أهم الأخبارمقالات

ماذا بقي للّبناني؟

 

رندة تقي الدين

إذا كنت مواطناً لبنانياً فأنت لم تعد قادراً على الحصول على ودائعك في المصرف، لأن أصحابها تلاعبوا بها وحرموك منها، كيف تعيش؟ وإذا أردت جواز سفر يقال لك إن الموعد الأول لصدوره هو في 2024. ثم يمنعونك من سحب العملة الصعبة ببطاقتك المصرفية أو استخدامها في الخارج لأنهم انتزعوا منك حرية استخدام أموالك التي صرفوها لتمويل حكومة ومؤسسات فاسدة فشلت في تأمين أدنى مستوى من العيش الكريم لمواطنيها. فلا تيار كهربائي لأكثر من عقد ولا رعاية صحية ولا أدوية، والرواتب منهارة، هذا إذا دفعت. وهناك غياب تام للضمانات الأساسية لحياة المواطن. فماذا تفعل؟ تحاول المغادرة إذا تمكنت أو إذا كانت لديك الإمكانات لتؤمن حياة أولادك في الخارج.

فحتى السفر ارتأت الدولة الفاسدة وضع القيود عليه. ويروي مواطن لبناني كان مسافراً للقاء عائلته المقيمة في الخارج (ابنته وحفيدته وأبناؤه الذين فقدوا الأمل بمستقبل في لبنان) أنه أثناء مروره في مطار بيروت ووضع حقيبته عبر جهاز التفتيش، أوقفه مسوؤل في المطار وسأله ما إذا كان معه مال وما قيمة المبلغ الذي يحمله.

كان بالتأكيد يحمل مبلغاً لصرفه في الخارج على عائلته وحفيدته ومدرستها ومستلزماتها، فطلب منه موظف المطار التوجه إلى الجمارك للتصريح عن المبلغ، وأبلغه أن أي مواطن يخرج مع أكثر من 20 ألف دولار يجب أن يصرح بها. هذا القانون الجديد ينطبق على اللبناني الذي يخرج من بلده ولم يكن أحد على علم به وكأنه سري.

ويجدر السؤال: هل يتم تطبيق هذا الإجراء على أي مسؤول سياسي كبير للتحقيق معه إذا كان في حوزته أكثر من 20 ألف دولار؟ ولماذا الآن بعدما أفلست الدولة وسرقت البنوك أموال المودعين ومنعتهم من استخدامها كما يريدون؟ ما هو مغزى هذا الإجراء الذي يطبق على مواطنين عاديين يريدون تأمين عيش كريم لأولادهم في الخارج، ما دام بلدهم ينهار من الفساد.

لم يسمع أحد عن هذا القانون الذي فاجأ بعض المسافرين اللبنانيين الذين جاؤوا إلى بلدهم لصرف الدولارات “الفريش” فيه، وعادوا إلى دول إقامتهم بمبالغ هم أحرار في استخدامها، ولكن دولتهم تطلب منهم التصريح عنها. فأي قانون هذا لدولة فاسدة أخذت كل شيء من مواطنيها ولم تقدم لهم إلا الكوارث والمعاناة؟ لذلك، لم تكن صدفة أن يلقى المواطن اللبناني الذي دخل مصرفاً وبيده سلاح وأخذ رهائن، تأييداً شعبياً لما فعله، علماً أنه إجرام بحق موظفي المصرف الأبرياء وهم غير مسؤولين عن إجراءات أصحاب المصارف، ولكن ثورة هذا الإنسان جعلته يقوم بعمل إجرامي، وهنا يكمن الخطر على لبنان.

وقيل لمواطن آخر كان في حوزته أكثر من 20 ألف دولار ويخرج بها من مطار بيروت إن جزءاً من هذا المبلغ سيُحجز لأنه لم يصرّح به. فأي قانون هذا الذي يفرضونه على مواطنين سرقت الدولة أموالهم وأخّرت إعطاءهم جوازات سفر لأنها دولة مفلسة لم تتمكن من دفع إصدارها، فلم يبق للبناني أي شيء. كانت حرية الحركة والتنقل تتيح للبناني النجاح في الخارج بعيداً من دولة فاشلة لم تعطه إلا الكوارث. فقد دمّر الانفجار المنازل، وتم ترميم بعضها بأيدي المنكوبين ومساعدة المنظمات غير الحكومية، لأن لا أحد يثق بالحكومة. فلا عدالة مستقلة بإمكانها أن تلاحق المجرمين المسؤولين عن تخزين 2700 طن من نيترات الأمونيوم دون معرفة سبب تركها هناك لتقتل أكثر من 200 شخص وتدمّر منازل ومحال ومقاهي ومطاعم والدولة غائبة عن الوعي.

استيقظت الدولة فقط لمساءلة المواطنين العاديين المسافرين إلى الخارج عن المال الذي يحملونه. فكيف يدفعون أقساط مدارس أولادهم وكل ما يحتاجون إليه بعيداً من أهلهم ووطنهم. كثيراً ما نسمع عن نجاح لبنانيين في الخارج وتفوقهم على صعيد قطاعات عديدة من الطب والعلوم والثقافة وفن الطبخ ومصممي الأزياء، ونجاحهم ليس فقط لكفاءاتهم بل أيضاً لحرية انتقالهم من بلدهم إلى الخارج. فماذا بعد الآن وقد سلبت هذه الحرية إذا كانت عبر تقييد المبالغ المالية أو تأجيل الحصول على جوازات السفر أو ما إلى ذلك من قيود تضعها دولة منهارة كل ما قدمته هو عهد وعدهم بجهنم وتم تنفيذه. فالأمل في تغيير لا يكون أسوأ.
الكلمات الدالة

 

نقلا عن “النهار العربي”

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى