يشكل 75 بالمئة من الناتج المحلي الإيراني

وبالأحواز مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة تلك التي يصب فيها أحد أكبر أنهار المنطقة وهو نهر كارون الذي يسقي السهول الزراعية الخصبة، فمنطقة الأحواز هي المنتج الرئيس لمحاصيل السكر والذرة في إيران وتساهم الموارد المتواجدة في هذه المنطقة (الأحواز) بأكثر من نصف الناتج القومي الصافي لإيران، وأكثر من 80 بالمئة من قيمة الصادرات في إيران، ومن خلال موانئ الأحواز تتم 80 بالمئة من عمليتي التصدير والاستيراد لدى الدولة الفارسية.4

وللمفارقة فإن الأحواز من أغنى المناطق على وجه الأرض بالثروات الطبيعية الهائلة ويعيش فيها أفقر شعب وهناك مقولة شهيرة تدل على تمسك الفرس بالأحواز وهي للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي عندما قال: “إيران تحيا بخوزستان”.

وفي إطار تطبيق سياسة «التفريس» أصدرت الحكومة الإيرانية أمرا بمنع استخدام اللغة العربية في الأماكن العامة، ومن يخالف ذلك الأمر يتعرض للعقاب، لأن التحدث باللغة العربية جريمة يعاقب عليها القانون الصفوي، كذلك قررت إيران أن تكون مناهج الدراسة في المدارس باللغة الفارسية فقط، ولا يجوز التحدث بأي لغة أخرى ومنع الأحوازيون من تسمية مواليدهم بأسماء عربية كما منعوا من لبس الزي العربي وتم استبداله بالزي البهلوي الإيراني

و قامت الحكومة الإيرانية بتغيير الأسماء العربية إلى الفارسية، فمدينة المحمرة ـــ على سبيل المثال ـــ أصبح اسمها (خرم شهر) وهي كلمة فارسية، بمعنى البلد الأخضر، ومدينة الحويزة أصبحت (دشت ميشان)، والخفاجية أصبحت (سوسنكرد)، والصالحية أصبحت (اندميشك)، والأحواز أصبحت (الأهواز)، وميناء خور عبد الله أصبح (ميناء بندر شاهبور)، والشارع الخزعلي في المحمرة أصبح (شارع بهلوي)، وإمعانا في تطبيق سياسة «التفريس» قامت الحكومة الإيرانية بإصدار جريدة “خوزستان” في مدينة المحمرة باللغة الفارسية. إن القمع المسلح الذي تمارسه الدولة الإيرانية ضد مواطني دولة الأحواز العربية يعتبر مصادرة لحق الشعب الأحوازي في تقرير مصيره، وأن أي مساعدة عربية أو دولية تهدف إلى دعم قدرة شعب الأحواز في المطالبة في تحقيق حقوقه المشروعة، تعتبر أمرا مرفوضا من قبل السلطات الإيرانية. وإذا كان الشعب العربي الأحوازي يرفض الاحتلال العسكري الإيراني ويقاومه ويأخذ هذا الرفض شكل مظاهر مادية وفعلية مستمرة على الوجه الذي يقطع برغبته الواضحة في الاستقلال، فإن الوجود الإيراني في الأحواز يعتبر اغتصابا واحتلالا غير مشروع، وتعتبر الحركة الوطنية الأحوازية حركة وطنية يحميها القانون الدولي ويبيح لها النضال المشروع تأكيدا لحق شعب الأحواز في الحرية والاستقلال ضد السيطرة الإيرانية الأجنبية

من السهل قلب المعادلات مع إيران بفهم طبيعة داخلها، وتحويل هجومها إلى دفاع بتأييد حقوق تلك الأقليات ونزع شرعية الدولة المضطهدة لهم، وكيف أن خدعة الدستور الذي يتحدث عن تطبيق هذه الحقوق، ليست إلا شكلاً فقط لا مضموناً، ولعل الالتفاف على الداخل الايراني ضمن استراتيجية طويلة، كفيل بتفكيكها كما تسعى لفرض نفس السلوك على العراق وسورية ولبنان واليمن، إذ هي بنفس الهشاشة من حيث هلامية القاعدة العامة لمكوناتها، وهذا ليس رد فعل عاطفي لو عرفنا كيف نؤسس مراكز بحوث تقوم بجمع المعلومات وخلق الخطط التي تجعلها على خط التفكك وتصاعد الأزمات

وأخيرا أتمنى أن تباشر جامعة الدول العربية دعم ملف دولة الأحواز العربية وقبولها عضوا في منظومة الجامعة العربية لها ما للدول العربية الأعضاء من حقوق، وعليها ما على الدول العربية الأعضاء من واجبات . . إن جامعة الدول العربية في أمس الحاجة إلى إعادة الأحواز العربية إلى الحضن العربي، لأن دولة الأحواز العربية إذا أخذت استقلالها، فإن استقلال هذه الدولة سيكون ذا فائدة جيوسياسية عظمى للعرب، حيث يصبح الخليج العربي محاطا بسياج عربي كامل، وحدود إيران تبدأ من وراء سلسلة جبال زاكروس، وهي منطقة بعيدة عن سواحل الخليج العربي، وبذلك فإن حجة إيران بأن الخليج فارسي وليس عربيا تسقط بالكامل، فهو عربي محاط من جميع الجهات بدول عربية من الوريد إلى الوريد.

*المدير التنفيذي لمركز سعود زايد للدراسات البحثية والسياسية والاستراتيجية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى