غير مصنف

إيران فى عين العاصفة

كتب: مصطفى فرحات

منذ أن اعتمدت إيران سياسة التعتيم عن الكثير من أنشطتها النووية المثيرة للجدل، المتزامنة مع تطوير القدرات الصاروخية الهجومية المتعددة الأمدية بدأت المخاوف من هذه الأنشطة تنتقل من المحيط العربي الذي يعاني من التدخل الإيراني والتجاوزات الإيرانية إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

واليوم وبعد تصويت البرلمان الإيراني وبأغلبية ساحقة على رفع نسبة التخصيب، تنتقل عدوى المخاوف من امتلاك إيران للقنبلة النووية إلى المحيط الأوربي، وبشكل خاص أن قرار رفع مستوى التخصيب ترافق مع زيادة في عدد أجهزة الطرد المركزي.

وبالتالي نحن أمام مشهد ينبئ باستمرار التوتر وعدم الاستقرار إن لم نقل إن الأمور مرشحة للتفاقم إذا ما استمرت إيران في سياساتها التي تسببت بالاستنفار الأوربي الأخير ضدها بعد أن كانت دول الاتحاد الأوربي منتقدةً لسياسة ترامب وميالة للحل الذي كان قد وقع في عهد سلطة الديمقراطي أوباما.

ولو استعرضنا المواقف الأوربية الأخيرة حيال هذا الملف الأكثر سخونة على الساحة الدولية اليوم لوجدنا أن ألمانيا التي دائماً ما تتسم سياستها بالسلمية والميل نحو الحلول السياسية كيف رفضت السياسة الإيرانية التصعيدية رفضاً قاطعاً وكانت تصريحات وزير خارجيتها هايكو ماس حدية وواضحة ومباشرة حيث قال:

“إننا ننتظر من إيران ألا يكون لديها أسلحة نووية ولا برنامج صواريخ بالستية يهدد المنطقة بأكملها”.

كما أكد الوزير الألماني على أن الاتفاق النووي لم يعد كافياً، ويجب أن يكون هناك اتفاق جديد مع طهران يشمل برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية.

وقال: “إن العودة إلى الاتفاق الحالي لن تكون كافية”.

وكلنا يعلم أن ألمانيا هي من تشغل منصب رئيس الاتحاد الأوربي اليوم، ثم لحقت بريطانيا وفرنسا بالموقف الألماني وصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً يقول:

“إذا كانت إيران تريد المحافظة على مساحة من الدبلوماسية فيجب عليها التخلي عن خطواتها النووية” جاء هذا البيان بعد عزم إيران زيادة نسبة التخصيب وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي في مفاعل ناطنز.

وبالتالي نستطيع القول: إن المنظومة الأوربية قد التحقت بالموقف الأميركي الرافض للاتفاق النووي مع إيران بصيغته الحالية.

لكن إيران التي تلعب في الوقت بدل الضائع قبل وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض رفضت وبصورة قطعية المطالب الأوربية والأميركية على لسان رئيسها حسن روحاني الذي أكد أن ما لم تحققه واشنطن بالعقوبات لن يتحقق بأي طريق آخر، وأكد أن إيران تصر على التمسك بالاتفاق بصيغته السابقة دون أي تعديل كما يَطرح الغرب اليوم وكما كانت قد طرحت الولايات المتحدة الأميركية في وقت سابق حين انسحب ترامب من الاتفاق وأعلن عن شروطه الاثني عشر التي رفضتها إيران وماتزال رغم كل ما ترتب عليها من ضغوط وعقوبات أرهقت الاقتصاد الإيراني.

ببساطة فإن نظام الولي الفقيه الذي يقوم أساساً على نظرية أيديولوجية تعتمد العسكرة والتوسع ونشر الأيديولوجيا فإنها لن تكون قادرة على التخلي عما تقوم عليه وإلا فإن مصير هذا النظام برمته سوف يكون في خطر.

من هنا نفهم تمسك النظام الإيراني بما يراه عوامل قوة من برنامج التسلح الصاروخي وصولاً إلى المفاعل النووي وما بينهما من توظيف المليشيات الخارجية في العواصم العربية الأربعة التي تهيمن عليها إيران اليوم وهذا ما يتحدث به المسؤولون الإيرانيون صراحة، حيث كرر أكثر من مسؤول إيراني بأنه ما كان للغرب أن يطلب التفاوض مع إيران لولا عوامل القوة تلك.

لكن مما سبق ورغم تأكيد الرئيس حسن روحاني حصول نظامه على معلومات مؤكدة عن ضلوع إسرائيل في عملية اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده إلا أن الكثير من المراقبين يؤكدون أن إيران لن تقدم على أي عمل انتقامي مباشر في هذا الوقت الحرج المتبقي من عمر إدارة ترامب طالما أنها كانت دائماً تراهن على وصول الديمقراطيين إلى السلطة والعودة إلى العمل بمقتضيات الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة ترامب الجمهورية.

إذاً، النظام الإيراني سيستثمر في الوقت المتبقي بالطرق التي تحسن أداءه التفاوضي دون أن يقوم بممارسات عسكرية تحدث القطيعة مع الإدارة الأميركية الجديدة قبل أن تستلم مهمتها وقبل أن ترى النور، وقد تابعنا ما قامت به إيران من اتخاذ قرار زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، واستقدام أعداد إضافية من أجهزة الطرد المركزي إلى مفاعل ناطنز النووي.

هذا الإجراء قد يدخل في خانة الضغط على الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوربية للتحرك نحو إعادة فتح باب الحوار مع إيران من جديد كما أنه يشكل ورقة جديدة ترفع سقف التفاوض القابل للمناورة ضمن هذه الحدود بحيث تتيح للمفاوض الإيراني هامش التحرك ضمن نسبة أعلى أو أقل من التخصيب بعيداً عن قضية سلاح الصواريخ وقضية التمدد الخارجي التي يعتبرها النظام الإيراني حاملاً أيديولوجياً له وركيزة استمراره وبقائه كما أسلفنا، والدليل أن الحديث الإيراني يقتصر على إسرائيل والانتقام من إسرائيل بعيداً عن ذكر الولايات المتحدة في الموضوع كما كانت العادة في الإعلام الإيراني.

إضافة إلى أن هامش الانتقام عبر الوكلاء فقط وفي مواقع محددة في الزمان والمكان بعيداً عن الانجراف نحو مواجهات مباشرة وكبيرة.

الانتقام من إسرائيل التي اعتبر الإيرانيون أنها هي من تقف خلف حادثة الاغتيال سيكون عبر الحلفاء كما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني، وقد تابعنا استدعاء إيران لوزير خارجية النظام الجديد فيصل المقداد وكيف طلب الإيرانيون منه فتح ثغرات في جبهة الجولان وتنفيذ أعمال قتالية ضد إسرائيل هناك، وقد يكون حزب الله وحركة حماس أيضاً قد طُلبَ منها ذات الشيء.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا:

هل النظام العاجز عن تأمين رغيف الخبز لمواطنيه قادر على فتح جبهات عسكرية قد تنتهي إلى مواجهات واسعة مع إسرائيل وقد تطيح برأس النظام ذاته؟

وخصوصاً مع التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا (جويل روبارن) الذي أكد على أن حزمة عقوبات جديدة في طريقها للتطبيق على النظام ومن يدعمه.

وحتى حزب الله وحماس المكبلين بشح الموارد ونقص الدعم اللوجستي الناجم عن العديد من الأسباب التي أهمها تقليص الدعم الإيراني ذاته الناجم عن العقوبات الاقتصادية الخانقة وعن الرصد الإسرائيلي ورصد التحالف لعمليات النقل والتهريب الإيراني عبر الحدود السورية/العراقية التي دائماً ما يتم استهدافها من قبل إسرائيل أو من قبل التحالف سيكون الأمر ليس نزهة بالنسبة لهما، لأن الكثير من الشروط والظروف قد تغيرت اليوم.

مما سبق نستنتج أن هامش المناورة الإيرانية قد تقلص كثيراً ولم يبق أمام إيران إلا تقديم التنازلات أو استمرار تحمل تبعات التوتر الذي قد ينذر بالمواجهة، إضافة إلى استمرار العقوبات الاقتصادية الخانقة.

نقلا عن ” نينار برس”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى