مؤامرة اغتيال بولتون تختصر مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران
ريتشارد هول
تفاصيل المؤامرة الإيرانية لاغتيال جون بولتون (مستشار الأمن القومي الأميركي السابق) تصلح لكتابة سيناريو فيلم مشوق إضافة إلى وقاحتها السافرة. فهي تضمنت عملية رصد تسبق العملية، إضافة إلى عملية تحويل أموال بالعملات الرقمية واستمرت عملية تأهيل المجند لتنفيذها أكثر من عام.
بالاستناد إلى وزارة العدل الأميركية فقد قام شخص إيراني يعيش في طهران يدعى شهرام بورصافي Shahram Poursafi بالطلب من شخص التقاه على مواقع التواصل الاجتماعي في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تقفي أثر مستشار الأمن القومي السابق (جون بولتون) ومتابعته وصولاً إلى تصفيته في نهاية المطاف. بورصافي البالغ من العمر 45 سنة الذي تدعي وزارة العدل الأميركية أنه يعمل لصالح جهاز الحرس الثوري الإيراني، وجه عميله [المفترض في الولايات المتحدة] بالتواصل عن طريق الشيفرة، كما وعده بمكافأة قدرها 300 ألف دولار أميركي تدفع بالعملة الرقمية إذا نجح في تنفيذ المهمة.
الشخص الذي جُند للقيام بعملية الاغتيال كان، من سوء حظ عملية الحرس الثوري مصدراً متستراً يعمل لمصلحة مكتب التحقيقات الفيدرالي “FBI”، وهو ما قضى على كل الفرص في أن يكتب النجاح لتنفيذ هذه المهمة.
ليس أمراً مفاجئاً أن تحاول دولة مثل إيران تنفيذ عملية لاغتيال مسؤول أميركي سابق في دولة أجنبية. لكن هذه المؤامرة يمكنها أن تؤشر على نحو بارز إلى مستقبل العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
ولكي نفهم تماماً طبيعة هذه العلاقات بين البلدين لا بد من اللجوء إلى ما أعلنته وزارة العدل الأميركية التي قالت إن العملية “كانت في الغالب عملية انتقامية رداً على مقتل قائد فيلق القدس في جهاز الحرس الثوري الإيراني في يناير (كانون الثاني) 2020، قاسم سليماني”. سليماني (الذي كان يحتل موقعاً عالي الشأن وتحيط به هالة من القداسة في بلاده ويعد من قبل كثيرين الرجل الثاني الأقوى في إيران بعد القائد الأعلى للدولة الإيرانية علي خامنئي) قد قتل بأمر من دونالد ترمب الرئيس الأميركي في يناير 2020.
عملية الاغتيال كانت نتيجة عام كامل شهد حملة سادها شيء من التناقض قادها الرئيس ترمب. فقراره الذي ألغى التزام بلاده الاتفاقية [النووية] التي تفاوضت سبع دول من أجل تحقيقها على مدى عامين، للعمل على وضع حد للبرنامج النووي الإيراني كانت مجرد بداية لتلك الحملة. جميع الأطراف التي شاركت في التوصل إلى الصفقة كانوا مصرين على أن الاتفاق يحقق أهدافه الأولى، لا سيما منع إيران من بناء سلاحها النووي [حيازة قنبلة ذرية]. لكن دونالد ترمب بقي على إصراره وفكك أهم إنجاز حققه سلفه على مستوى السياسة الخارجية الأميركية.
وبعد خروج الرئيس ترمب من البيت الأبيض وحلول إدارة أميركية جديدة مكان إدارة الرئيس السابق تسعى إلى أهداف جديدة، ربما يمكن تفهم اعتقاد الولايات المتحدة أن الجميع قد تخطى عملية اغتيال [سليماني] والعداوة التي خلفها ذلك مع إيران. لكن المؤامرة التي أعدت لاغتيال بولتون هي إشارة من مؤشرات عدة تظهر أن طهران لم تتخط تلك المسألة بعد.
هذه الديناميكية قد تجيب مباشرة عن سبب بقاء العلاقات بين إيران والولايات المتحدة متشنجة، وكيف أنها ستبقى كذلك لسنوات طويلة في المستقبل.
في هذه الأثناء يبحث المفاوضون الإيرانيون والأميركيون عرضاً وصفوه “بالنهائي” لاتفاق نووي جديد أعيد التفاوض عليه ليحل مكان اتفاقية عام 2015. لكن شبح فترة ترمب الرئاسية الواحدة تخيم على مجريات هذه المفاوضات. فإحدى النقاط العالقة الرئيسة تتمحور حول الإصرار الإيراني على أن توفر إدارة الرئيس بايدن ضمانات بأن أي رئيس أميركي مقبل لن يمكنه الانسحاب من الاتفاقية من جانب واحد [أحادياً] في المستقبل، كما كان الرئيس ترمب قد فعل في عام 2018. وكان الخبراء قد أجمعوا على أنه سيكون من شبه المستحيل على واشنطن توفير مثل تلك الضمانات.
وتعيدنا هذه القضية إلى المؤامرة لاغتيال بولتون. فمقابل نظام حكم أميركي ينظم عملية توالي السلطة كل أربع سنوات، تبقى الإدارات الإيرانية ممسكة بالسلطة لمدة عقود. إن طبيعة النظام السياسي الأميركي ينص على أن كل رئيس يمكنه اتخاذ القرار باحترام الاتفاقيات التي وقعها سلفه أو التراجع عنها بغض النظر عن تبعات مثل تلك القرارات ــ وفي هذه الحالة وبالنسبة إلى الاتفاق النووي الإيراني، كان للقرار ارتدادات حادة أضرت بالأمن العالمي.
“أي دولة يجب أن تحتفظ بحق إصلاح الأخطاء المرتكبة في السابق”، سبق أن أعلن بولتون خلال مؤتمر صحافي في عام 2018، وبولتون معروف عنه أنه من الصقور المعادين لإيران [في الإدارات الأميركية المتعاقبة]، ومؤمن بفكرة ضرورة تغيير النظام في ذلك البلد. جوابه الآنف الذكر جاء في معرض رده على سؤال حول ما إذا كانت خطوة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني “تؤشر إلى أنه يمكنها إبرام اتفاقيات ثم تعود للانسحاب منها إذا تطلب هبوب رياح التغيرات السياسية ذلك”. وباعتقاد بولتون، “لم تعد الاتفاقية السابقة تناسب المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية”. ولذلك كان لا بد من التخلص منها.
إن تحديد ماهية المصالح الاستراتيجية أمر غير موضوعي بالطبع. فلم يكن هناك أي وزن لمعارضة الرئيس بايدن بوضوح لما فعله الرئيس ترمب. وخارج الولايات المتحدة الأميركية كانت الرسالة بسيطة، إن الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها مع أميركا هي محدودة الصلاحية.
إن إيران لا ترى في احتمال انتخاب إدارة في الولايات المتحدة بداية لفجر جديد في العلاقات بين البلدين. بدلاً من ذلك إن طهران ترى في ذلك عملية تغيير سطحية فقط في حرس المنظومة الحاكمة. ولذلك لم تتوقف عن محاولة الانتقام لمقتل سليماني، وربما لن تتوقف عن السعي من أجل ذلك أبداً. إن المؤامرة لاغتيال بولتون ربما كان قد بدأ الإعداد لها في الغالب خلال فترة ترمب الرئاسية، وهي لم تتأثر بالتغييرات التي شهدتها الإدارة الأميركية في واشنطن العاصمة.
وحتى في الوقت الراهن، وفيما يبدو أن الدول الكبرى قد أصبحت على وشك التوصل لاتفاق على صفقة نووية جديدة، الأرجح أن إيران قد بدأت في الاستعداد لإمكانية قيام الرئيس المقبل بتمزيفها مرة أخرى [التنصل منها].
اندبندنت عربية