أهم الأخبارمقالات

“تجنيد” لبنان في حرب المشروع الإيراني

 

رفيق خوري

في كتاب “قادة” ينقل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون عن قائد الحرب على الجبهة اليابانية الجنرال دوغلاس ماكارثر قوله، “يمكن اختصار كل أسباب الفشل في المعارك بكلمتين هما ’جاء متأخراً‘”، والظاهر أن “عقب أخيل”، بحسب الأسطورة الإغريقية، في معركة الحفاظ على الهوية التاريخية للبنان هو أنها جاءت متأخرة بعد أن امتلك الطرف الذي يأخذ البلد إلى حرب أخرى، فائض القوة.

وليس من المفاجآت أن يبدو “الثنائي الشيعي” وعملياً “حزب الله” قادراً على تفشيل المساعي الأميركية والفرنسية والعربية والمحلية إلى ترتيب أمرين، أولهما انتخاب رئيس للجمهورية قادر على جمع اللبنانيين والتفاوض باسم لبنان حين تدق ساعة التسويات، وحائز ثقة العالم، وثانيهما تطبيق القرار الدولي (1701) بكل مندرجاته، بما يضمن الهدوء على جبهة الجنوب وفي كل البلد ويطفئ فتيل حرب إقليمية، فما يصر عليه “حزب الله” صاحب “المقاومة الإسلامية” هو نظرياً تأجيل البحث في أي موضوع إلى ما بعد حرب غزة، وهو عملياً أكثر من ربط الجبهة الجنوبية بجبهة غزة لإسناد “حماس”.

الربط الذي يصفه السيد حسن نصرالله بأنه “ثابت وقاطع ونهائي” ليس في الواقع مجرد مسألة ظرفية مرتبطة بحرب إسرائيل على غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” التي زلزلتها على يد “حماس”، بل هو مسألة إستراتيجية في إطار تجنيد لبنان، على رغم أكثرية شعبه، في حرب لا نهاية لها لو انتهت حرب غزة غداً، حرب المشروع الإقليمي الإيراني الذي جندت له طهران “محور المقاومة” في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، وليس الصراع مع إسرائيل سوى مرحلة في حرب المشروع.

تجنيد الجنوب اللبناني “الإيراني” في صراع إقليمي جيوسياسي

“حزب الله” الذي حرر الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي اعتمد نظرية المقاومة الاحتياطية ضد الخطر الإسرائيلي بحجة أن الدولة عاجزة عن الدفاع عن لبنان، بحسب السيد نصرالله، ولا بد من تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي احتلتها إسرائيل من سوريا لا من لبنان، ثم تأتي حرب تحرير فلسطين، وبعد تحرير فلسطين انتظار عودة المهدي و”حكم العالم”، بحسب الإيمان بولاية الفقيه.

ومن هنا قول قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني إن “محور المقاومة بقيادة إيران سيستمر في العمل في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين حتى ظهور الإمام الغائب وتشكيل حكومته”.

خلال “مؤتمر يالطا” سأل تشرشل ستالين: “هل صحيح أنك قتلت مليون روسي؟” فرد بقوله: “كلا قتلت 5 ملايين، فموت شخص تعرفه كارثة وموت الملايين رقم”.

وسأل ستالين تشرشل: “لماذا تكذب كثيراً؟”، فأجاب بقوله: “لأن الحقيقة ثمينة جداً ويجب حوطها بسور من الأكاذيب”.

وعلى هذا المثال فإن إستراتيجية إيران هي حوط الجمهورية الإسلامية بسور من الأزمات والحروب والفوضى لضمان أمن النظام على أيدي ميليشيات أيديولوجية تابعة للحرس الثوري، أما ربط القضايا في غرب آسيا ببعضها بعضاً فإنه جزء من هذه الإستراتيجية ولا مجال لفك الارتباط، على افتراض الرغبة والقدرة، لا من جانب “حزب الله” ولا من جانب الحشد الشعبي في العراق ولا من جانب الميليشيات في سوريا ولا من جانب الحوثيين في اليمن ولا من جانب “حماس والجهاد الإسلامي” في غزة، ذلك أن عملية “طوفان الأقصى” كانت بالنسبة إلى “حماس” معركة في حرب لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وهذا ما ركز عليه القائد العسكري لـ “كتائب القسام” التابعة لـ “حماس” محمد الضيف حين دعا إلى “الزحف العربي والإسلامي لحماية المسجد الأقصى وتحرير فلسطين”، لكنه فوجئ بثلاثة أمور، أولها أن طهران أعلنت رفض التورط في حرب تريدها إسرائيل لتوريطها في حرب مع أميركا واكتفت بدفع وكلائها إلى حرب “المشاغلة والإسناد” عبر “وحدة الساحات” من دون أن يدخل “حزب الله” الجليل، وثانيها أن رد فعل إسرائيل كان تدمير غزة في حرب إبادة، وثالثها هو تركيز العرب والغرب والشرق على “حل الدولتين” الذي ترفضه “حماس” وحكومة نتنياهو وإيران، إذ قال وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان الذي لقي أخيراً مصرعه مع الرئيس رئيسي في حادثة المروحية، إن “الشيء الوحيد الذي تلتقي عليه إيران وإسرائيل هو رفض حل الدولتين”، لا بل إن السيد حسن نصرالله صارح الجميع بأن “المقاومة ليست فقط تهديداً لإسرائيل بل أيضاً لكل المشروع الأميركي في المنطقة”، ولذلك جرى تحويل المقاومة الإسلامية من عمل سري تحت الأرض إلى عمل جيش بكامل الأوصاف، فهي تقاتل كجيش على جبهة الجنوب براً وجواً وبحراً، وتعمل كجيش في حرب سوريا وفي المناطق الآمنة، ولها أدوار إقليمية أخرى.

وما كانت المسؤولة عن الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية باربرا ليف تبالغ حين قالت إن “ما يواجهه لبنان أشد خطورة من أزماته السابقة وحتى أشد تعقيداً من الأزمات الإقليمية في المنطقة، فالمغامرة كبيرة في أخذ بلد الانفتاح والتعددية والتفاعل الثقافي إلى حرب دائمة، كما إلى انغلاق أيديولوجي مذهبي على الطريق إلى نظام ثيوقراطي”.

و”حزب الله” لا يستطيع، كما هي الصورة في الجنوب، حماية لبنان من إسرائيل وإن كان قادراً على إيذاء الدولة العبرية بقوة صاروخية هائلة، وأكثرية اللبنانيين ليست عاجزة إذا تمكنت من توحيد المواقف وتجاوز الانقسامات والمصالح الضيقة لأمراء الطوائف وحماية الهوية اللبنانية واستعادة الجمهورية المخطوفة والتمرد على “تجنيد” لبنان في حرب المشروع الإيراني، ومن السهل وضع مخططات للوصول إلى “لبنان آخر” غير لبنان الذي تعرفه المنطقة، لكن من الوهم أن يتصور أي طرف أنه سيكون “الفرقة الناجية” بعد الانهيار الكامل للبلد، والوهم الأكبر هو تجاهل تعقيدات اللعبة اللبنانية والإقليمية والدولية وما تقود إليه المصالح الحقيقية للاعبين الكبار.

نقلا عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى