السّعودية – إيران… حوار للتّبريد أم مقدّمة للتّفاهمات
علي حمادة
قبل ثلاثة أسابيع، شهدت العاصمة العراقية بغداد جولة خامسة من الحوار السعودي – الإيراني بعد انقطاع دام أشهراً لمسار حواري كان انطلق مطلع نيسان – أبريل 2012 في ذروة الاحتدام بين البلدين. وقد تتالت الاجتماعات التي ضمت مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين من الطرفين في بغداد. وقيل أيضاً إن العاصمة العمانية مسقط شهدت اجتماعاً إضافياً جرت فيه مناقشة الحرب اليمنية.
أدت الاجتماعات غرضها في فتح أقنية تواصل رسمية جدية، نجح رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في تنظيمها، بعد إقناع الطرفين بها، في محاولة للجم التدهور بينهما، المؤثر، ليس فقط في الطرفين، بل في كل أرجاء الإقليم، نظراً إلى ما للسعودية من تأثير، ومثله لإيران المتمددة في العديد من البلدان العربية.
ولقد اعتبر تتابع الاجتماعات خلال العام الماضي علامة على أنها تحقق تقدماً ما، بالنسبة إلى الملفات المطروحة، وهي عديدة، تبدأ بالعلاقات الثنائية ولا تنتهي بالحرب في اليمن، أو بالسياسة التوسعية الإيرانية من العراق إلى غزة مروراً بسوريا ولبنان. كلها ملفات ساخنة تمس الأمن القومي، ليس للسعودية وحدها بل لكل دول المنطقة العربية.
وإذا حقق الحوار الثنائي بين البلدين نتيجة أولية، يمكن القول إنه رسخ فكرة فتح أقنية بين قوتين رئيسيتين في الإقليم، على تماس جغرافي وسياسي وأمني في ما بينهما، وبينهما ملفات إقليمية حساسة تتعدى حدودهما الخالصة.
ومع أن الحوار استمر طوال عام 2021 ثم انقطع بضعة أشهر، فقد عاد قبل ثلاثة أسابيع، إذ أفاد الطرف العراقي، لا سيما رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الذي أكد أنه حضر الجلسة، وهي الخامسة بين الطرفين، بأنها كانت إيجابية وربما أفضت في مدى بين قريب ومتوسط إلى عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. كل ذلك في ظل تسريب معلومات حول قرب انعقاد جولة سادسة قبل نهاية الشهر الجاري.
لكن الإيجابية التي تحدث عنها الكاظمي لا تعني أن الطرفين تمكنا من تبريد النار المستعرة بينهما. فالملفات الخلافية كبيرة، وعميقة. ولعل السلوك الإيراني في اليمن، بعد إعلان الهدنة، واستبدال، بالرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، مجلس قيادة رئاسياً منبثقاً من الحوار اليمني – اليمني في الرياض، لم يعكس رغبة إيرانية بممارسة الضغط على جماعة الحوثي في اليمن للانضمام إلى الحوار في الرياض، وتدعيم الهدنة بهدف تحويلها إلى توافق على حل الخلافات بوسائل سلمية بعيداً من ساحات القتال.
فرفض جماعة الحوثي الانضمام إلى حوار الرياض والجلوس إلى طاولة مفاوضات مع المجلس الرئاسي الجديد، فضلاً عن ورود معلومات ميدانية تفيد بأن الحوثيين يدعّمون جبهات القتال بالتحصينات والإمدادات، يشي بنية لاستئناف القتال. كل هذا يدل على أن إيران لم تتخذ بعد قراراً جدياً بتبريد الصراع مع الرياض، وذلك رغم أن طهران تعرف جيداً أن الملف اليمني وجودي بالنسبة إلى الرياض، وأن التهديد الناشئ عن تمدد إيران إلى اليمن لا يمكن التساهل معه أسوة بملفات أخرى في المنطقة. فالرغبة بالسلام في اليمن، من خلال الحل السياسي جدية لدى الطرف السعودي لكن ليس بأي ثمن، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي للمملكة.
لكن المشكلة تبقى في أن إيران تريد أن تعقّد إمكان السلام في اليمن، من أجل انتزاع مكاسب في أمكنة أخرى هي موضوع حوار مع السعودية. فطهران تعتبر أنها حققت اختراقات راسخة في الإقليم لن تعود عنها، ولن تعرّضها للخطر. من هنا ثمة من يعتقد أن الحوار مع إيران هو مضيعة للوقت، خصوصاً أن الاستراتيجية الإيرانية لم تتغير قيد أنملة.
مع احتمال التوقيع على إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، رغم العقبات التي لا تزال تعترضه، يرى السعوديون فائدة في إبقاء قنوات التواصل مع إيران، حتى لو لم تأت بنتائج سريعة، فالتواصل يبقى حتى لو استمر الصراع. ويقيننا أن الصراع مستمر. فإذا كانت نتيجة الحوار في بغداد تبريد بعض ملفات الصراع هنا أو هناك، ومنع تفاقم ملفات ساخنة في أمكنة أخرى، فحوار بغداد يبقى ذا معنى وفائدة وإن بحدود.
وبين هدف التبريد وهدف بناء تفاهمات بون شاسع، فالوقت لم يحن بعد.
نقلا عن ” النهار”