أهم الأخبارمقالات

لا معركة ولا تسوية: رئيس لأي لبنان؟

 

رفيق خوري

لا مهرب من التعامل مع الواقع، وإن كان الخلاف عميقاً على نوع السياسة الواقعية. وهي سياسة تبدو غير واقعية، سواء في حرص أطراف على فرض التسليم بالأمر الواقع او في إصرار أطراف على تغيير الواقع. فالوسائل قاصرة في الحالين. والواقع يزداد سوءاً. من جهة تعقيد ما هو بسيط في الإستحقاق الدستوري، ومن جهة أخرى تبسيط ما هو معقد في متغيرات الصراع الجيوسياسي في لبنان والمنطقة وعليهما. فالسؤال اليوم ليس أي رئيس لبنان وما هي المحطة الإجبارية على الطريق الى قصر بعبدا بمقدار ما هو رئيس لأي لبنان. ذلك ان الأخطر من كل الأزمات التي تضرب البلد هو ان لبنان صار في مكان آخر. أما اللبنانيون، فإنهم صاروا يعيشون ويموتون في زمنين مختلفين. القوى التي تأخذ لبنان الى مكان آخر وتسيطر على السلطة وتستقل بسلطتها الخاصة تسمي نفسها «محور الممانعة». ممانعة ماذا، وهي القوة المهيمنة؟ ممانعة العمل على إستعادة التوازن الوطني وعودة الروح الى الوطن الصغير؟ مهما يكن، فإن هذه الممانعة تواجه، بطبائع الأمور، ممانعة مضادة لمشروعها. والمعارك تدور فوق أرض تنهار تحت أثقال الأزمات المالية والإقتصادية والإجتماعية في ظل أزمة وطنية وسياسية. ومرحبا قوة في بلد صار في مرحلة إنعدام الوزن. ومرحبا سياسة في مناخ التشاطر والباطنية والفردية والسلاح والفساد والسطو على المال العام والخاص وحماية اللصوص وحتى تكريمهم.

ومن السهل اللعب بالعصبيات والنزول الى مرتبة ما دون الطائفية في بلد من 18 طائفة بدل الإرتقاء من المذهبية والطائفية الى الدولة المدنية حسب الباب الذي فتحه إتفاق الطائف. لكن من الوهم تجاهل ما حل بلبنان واللبنانيين. فالوطن الصغير دفع ثمن حرب طويلة تصورت أطرافها المحلية أنها تلعب الأدوار التي لا تستطيع رفضها، في حين كانت القوى الإقليمية والدولية تلعب بها. ويدفع اليوم ثمن مشروع إقليمي أكبر منه ومن بلاد عربية عدة، ولا يحظى الا بالقليل من المساعدات والإهتمامات العربية. فضلاً عن انه يدفع ثمن تضييع ثورتين: ثورة الأرز في 14 آذار 2005، وثورة التغيير في 17 تشرين الأول 2019. وفي ضياع ثورتين عوامل وأسباب يعود بعضها الى اندفاع المافيا الحاكمة والمتحكمة في حماية مصالحها بما هو اكثر من قمع الثوار، ويعود بعضها الآخر الى الحسابات الشخصية والفئوية والسياسات الخاطئة للقوى التغييرية والسيادية.

وهذا الوضع، في المنطق البسيط، يفرض المسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية من دون حاجة الى أدوار وحوارات. أدوار المتبرعين بها الذين لهم الشكر، وفي طليعتهم فرنسا التي لو لم تكن موجودة لكان على اللبنانيين إيجادها. وحوارات الذين يتصرفون كأن الحوار سلاح في أيديهم بعد سلاح آخر جرى استخدامه على مدى عام هو إفقاد نصاب الجلسة الإنتخابية بعد الدورة الأولى. فالباب الطبيعي للإنتخاب هو معركة ديمقراطية أو تسوية. وما حدث ويحدث حتى إشعار آخر، هو لا معركة ديمقراطية ولا تسوية. طريق المعركة مغلق من طرف واحد. وطريق التسوية مغلق عملياً من الطرفين، لأن التسوية التي يريدها الطرف المعطل هي الموافقة على ما يريد.

يقول الشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس: «القول إنه سيكون عندك غداً ما يكفي من الوقت هو حكمة كاذبة». ورأس هذه الحكمة عندنا هو الرهان على الوقت.

نقلاً عن “نداء الوطن”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى