إيران والسّعودية… طريق الحوار الطّويل!
أحاديث يمكن وصفها بـ”الإيجابية” عن الحوار بين السعودية وإيران يسمعها المراقبون بين حين وآخر، من شخصيات سياسية في حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وتحديداً تصريحات منسوبي وزارة الخارجية، ولعل أبرزها تلك التي تصدر عن الوزير حسين أمير عبداللهيان، والناطق باسم “الخارجية” ناصر كنعاني الذي تحدث الشهر الماضي عن العلاقات بين الرياض وطهران بقوله: “سنمد أيدينا من أجل الصداقة، وسنرحب بأي مبادرة إيجابية لإجراء محادثات وتحسين العلاقات وسندعمها”، مضيفاً: “رأينا مؤشرات إيجابية من بعض الدول، منها السعودية، ونعتبرها بادرة إيجابية. ووفقاً لذلك وفي إطار نهج الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحل الخلافات مع بعض دول المنطقة، نتصرف وفقاً لرغباتها ونبدي الجدية”.
كنعاني الذي يسعى إلى الحديث بلغة هادئة دبلوماسية بعيدة من التعصب، يتوافق في خطابه هذا مع تصريحات الوزير عبداللهيان الذي قال في مؤتمر صحافي مع نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب: “نحن نرحب بعودة العلاقات الطبيعية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، وصولاً إلى افتتاح المكاتب التمثيلية أو السفارات في طهران والرياض في إطار الحوار الذي ينبغي أن يستمر بين البلدين”.
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وخلال حضوره مؤتمر بغداد – 2، في الأردن، قال عبداللهيان، عبر حسابه في منصة “تويتر”، ما نصه: ” حضرت مؤتمر بغداد- 2 في الأردن لنوکد دعمنا للعراق، وعلى هامش الاجتماع أتيحت لي الفرصة أيضاً للحديث الودي مع بعض نظرائي، ومنهم وزراء خارجية عمان، قطر، العراق، والكويت والسعودية. وقد أکد لي الوزیر السعودي استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع إیران”.
هذا الحرص من السياسيين في حكومة إبراهيم رئيسي، مرده إلى إدراكهم عمق الأزمة الاقتصادية التي يمر بها النظام، وأن لا سبيل لفك هذا الخناق إلا من خلال تحسين العلاقات الخارجية وتحديداً مع دول الجوار، وفي مقدمتها السعودية، لأن أي عودة للعلاقات مع الرياض، ستنعكس تلقائياً على سمعة إيران الخارجية، وتشجع الشركات الأجنبية على الاستثمار، وتخفف الضغوط السياسية على النظام، وهو ما تريده إيران.
المملكة العربية السعودية من جهتها، ليست ضد الحوار مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنها تريد حواراً جاداً يوصل إلى نتائج مستدامة وليس مجرد سلام موقت وهش، أو حوارٍ من أجل التقاط الصور الباسمة!
“نشعر بقوة بأن ما نقوم به في المملكة وما يفعله الآخرون في المنطقة، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التحديات الاقتصادية، والاستثمار في بلدانهم بالتركيز على التنمية، هو مؤشر قوي لإيران وغيرها في المنطقة، بأن هناك طريقاً لتجاوز النزاعات التقليدية نحو الازدهار المشترك”.
التصريح أعلاه لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أثناء مشاركته في جلسة نقاش على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي، بعنوان “المستقبل المشرق في خضمّ التحديات الجيوسياسية”.
هذا التصور الذي طرحه بن فرحان، يبرز عمل السعودية على البحث عن حلول غير تقليدية لمشكلات الخليج العربي، وتحديداً العلاقات المتوترة مع إيران، لأن الرياض تعي تماماً أن طهران جارتها، وهنالك “الجغرافيا السياسية” التي لا يمكن تغييرها، وبالتالي على الدولتين المطلتين على الخليج أن تنهجا الحوار طريقاً وحيداً بهدف الوصول إلى حلول للمشكلات القائمة، وهو حوار بحاجة لوقت ومستوى كبير من الصراحة والعمل الجاد لبناء الثقة، وأن يقدم فيه الإيرانيون أدلة عملية إلى تغير سلوكهم الخارجي تجاه جيرانهم، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي.
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، يطرح الاقتصاد والتنمية، كأرضية يمكن الانطلاق منها، لبناء الثقة أولاً، والخروج من مربع الأزمات الأمنية والسياسية إلى مجال أكثر منفعة لجميع دول المنطقة، ألا وهو الانشغال بالتنمية ورفاهية الشعب.
تعاني إيران أزمات اقتصادية عدة، واضطرابات وتظاهرات في أكثر من مدينة، مستمرة من أشهر عدة؛ ومستويات التضخم في ارتفاع.
مركز الإحصاء الإيراني أعلن بلوغ معدل التضخم في المحافظات الإيرانية للأسر في العام الإيراني الماضي، المنتهي في آذار (مارس) 2022، نسبة 40.2%.
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أوضح أمام “مجلس الشورى الإسلامي”، أن حكومته “قلقة للغاية من معدل التصخم في البلاد” الذي كان عند تسلّم الحكومة نحو 59.3%، أما حالياً فقد شهد انخفاضاً بنسبة 19%، مضيفاً أنه يجب اتخاذ قرارات لخفضه أكثر. وهو الانخفاض الذي يشكك فيه الكثير من المراقبين، خصوصاً مع تزايد النقد حتى من التيار المحافظ، للأداء الاقتصادي الضعيف لحكومة رئيسي!
من هنا تأتي أهمية التركيز على “التنمية الاقتصادية” في كلمة وزير الخارجية السعودي، لأنه يعلم أن مشكلات الشعب الإيراني لا تحل إلا من خلال تحسين مستوى دخله، وذلك لا يتم إلا عبر خلق اقتصاد قوي ومتواصل مع العالم، وكل ذلك مرهون بشيء واحد: سلوك إيران الخارجي تجاه جيرانها والشرق الأوسط.
الدبلوماسية العالية، وسياسة إعطاء الفرص للتواصل الحقيقي، التي جاءت في حديث فيصل بن فرحان، من المهم أن يبني عليها الساسة الإيرانيون ويلتقطوا الرسائل، خصوصاً أن الوزير أكد “أننا نحاول إيجاد طريق للحوار مع جيراننا في إيران، لأننا نعتقد اعتقاداً راسخاً أن الحوار هو أفضل طريق لحل الخلافات”.
بالعودة إلى التصريحات الإيجابية نسبياً لشخصيات سياسية من النظام الإيراني، يمكن النظر إلى هذه التصريحات بوصفها جزءاً من أوراق التفاوض، ومحاولة للضغط السياسي، والتسويق الإعلامي؛ فيما السعودية تريد أن يتواصل الحوار تواصلاً جدياً، وغير مستعجل، لأن الهدف هو الوصول إلى تفاهمات قوية.
الباحث المختص في الشأن الإيراني، حسن فحص، أشار في مقالة له بعنوان “الحوار الإيراني – السعودي بين نعومة عبد اللهيان وعنجهية قاآني”، إلى أن “نظام طهران يدار برأسين، أحدهما يميل إلى تعزيز التعاون والآخر يذهب لقطع الطريق أمام علاقاتها بالمحيط والجوار العربي”.
فحص يعتقد أن “عبد اللهيان يدرك جيداً أن تحقيق نتائج إيجابية في الحوار مع السعودية يشكل أرضية متينة لإعادة العلاقة الإيرانية مع المجتمع الدولي والعواصم الإقليمية، ويسمح لطهران باستخدامها ورقة قوة على طاولة التفاوض مع السداسية الدولية، وخصوصاً واشنطن حول الملف النووي، فضلاً عن أن العلاقة مع الرياض تساعد على تكريس المعادلات الإقليمية في مناطق نفوذ النظام وفي الدفع لبناء نظام أمني إقليمي مشترك بينها وبين هذه الدول يخفف من الوجود الأميركي والضغط الذي يمارسه ويشكله على الاستراتيجية الإيرانية في الإقليم”.
إذاً، هذا الإلحاح من وزير الخارجية الإيراني، سببه إدراك حجم الصعوبات التي تواجهها بلاده، وأنه يريد أن تكون العلاقات بين إيران والسعودية بمثابة طوق خلاص لـ”الجمهورية الإيرانية” من أزماتها، وهو الحبل الذي لن تقدمه مجاناً الرياض، ولن تساعد في جعل إيران تستعيد أنفاسها مجدداً، كي تأخذ استراحة محارب، ومن ثم تعود لتمارس تصدير الثورة ودعم الميليشيات المسلحة. فالسعودية تريد التزاماً واضحاً من الحكومة الإيرانية بأن يوقف “الحرس الثوري” دعم الخلايا التابعة له في الخليج، وأن لا يحرك الميليشيات المسلحة الموالية له في العراق واليمن ولبنان وسوريا، ضد المصالح السعودية، وأن تكون هناك علاقات قائمة على الندية والاحترام المتبادل، بعيداً من الأعمال الأمنية التي تستهدف المصالح الاقتصادية في الداخل السعودي.
السعودية تريد أن يكون هناك اتفاق قوي، على درجة عالية من الوضوح والالتزام، وأن يحل المشكلات الأمنية والسياسية القائمة، ويجعل التنافس بين دول المنطقة طبيعياً ضمن الأطر الدولية المعروفة. لذا، أفضل طريق لإيران هو أن تسعى إلى شراكات حقيقية مع جيرانها، وليس مجرد حلول موقتة لا تلبث أن تنهدم!
*نقلاً عن النهار