أهم الأخبارمقالات

إيران.. علاقات تاريخية من الشكوك والتوتر

حمد العامر

ستظل العلاقات الخليجية – الإيرانية تتسم بكثير من التعقيدات والتناقضات على الرغم من مرورها بحالات من التفاؤل أحيانا.

تمر المنطقة بمرحلة من التفاؤل حول عودة علاقات الصداقة مع ايران، نظرًا للتطورات المتسارعة في الاتصالات الدبلوماسية الجارية بين السعودية وايران وآخرها استقبال سمو ولي العهد السعودي في العاصمة السعودية الرياض في الأيام الماضية لوزير خارجية ايران أمير حسين عبداللهيان الذي صرح بعد اجتماعه مع ولي العهد السعودي: «إن السبيل إلى نجاح المنطقة هو تعزيز الحوار والتعاون وزيادة التعاون الموجه نحو التنمية». وهي ليست المرة الأولى التي يعمل الجانبان الخليجي والايراني على فتح قنوات من أجل تحسين العلاقات المتوترة بينهما.

وبالعودة الى العلاقات الخليجية الايرانية على مدى الاربعين عامًا الماضية فإنها توضح بأنها تمر بحالة مستمرة من القلق والشكوك والتوتر منذ عهد الشاهنشاه وحتى قيام ثورة آية الله الخميني. وكانت البداية المطالبات الايرانية بالبحرين وانتهت بالتدخل الدولي الذي أنهي تلك الادعاءات بعد جولات ماراثونية بين الجانبين البحريني والايراني وتدخلات من بريطانيا والسعودية والكويت، حتى تم التوصل الى حل دبلوماسي من خلال مجلس الأمن الدولي بعد تقرير المبعوث الأممي ونسبير في أغسطس 1971. وما أن انتهينا من تلك المشكلة، أدخلت ايران المنطقة في أتون تصرفاتها العدائية باحتلاها للجزر الاماراتية الثلاث عام 1971 -الذي مازال قائمًا- مما ضاعف لدى الدول الخليجية من حالة الخوف من تصرف السياسة الايرانية العدائية ضد الدول الخليجية المستقلة حديثًا ونشر مبادئ الخميني والتمدد الايراني الى أراضيها والتأثير على مواطنيها بادعاءت المظلومية. لذلك ستظل العلاقات الخليجية – الإيرانية تتسم دائمًا بكثير من التعقيدات والتناقضات على الرغم من مرورها بحالات من التفاؤل أحيانًا.

ومما زادها تعقيدًا الحرب الإيرانية – العراقية وموقف دول مجلس التعاون المؤيد لصدام حسين، وكانت من أسباب عداء ايران لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ قيامه في مايو عام 1981، ليستمر مسلسل الخوف والقلق باحتلال صدام حسين لدولة الكويت الذي انتهى الى تمزيق الأمن القومي العربي لدرجة أنه لم تقم للأمة العربية قائمة منذ الأول من أغسطس 1990 حتى الآن وأصبحت تتلاعب بأمنها الولايات المتحدة من جهة وايران من جهة أخرى.

لقد كانت عملية غزو الكويت واحتلاله عملاً عدوانيًا من صدام حسين ورفاقه البعثيين، أعطى ايران فرصة لأن تصول وتجول كما تشتهي في أرض العرب وتدوس على تاريخهم وحضارتهم في بغداد ودمشق ولبنان وغزة واليمن وحركت أياديها في دول مجلس التعاون. لذلك لم يدم شهر العسل الخليجي الايراني طويلاً خلال حكم الرئيسين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد علي خاتمي، الذي أخذت معه العلاقات الخليجية – الإيرانية اتجاهًا متوازنًا ومنفتحًا توّج بتوقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية والتجارية والاقتصادية والزيارات الرسمية على كافة المستويات.

ونظرًا لأن هذا التطور الايجابي لم يكن قائمًا على قواعد صلبة، فقد انهار سريعًا بسبب ترسبات الماضي واستراتيجية ايران التي تقوم على أن الخليج بحيرة ايرانية وسيطرتها عليه من شماله في شط العرب الى جنوبه في مضيق هرمز وبحر العرب، يعتبر خط دفاعها الأول للدفاع عن الجمهورية الاسلامية، انطلاقًا من دروس الفتوحات الاسلامية التي أدت الى الانهيار التام للامبراطورية الفارسية بعد معركة القادسية عام 636 التي لم تزل حاضرة في ايدولوجية النظام الايراني وانعكست عند تولي الرئيس أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية في طهران والعودة القوية لمبادئ تصدير الثورة ومد النفوذ الايراني في المنطقة العربية بدءًا من الخليج العربي الذي تحطمت على رماله الساخنة كل محاولاتها وعلى وجه التحديد أبان الربيع العربي 2011.

وتأكيدًا على ذلك فقد بلغت العنجهية الايرانية أن يقدم الرئيس أحمدي نجاد في قمة مجلس التعاون التي عقدت بالدوحة عام 2007 خطابًا أمام قادة دول مجلس التعاون عرض فيه برنامجًا مفصلاً للتعاون الاقتصادي المفتوح دون ضمانات خاصة فيما يتعلق بوقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المجلس وكيفية معالجتها وبناء جسور الثقة من أجل علاقات قائمة على احترام السيادة الوطنية وتوضيحات وتطمينات حول برنامجها النووي المثير للجدل.

لذلك شكل التفاهم حول هذين الموضوعين محور او ميزان بناء العلاقات مع ايران:

أولاً: وقف خطط مد النفوذ الايراني وتأثيره على المواطنين الشيعية في الدول الخليجية كالسعودية والكويت والبحرين، خاصة وهم يعيشون في حالة وئام مع حكوماتهم. مما أدى الى خلق شكوك فى النوايا الايرانية تجاه الانظمة الخليجية بعد اكتشاف عدد من المحاولات الانقلابية وتهريب الاسلحة ومراكز التدريب لمواطني دول مجلس التعاون في معسكرات توزعت بين ايران والعراق وسوريا. وقد أدت هذه السياسية المتعالية والرعناء والتصريحات المختلفة وغير المسؤولة الى افتعال أزمات متعددة وصدامات متكررة.

ثانيًا: توضيحات حول برنامج ايران النووي الذي تعتبره هدفًا استراتيجيًا للسيطرة على المنطقة العربية، وقد شجع ذلك إيران على اتباع سياسة خارجية متشددة تعتمد على تعدد البيانات والتصريحات لكبار قادتها من سياسيين وعسكريين وأعضاء البرلمان من أجل خلق حالة من الخوف من هذه التصريحات. وأدت تلك السياسة أن تصبح ايران رقمًا لا يمكن تجاهله في أي تسوية سياسية ومدخلاً لأي مفاوضات جديدة في المنطقة من العراق إلى فلسطين مرورًا بلبنان وسورية نظرًا لامتداداتها على الساحة العربية من خلال تحالفاتها مع «حزب الله» و«حماس» ودمشق. ويأتي كل ذلك على حساب دول مجلس التعاون التي لم تكن لديها سياسة موحدة تجاه ايران ولا حتى الحد الأدنى لهذه السياسة، رغم وجود قرارات سرية حول العلاقات مع ايران تحدد إطار سياسة دول مجلس التعاون وأهمية الالتزام بها.

إن مقدرة ايران على التفاوض.. تفاوض النفس الطويل فيما يخص خلافاتها الاقليمية حول الجزر الاماراتية الثلاث وعدم تجاوبها الذهاب الى محكمة العدل الدولية، وحقل الدرة التابع لكل من السعودية والكويت وادعاءاتها بأنه يقع في حدودها البحرية، وعدم انهاء نقاطها البحرية مع قطر والكويت والسعودية… جميعها نقاط او قنابل عالقة أمام تصفية الأجواء وتحسين العلاقات الخليجية الايرانية.

وإذا أضفنا الى تلك المخاطر المباشرة المتعلقة باحتمالات الحرب والقرصنة البحرية التي تقوم بها في الخليج العربي والبحر الاحمر أو تداعيات العقوبات على إيران، التي من الممكن أن تدفع إلى سباق تسلح خطير في الخليج العربي والتي ليس بمستبعدٍ أن تتسبب هذه المخاوف والأطماع في سباق نوعي نووي إذا تمكنت إيران من النجاة بمشروعها النووي بسبب التناقضات الدولية وقدرتها الاستثنائية على التفاوض واللعب على حافة الهاوية.

وسباق من هذا المستوى سيهدر إمكانات دول مجلس التعاون وإيران على حد سواء، وسيعوق التنمية في دولٍ معظم مواطنيها من الشباب الذي يبحث عن فرص عمل، وسيضع المنطقة في دوامة من الخلافات المتعددة وزيادة التطرف والاعمال الارهابية ويقصي دبلوماسية الاعتدال ويجعل الحلول السياسية لمشاكل المنطقة بعيدة المنال.

الأيام البحرينية

 

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى