أهم الأخبارمقالات

إيران وخيارات القيادة في “القاعدة”

 

مرّ أكثر من شهرين على مقتل زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري من دون أن يتم الإعلان عن اسم الزعيم الجديد للتنظيم ولا حتى نعي “الظواهري” كما حدث مع الزعيم الأول والمؤسس أسامة بن لادن الذي قُتل قبل أكثر من عقد من الزمن؛ ولهذا دلالة يمكن أن نفهمها من البدائل المرشحة لتولي قيادة التنظيم.

قبل أن نتحدث عن البدائل التي قد تخلف “الظواهري” في قيادة التنظيم، نريد أن نشير إلى أن هذه البدائل يرجح أنها مقيمة في إيران، سواء من قُتل منهم أو من لا يزال على قيد الحياة حتى هذه اللحظة. ليس ذلك فقط وإنما تقوم إيران بدعم هذه القيادات التي ظهرت في صورة فوتوغرافية واحدة بعد أن تم تسريبها، وكأنها توفر لهم بيئة حماية وتسهل لهم حرية الحركة والاجتماع وبالتالي ترتيب شؤون التنظيم المتطرف من الأراضي الإيرانية.

نفت إيران أكثر من مرة وجود أبو الخير المصري وأبو محمد المصري، حتى تم استهدافهما داخل أراضيها، فاضطرت هنا أن تعترف بوجودهما رغم نفيها المسبق وربما دفاعها، بأنها لا تحوي الإرهاب على أراضيها! عندما تم استهداف الشخصيتين كلتيهما على الأراضي الإيرانية، تأكد مجدداً علاقة إيران بالقاعدة، وإن كانت هذه العلاقة لا تحتاج إلى مزيد من التأكيد.

عند دراسة حالة القاعدة وما يحدث داخلها وطبيعة قياداتها ودور كل قيادة، يتأكد لنا أن أبو الخير المصري كان المرشح الأول لتولي شؤون القاعدة بعد مقتل الظواهري، بل قد أوصى به الأخير في حال مقتله، كما أن الترشيح الثاني كان من نصيب أبو محمد المصري، الذي أحتضنته إيران أيضاً على أراضيها وقُتل فيها.

لم تنتهِ علاقة إيران بهذه القيادات عند هذا الحد، بل احتضنت القيادة الجديدة المرشحه بعد مقتل أبو الخير المصري وأبو محمد المصري وهو سيف العدل، واحتضانها الأخير جاء متزامناً مع احتضان “أبو الخير” و “المصري” وكأنها تريد أن تمسك أوراق اللعبة كلها بيدها فتصبح “القاعدة” بقياداتها المرشحة لتولي السلطة تحت سيطرتها ومقيمة على أراضيها، وبالتالي تقوم بتنفيذ كل ما تطلبه إيران منها، كذراع لها لا يختلف عن “حزب الله” أو “الحركة الحوثية” أو حتى بعض التنظيمات الفلسطينية.

والسلوك الإيراني يمكن فهمه من زاويتين، أولاهما: علاقة إيران التاريخية بـ”القاعدة”، والزاوية الثانية، الصراع الذي تخوضة طهران ضد الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك تحتضن خصوم واشنطنن وإن كانت “القاعدة”، في إطار الصراع من جانب وممارسة الضغوط على واشنطن من جانب آخر، وتوظيف، سمح بوجود هذه التنظيمات وزيادة نشاط عملياتها.

سمحت إيران بوجود المرشحين الثلاثة لتولي القيادة في “القاعدة” بعد مقتل أيمن الظواهري على أراضيها، كما أنها سمحت لأجيال أخرى من تنظيم “القاعدة” مقيمة في طهران تمثل عصب التنظيم، فإيران التي سمحت بوجود قيادات الجماعة الإسلامية “المسلحة” في مصر وتنظيم “الجهاد الإسلامي” على أراضيها، فضلاً عن إطلاق أسم قاتل أنور السادات “خالد الإسلامبولي” على أحد شوارعها دليل جديد يربط بين النظام السياسي في إيران وتنظيمات العنف والتطرف في المنطقة العربية.

علاقة إيران بـ”القاعدة” يذكرنا بما قاله المتحدث باسم “داعش” والملقب بأبو محمد العدناني، في أحد التسجيلات الصوتية، متهماً الظواهري بأنه طلب من “داعش” عدم مهاجمة المصالح الإيرانية، بما يؤكد حسب العدناني الذي قتل في غارة أميركية في وقت سابق بأنه عميل للمخابرات الإيرانية ويعمل لصالح “الحرس الثوري” الإيراني.

لا يمكن المزايدة على اتهام “داعش” لـ”القاعدة” بأنها تعمل لصالح الإستخبارات الإيرانية، فالأولى نشأت من رحم “القاعدة” وربما أعلم بما يدور داخلها فضلاً عن أنها على علم بما لا يتم الإعلان عنه، وما تم التصريح به في هذه العلاقة قد يكون جزءاً بسيطاً في هذه العلاقة التي سوف نكشف شكلها وطبيعتها في عدد من الكتابات الأخرى.

تتحفظ إيران على إعلان الزعيم الجديد لـ”القاعدة” على الأقل حتى كتابة هذه السطور، وربما يعود السبب إلى تمكنها من نقل سيف العدل من إيران إلى أفغانستان ضمن مكان أمين حتى لا يتعرض للقتل، وحتى يتم الانتقال الذي قد تشرف عليه شبكة حقاني عبر تفاهمات بين إيران وحركة “طالبان”، والذي قد يأخذ وقتاً… هنا قد يتقرر الإعلان عن الزعيم الجديد.

الإعلان عن سيف العدل زعيماً لـ”القاعدة” لا بد من أن تسبقه تفاهمات أخرى مع المخابرات الإيرانية، وهو ما سوف يأخذ وقتاً إضافياً، ويضاف لهذا وذاك ترتيب المبايعة من أفرع التنظيم في كل دول العالم؛ فكل هذا الوقت ربما يكون وراء التأخير النسبي في إعلان تنصيب سيف العدل زعيماً لـ”القاعدة”، فضلاً عن الخروج بنعي يليق بالزعيم السابق المقتول.

قد يتأخر الإعلان عن الزعيم الجديد لـ”القاعدة” لشهور مقبلة، وقد تكون إيران هي سبب التأخير نظراً لما ذكرناه من أسباب سابقة وأسباب أخرى قد نكتشفها في العلاقة الحميمية بين طهران و”القاعدة”، لكن ما نود قوله في هذه النقطة: إن إيران سوف تقوي من روابط هذه العلاقة رغم ما يظهر من اختلاف على الأقل في المذهب بينهما.

اختلاف المذهب بين “القاعدة” وإيران لا يعني اختلاف المصالح؛ إيران ليس لديها مشكلة في أن تضع يدها في يد الشيطان طالما كانت هناك مصالح مشتركة؛ فقد تصدّر لنا الصراع والعداء مع أميركا وإسرائيل بينما علاقتها بهما ليست بالصورة نفسها التي تصدرها لنا، وهنا تحكم المصالح وربما تعلو على منظومة القيم التي تتحدث ولا تعمل بها.

إيران استطاعت أن تحوّل المخيال السردي في بعض الروايات إلى حقيقة من خلال اختطاف أكبر وأهم تنظيم متطرف تصدّر المشهد الجهادي لعقود، والمؤشرات تذهب إلى أنه قد يعود مرة أخرى إلى ما كان عليه بعد أن خرج من رحمه تنظيم “داعش”، فمفاتيح “القاعدة” ضمن الميراث الذي خلفه آية الله الخميني للولي الفقيه، وهذا ما يدفعنا إلى التأكيد أن الإرهاب لون واحد تصدّره جماعات وتنظيمات ودول أيضاً.
* نقلا عن “النهار” 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى