رياء ونفاق وشرطة أخلاق
“رياء”، هذا ما عبرت عنه إيران رسمياً تعليقاً على موقف الرئيس الأميركي جو بايدن بإعلانه اتخاذ تدابير وعقوبات جديدة ضد طهران تضامناً مع احتجاجات دامية وعارمة تشهدها البلاد منذ أسابيع. ولعل هذا من المواقف النادرة التي أتفق بها، وكثيرون، مع إيران بوصف موقف الإدارة الأميركية بالنفاق والرياء. فالإدارة التي تقول إنها تتضامن مع المحتجين ضد نظامهم، هي الإدارة نفسها التي تفاوض النظام جاهدة للعودة إلى الاتفاق النووي الذي وقعه رئيس الرئيس الحالي، باراك أوباما عام 2015، وألغاه خلفه الرئيس دونالد ترمب عام 2018، على رغم أن النظام الإيراني يتصلب في مواقفه ويرفض الجلوس وجهاً لوجه مع الأميركيين لأسباب الاستهلاك الداخلي.
وهي الإدارة التي قالت إنها لم تفرج عن مليارات الدولارات لإيران تزامناً مع إطلاق سراح مواطنين أميركيين محتجزين في طهران كفدية لإطلاق سراحهم! ومن أشهرهم السيد باقر نمازي البالغ من العمر 85 سنة والمصاب بأمراض القلب، وكان قد اعتقل في طهران عام 2016 أثناء زيارة ابنه الذي ما زال سجيناً في سجن نيفين. وكان السيد نمازي أجرى عملية في طهران عام 2018، وهو الآن يتلقى العلاج في مستشفى كليفلاند في أبو ظبي. والإدارة هذه نفسها أنكرت أن لتلك الأموال علاقة بإطلاق سراح الرهائن الأميركيين، وعلى من لديه عقل أن يصدق ذلك!
وفي وقت تعلن الإدارة الأميركية أنها ستعاقب النظام الإيراني لقمعه شعبه، تقوم بالتفاوض نيابة عن إسرائيل مع إيران عبر لبنان الذي يتحكم بقراره “حزب الله” الإيراني لترسيم الحدود بين البلدين، وذلك لتقاسم موارد الغاز والنفط في أسرع وقت ممكن قبل الشتاء لتعويض الانقطاع النفطي والغازي من روسيا إلى أوروبا التي تنتظر شتاء بارداً مظلماً بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية التي تصر الإدارة الأميركية الحالية على استمرارها دعماً للشعب الأوكراني وتحريره من الاحتلال والعدوان الروسيين.
وللموضوعية، فإن “الرياء والنفاق” السياسيين ليسا حكراً على الإدارة الأميركية الحالية، فهي سمة من سمات السياسة عموماً، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على سبيل المثال، قابل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في نيويورك قبل أيام في وقت تشتعل التظاهرات ويقتل ويقمع آلاف الشباب الإيرانيين ويزج بهم في غياهب السجون. يذكر أن البرلمان الفرنسي وقف دقيقة حداد خلال جلسته، الأربعاء الماضي، تضامناً مع ضحايا الاحتجاجات الإيرانية.
وقصفت إيران العراق أكثر من مرة وأصابت مدارس ابتدائية في محاولة يائسة لتصدير أزمة الاحتجاجات إلى الخارج، متهمة “أميركا وإسرائيل وعملائهما” باختلاق الأزمة. وبدورهم، يتعنت الحوثيون في تجديد الهدنة بوقف الاقتتال في اليمن كورقة إيرانية لاستئناف الاقتتال لتخفيف الضغط الداخلي عنها، وما زال في جعبة النظام في إيران الكثير لمحاولة تشتيت الأنظار عما يجري في الداخل بافتعال مشكلات مع الخارج.
الاحتجاجات البطولية التي تجتاح إيران بأطرافها كلها لم يكن فتيل اشتعالها مقتل الشابة مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق”، لكنه البغض والكراهية والحقد والشعور المتراكم بالقهر على من يدعون الأخلاق والمحافظة عليها من أصحاب العمائم واللحى في إيران. الشباب في إيران يعرفون تمام المعرفة أن مدعي المحافظة على الفضيلة والأخلاق هم أبعد ما يكونون منها، ويروون القصص والروايات عن فساد أهل العمائم واستغلالهم سلطتهم الدينية التي انتزعوها من الشعب الإيراني بشعار حماية الأخلاق والفضيلة. فالقيم تغرس ولا تشترى، والأخلاق تكتسب ولا تفرض، وقد طفح الكيل بفرض “الأخلاق” قسراً على الشباب الإيراني المدرك أن من يدعون الأخلاق وحمايتها، هم أعداؤها حقاً.
* نقلا عن أندبندنت عربية