أهم الأخبارمقالات

إيران وفلسطين… ماذا يعني قطع رأس الأفعى؟

 

علي رضا نوري زادة

كان العالم شهد تظاهرات كبيرة لرفض نية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن شن الحرب على العراق، شارك فيها ملايين في أنحاء العالم من نيويورك وكوالالمبور إلى القاهرة حتى سانتياغو، إذ خرجت حشود كبيرة بآلاف وملايين (بلغ عدد المشاركين في تظاهرة روما وحدها 3 ملايين).

ومع استمرار التظاهرات المعارضة للحرب على العراق كان صدام حسين اقتنع بأن بوش وبلير يعيدان النظر في نيتهما خوض الحرب، لكن بوش قرر شنها وجاء إلى الشرق الأوسط ومعه مدفعيات ودبابات وصواريخ ومعه أحمد الجلبي الخادم لولي الفقيه.

وكان توقيع 50 شخصية من المعارضين للنظام الإيراني على رسالة رفضوا من خلالها خوض حرب غربية إسرائيلية ضد إيران، ذكرتني بالأجواء التي شهدها العالم أوائل القرن الحالي، إذا كان القرار قطع رأس الأفعى فما قيمة تلك الرسائل، علينا أن نكون واقعيين وألا نخدع أنفسنا.

يصدر اللوبي الإيراني في واشطن “ناياك” مثل هذه الرسائل كلما نشبت أزمة بين إيران وأميركا خلال الحرب على العراق، وكانت حرب “حزب الله” وإسرائيل عام 2006 والمواجهات التي خاضها الحرس الثوري في المنطقة حملت الولايات المتحدة تكاليف كثيرة لكن بوش تأثر باللوبي الإيراني الذي قاده صوب طريق السلام.

كنت تحدثت كثيراً عن رأس الأفعى، ووضع كاتب مقالة “رأس الأفعى في طهران” عنوان مقالة بين ظفرين ليعلن للعالم كيف يمكن التخلص من الحرب ودعاة الحرب.

أعرف ماذا يريد عطاء مهاجراني، إنه يأمل بأن يصبح رئيساً لإيران كما يأمل بأن يعفو عنه المرشد ويغض الطرف انتقاداته غير المباشرة في صحيفة اطلاعات ويحلم بأن يناديه المرشد تعال يا دكتور. “لا تجعلني اتألم في فراقك، لكني لا أعرف لماذا وقع على الرسالة عدد من الأصدقاء الأعزاء والمحترمين الذين لا أشك في حبهم لإيران”.

جميعنا نعارض الحرب وتدمير وطننا، الإطاحة بنظام الجهل والظلم والفساد تعد من آمالنا. في حال غير ذلك لتركنا كل شيء وأمضينا ما بقي من العمر من دون قلق. لم أجد بين الموقعين على الرسالة أحد أكثر حباً مني لفلسطين والشعب الفلسطيني.

كان أول ما أصدرت هو كتاب ترجمة لأشعار نزار قباني من ضمنها قصيدة هذه بعض كلماتها:

“يا قدس، يا منارة الشرائع…

يا طفلة جميلة محروقة الأصابع…

حزينة عيناك، يا مدينة البتول…

يا واحة ظليلة مر بها الرسول…

حزينة حجارة الشوارع…

حزينة مآذن الجوامع

يا قدس، يا جميلة تلتف بالسواد…

من يقرع الأجراس في كنيسة القيامة؟ صبيحة الآحاد…”.

أنا من قدم شعر المقاومة للإيرانيين قبل سنوات، قبل أن يظهر الخميني. نشرت “ملحمة فلسطين” عام 1968 بواسطة رضا جان أمامي في دار نشر “بعثت”، ونشرت كتاب “خارج الأساطير” بواسطة دار نشر “أمير كبير”.

نشرت تقارير عن تل الزعتر التي سال بها الدم ليس بواسطة إسرائيل، بل بواسطة حافظ الأسد وجيشه المجرم، وكنت رفقة الميليشيات الفلسطينيين تحت وابل الرصاص وانشدت الشعر وصرخت. وغطيت مؤتمر فلسطين في القاهرة وتلقيت من هناك خبر اغتيال كمال جنبلاط بأمر من حافظ الأسد، فتوجهنا جميعاً إلى لبنان وشاركنا في وداعه في الجبل.

ذهبت لاستقبال ياسر عرفات برفقة صادق قطب زادة خلال زيارته لإيران بعد الثورة. أنا كنت أول من كتب عن معاناته من الخميني، أنا من مهد للقاء ياسر عرفات مع الراحل شابور بختيار في تونس.

بعدما رفرف العلم الفلسطيني في رام الله ظهرت بوادر أمل في قلوب المظلومين من الفلسطينيين، الخناسون مثل الأسد والقذافي وولي الفقيه لم يطيقوا انتصار السلام على الحقد والدمار وحرضوا أشخاصاً تتنوع أسماؤهم التي تبدأ بـ”أبو…” ضد عرفات وأنصاره. إذا ما كان نجح عرفات ورابين في تثبيت صورة المصافحة في الأذهان لما كنا سمعنا عن شارون ولا نتنياهو. ولم يكن وقتها دكان لإسماعيل هنية أو خالد مشعل أو زياد نخاله (الذي تلقى مئات ملايين الدولارات من أموال الشعب الإيراني ويقول إن الشيعة الروافض والكفرة ليس لهم مكان في الجهاد الإسلامي).

لم أتطرق إلى هذه الأمور للإشادة بنفسي إذ كتبت كثيراً عن فلسطين وجرائم اليمين الإسرائيلي والمهاجرين الروس والأوكرانيين والأوزبكيين، وكيف تخلوا عن اليسار الإسرائيلي وفسحوا المجال لنتنياهو.

كلما شهدنا حظوظ تقارب ووحدة بين الفلسطينيين والتوجه نحو السلام عمل الأسد والقذافي وصدام وولي الفقيه الأول والثاني و”حزب الله” على سفك الدماء بالمال وإشعال مواجهات دامية خاضها انتحاريون وقتلوا كبار السن والأطفال الإسرائيليين في الحافلات والمطاعم والمعابر وحولوا وعود السلام إلى مواجهات. آخر مثال على ذلك أداء “حماس” بأوامر من طهران ورافق ذلك أداء نتنياهو الذي أعلن الانتقام من الحركة الفلسطينية (أبو مازن كان تحدث لي عن مثل هذه الأمور مئات المرات وكنت غطيت ذلك في كتاباتي وبرنامجي التلفزيوني).

يتعرض وطن آبائي وكذلك الشعب الفلسطيني وشعوب الشرق الأوسط منذ 44 سنة إلى أضرار من جيش الخداع والجرائم والسرقة والأداء غير الأخلاقي باسم الإسلام. يصدح صوت الحرب والحقد بدلاً من نشيد الحب والحياة. رأس الأفعى يقع وسط طهران ويحرض الشباب على الدمار والحرائق وقطع الرؤوس. لماذا يخشى البعض من قطع رأس الأفعى؟ لا علاقة بين النظام الفاسد المجرم والشعب الإيراني.

كتب الكاتب الإيراني أبو الفضل محققي على موقع “كويا نيوز” رداً على صديق قديم بادر بتهنئته بمناسبة عيد ميلاده، “المسافات بعيدة والمحبة اختفت وأنا أطرق جميع الأبواب. أعمل كل شيء ليس له أية علاقة باختصاصي ودراستي حتى لا أعود للمنزل ويدي فارغة. الموائد خالية والصبر قليل والمستقبل مظلم والخلافات العائلية ترتفع. الزوجة تخوض خلافاً مع زوجها والأب مع الابن والأخ مع شقيقته والجار مع الجار والمسافر مع المسافر. صدقني لا أبالغ. حتى علاقتي الحميمة مع زوجتي وصلت إلى حد أكتفي فيه بالسلام اليومي عليها. تتواتر أخبار مرة وسيئة كثيراً عن الإعدامات عن مجلس الشورى والمحاكم العرفية ونحن نستمع إلى التصريحات المقرفة للمتخلفين، إذ تتلف الأعصاب. بخاصة عندما ترى إنك تعجز من فعل أي شيء إذ يقضون عليك وعائلتك في لحظة”.

فالحياة اليومية في إيران تحولت إلى مسرحية يشتبك جميع الممثلين فيها. الجميع منهمك بالضحك على بعضهم الآخر. الأخلاق في أدنى مستوياتها والقبح ينمو في العلاقات الاجتماعية. من أكبر جرائم النظام هو القضاء على الاعتقاد بالله من دون أي توقع. هؤلاء عديمو الضمائر قضوا على كل شيء. لقد انهمكوا بانتهاك الحقوق بصلافة مرتدين لباس الدين وأصبح كل شيء طبيعياً حتى القبح والعنف والفساد والسرقة والكذب والاعتداء والظلم وانتهاك حقوق الآخرين إذ تحولت هذه الأمور إلى أمر طبيعي. لقد سقطنا أيما سقوط”.

هذا الفيروس الذي اسمه نظام الجمهورية الإسلامية ينتشر في المجتمع ويفسده ويدمره، يتربع على حناجر الناس ويقطع الأنفاس، إننا نتنفس بصعوبة، عيوننا لا ترى، لا شيء يثير الدهشة فينا. لا الفساد ولا مشاهدة وضع عاملي النظافة ولا صلافة المعتدين على حقوق الناس. لم أكن أتخيل أن يحل بنا مثل هذا الوضع. عدم الاكتراث بالأشياء لم يصب الآخرين فقط، إذ أصابنا جميعاً وأصبحت الأمور طبيعية بالنسبة إلينا.

يختنق رفيقي بالعبرة فأساله كيف ترى الوضع السياسي في بلادنا؟ فيقول “إنك تعرف أحسن مني. الجميع تائهون ويائسون، لكنكم أكثر ضلالاً من الآخرين. لا نعرف ماذا تريد المعارضة. سمعت أنك ما زلت منهمك بقناعاتك السابقة وتبحث عن هوية؟ هؤلاء أولادي لا يعرفونني. الجيل الجديد في عالم آخر. طريقة تفكيرهم تختلف منا والمسافات بيننا وبينهم كمسافة الأرض والسماء. لا يجذبهم ما يرد على لسانك وغيرك ولا حتى تجذبهم نصائحنا. إننا أخطأنا من خلال المشاركة في الثورة إذ ابتلوا بمثل هذا المصير. الجميع أصبح مثلي مقتنعاً بأن هذا النظام لا يمكن إسقاطه بممارسة الضغط والاحتجاجات من دون وجود بديل جاد.

يأمل كثيرون بأن يخوض هذا النظام الذي يعجز الشعب في مواجهته، أن يخوض حرباً مع القوى الكبرى حتى يفقد قدراته ويخرج الشعب إلى الشارع للتخلص منه، ليحدث ما يمكن أن يحدث أفضل من هذه الحكومة التي تنتهك الحريات حتى في منازلنا، ليواجهوا مصير صدام والقذافي.

قرأت هذه الكتابات لمرات عدة على رغم إنني كنت سمعت مثل هذا المضمون من الأصدقاء والأقارب وأبناء قومي وأحبائي لكن هذه الكلمات أدمت قلبي.

يردد حضرة عبدالكريم سروش كلمات تشبه كلمات المرشد علي خامنئي وأمام جمعة مشهد علم الهدى وأمام جمعة طهران أحمد خاتمي إنه يشتم إسرائيل ويستحضر النبي موسى والنبي محمد لينتقما منهم. يندب قاصم الجبارين ليقضي عليهم، يا ويلنا ذهب فيلسوفنا (سروش) إلى القاضي منفرداً من دون حضور الطرف الآخر ويتجاهل حقيقة أن المرشد علي خامنئي وقوات قدس و”حزب الله” و”حماس” والجهاد هم من أشعلوا الحرب.

خلافاً لما يتخيله بعضهم أن إسرائيل ليست عدوة لإيران، إنها لا تريد بقاء النظام الإيراني ولم تدخر أي جهد من أجل فضح النظام.

لكن كيف يمكن القضاء على رأس الأفعى؟ من الذي يريد أن يمنع تحقيق أمنيتنا الحلوة بعد القضاء على ولاية الفقيه وجمهورية الجهل والظلم والفساد؟ آمنوا بالله. لقد هرمنا ومنعنا الخميني وخليفته خامنئي من زيارة وطننا أرض الأجداد منعونا من تقبيل وجوه أحبتنا وزيارة قبور أهلنا ورفاقنا.

عندما سمعت نبأ وفاة الشاعر الإيراني سبانلو بكيت كثيراً، لو لم تكن لعنة الخميني لم يتوف سبانلو في الغربة ولم يضطر كثير منا إلى العيش في المنفى.

أرى أرمينا ومهسا يتمشيان يداً بيد ومعهما نداء سلطاني. أرى الناشطة السياسية الشجاعة فاطمة سبهري تشتم خامنئي وإسماعيل هنية وتلعنهما، ثم تبرز أمامي رسالة وقعتها شخصيات إيرانية تعيش في المنفى. تطلب من أميركا وإسرائيل مهاجمة إيران؟ لإدارة شؤون العالم حسابات كثيرة، لو لم يكن كذلك لما بقي علي خامنئي في الحكم ولما عاد طالبان لكابول ولم يعدم صدام ولم يقتل القذافي.

قطع رأس الأفعى لا يعني تدمير إيران مثلما يروج له اللوبي الإيراني في أميركا، قطع رأس الأفعى يعني منع خامنئي من الوصول إلى 70 مليار دولار. يعني خلاص لبنان العظيم من مخالب حسن نصر الله واليمن من الحوثي والعراق من مافيا حزب الدعوة.

قطع رأس الأفعى يعني أن يسمح لعبدالكريم سروش بقراءة القرآن، وأن يسمحوا لي بالكتابة وأن يسمحوا لإسماعيل وفا يغمايي تأليف كتب من أفكاره العظيمة بعد التخلص من إسلام مسعود رجوي.

قطع رأس الأفعى يعني إنقاذ مجيد رضا رهنورد من حبل المشنقة ليتمكن من تقبيل شفاه عشيقته وأن تؤدي فرقة “ماه بانو” أغنيتها في ساحة أزادي.

قطع رأس الأفعى يعني أن يعود الشعب الإيراني للحياة وأن تنتهي شعارات الموت لإسرائيل وأميركا وعاش بوتين وأن تنتهي الأناشيد التي تروج لقيم النظام.

قطع رأس الأفعى يعني أن تتمكن نرجس محمدي من احتضان أولادها، وأن أتمكن أنا برفقة أصغر أولادي زيارة أصدقائنا في منزل عباس جان بهلوان وأن ننشد هناك قصائد من سبانلو.

قطع رأس الأفعى يعني أن نتمكن زيارة مراقد فردوسي وحافظ وخيام وستارخان وتماثيل افشين وبابك وآريو برزن ورستم فرخزاد، إذا ما أتى ذلك اليوم فإننا سنمد يداً إلى الشعب الفلسطيني الحر ويداً أخرى إلى الشعب الإسرائيلي.

لو كان الخميني فشل في تدمير السلام لم ينهمك آلاف من الإسرائيليين والفلسطينيين بتمزيق بعضهم بعضاً في المنازل والمساجد ودور العبادة والمستشفيات ورياض الأطفال.

كيفما نظرتم إلى الأمور فإنه من دون قطع رأس الأفعى لا تعود الحياة للوطن والمنطقة فإن الدولارات التي يحصل عليها المرشد علي خامنئي بواسطة النفط والقلوب القاسية لأتباعه تقودان المنطقة والعالم إلى القيامة التي يعد بها خامنئي.

نقلاً عن “اندبندنت فارسية”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى