مقالات

عن الخطر الإيراني المتعاظم

إميل أمين

هل أضحى الخطر الإيراني مهددا حقيقيا للاستقرار في الإقليم من جهة، وحول العالم من جهة ثانية؟

أفضل جواب لعلامة الاستفهام المتقدمة هو تصريحات وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، والتي أوردها في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل عدة أيام.

الأمير فيصل أشار صادقا إلى أنشطة إيران في المنطقة التي تعزز الدمار والخراب، وتناول أهمية التصدي للتدخلات الإيرانية المستمرة، واعتداءاتها المتتالية على أمن واستقرار المنطقة.

هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن تنشر مجلة النيوزويك الأميركية في توقيت مقارب لتصريحات الأمير فيصل موضوعا مثيرا عن نوايا إيران العدائية في المنطقة من خلال استخدام وكلائها الحوثيين في اليمن؟

لا يهم حديث المصادفة، بقدر بقية تفاصيل المشهد، حيث أظهرت صور للأقمار الاصطناعية طائرات إيرانية مسيرة تم إرسالها إلى أماكن الحوثيين، طائرات من طراز “شهيد- 136″، التي يطلق عليها الطائرات الانتحارية، في محافظات الجوف بشمال عدن.

لم تقتصر ترتيبات إيران العدائية على الجو، بل امتدت إلى البحر، فقد كشفت هندسة القوات المشتركة في الساحل الغربي اليمني عن لغم بحري زرعته الميليشيات الحوثية الإرهابية في مياه البحر الأحمر غرب البلاد، وتبين أنه صناعة إيرانية من نوع “صدف”، يعمل عن طريق الاصطدام.

أضف إلى ما تقدم، أن إيران وفيما تعطل المشروع السياسي لحل الأزمة الداخلية في اليمن، تبدو وكأنها تهيئ الساحة لمعركة كبرى قادمة، إذ رصدت عيون استخبارية عدة استخدام زوارق صغيرة سريعة، متقدمة تكنولوجيا، وغالبا ستكون مفخخة، لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، الأمر الذي لا يهدد المملكة العربية السعودية أو دول الخليج فحسب، ولكن الأمن العالمي على مختلف الأصعدة، العسكرية، والاقتصادية، وبخاصة أسواق الطاقة العالمية.

ما الذي يجري في إيران ويجعل خطرها يتعاظم في الأوقات الأخيرة؟

الإجابة تستدعي قراءة مسلسلة للأحداث وتداعياتها، فكل ما يجري في طهران مرتبط ببعضه البعض، والبداية باختصار غير مخل من عند الحلم النووي وحيازته، بهدف جعل نفسها المكافئ الموضوعي لقوة إقليمية أخرى في المنطقة، لا تغيب عن ناظري القارئ.

في الأسبوع الأول من شهر يناير كانون الثاني الجاري، كان مفتشو الأمم المتحدة، يفيدون في تقرير سري، بأن إيران اتخذت خطوة جديدة نحو إنتاج محتمل للأسلحة النووية، حيث بدأت العمل على خط تجميع لتصنيع مادة رئيسية، في قلب الرؤوس الحربية النووية، الأمر الذي يزيد مخاطر حصول مواجهة بين طهران وواشنطن، قبل تنصيب الرئيس جو بايدن.

هذه الخطوة جاءت في توقيت أعلنت فيه الحكومة الإيرانية بشكل رسمي استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في مخالفة صريحة لتعهداتها السابقة بالأ تزيد التخصيب عن 3.6% وهي النسبة التي رفعتها في 2019 إلى 5% بعد إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي، وفرض العقوبات الاقتصادية على طهران.

هنا تبدو العقوبات شديدة الوقع على نظام الملالي، الأمر الذي أظهرته تغريدات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، نهار الثلاثاء الفائت، والتي أشار فيها إلى أن 100 شركة كبرى قامت بسحب أو إلغاء استثماراتها من إيران جراء العقوبات الأميركية، عطفا على توقف 30 دولة حول العالم عن استيراد منتجات إيران النفطية، فقد منعت العقوبات إيران من بيع 2 مليون برميل يوميا.

ما هي المحصلة الأولية للعقوبات الإقتصادية الأميركية حتى الساعة؟

يكشف الكاتب الإيراني ” حميد عنايت “، مؤخرا عما سمّاه ” جيش الجياع الإيراني “، الذي بات مستعدا للثورة في أي لحظة، خاصة أن أولويات النظام الإيراني باتت تتمحور حول الشعب المقهور.

حديث الجياع الإيرانيين ليس حديثا مبالغا فيه، إذ تشير آخر الإحصائيات الرسمية إلى أن 7 من كل 10 إيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، ودفع العوز الناس إلى أشياء لا يمكن تصورها، مثل بيع آباء أطفالهم الرضع مقابل المال.

هل تمثل هذه الأوضاع احتمالا لانفجار قائم وقادم في الداخل الإيراني، يستدعي عند نقطة زمنية مؤكدة الهروب إلى الأمام، حتى وإن كلف الأمر صداما عسكريا محدودا، يعيد تجييش الشعب ضد القوى الخارجية؟

ما لا تدركه الطغمة الحاكمة في طهران، أو تعلمه وتتغاضى عنه، هو أن الشعوب وليس الجيوش فقط كما قال نابليون تمشي على بطونها، وعليه فإن تصدير الأزمات الإيرانية الداخلية عبر الإرهاب الخارجي أمر لا يفيد.

تبدو إيران وعلى عتبات رئاسة أميركية جديدة مقبلة على تغير نوعي يتمثل في التصعيد إلى أبعد حد ومد، بهدف لا يغيب عن الأعين، وهو تحسين موقفها التفاوضي مع الإدارة الجديدة في واشنطن .

في هذا السياق، وعلى ضوء ما تقدم يمكن للمرء فك شفرات تصريحات، “علي أكبر ولايتي”، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية، والذي أثار جدلا كثيرا مؤخرا وفيه أشار إلى أنه بالرغم من أن خامنئي حرم إنتاج سلاح نووي، لكن إيران تعتبر استخدام السلاح النووي “مباحا، بالنسبة لها إذا كان ذلك ضروريا.

التصريح الأخير يحمل إرهاصات لا تخطئها العين، لا سيما وأنها نشرت عبر الموقع الرسمي للمرشد الإيراني، وفيه تلميح أقرب ما يكون إلى التصريح، حول رغبة إيران في الحصول على السلاح النووي، إن بقيت أميركا – بايدن مصرة على استمرار العقوبات وعدم رفعها عن إيران.

تبدو إيران مراوغة كعادتها، وهذا ما يزيد من مخاطرها الوجودية في المنطقة، ما تمثل بنوع واضح جدا في الخطاب الأول لخامنئي في عام 2021، فعلى الرغم من إنه ترك المجال للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي، وتخفيفه من اللغة الصدامية الانتقامية، إلا أن رسالته الرئيسية تمحورت حول أن إيران لا يمكنها الوثوق بواشنطن عندما يتعلق الأمر بالمسائل الاقتصادية، أو القضايا الأمنية، أو حتى لقاحات فيروس كورونا.

هل تخطط إيران لجس نبض إدارة بايدن من خلال ضربة عسكرية في الخليج العربي في الساعات الأولى لحكمه وفي ضوئها تقرر كيف ستمضي؟
هناك في واشنطن من يرى أن ذاك السيناريو وارد وبقوة، ويخشى أن تكون ضربات إيران موجهة كما كل مرة إلى جيرانها، ما يستدعي بلورة رؤية وموقف عسكري استباقي، انطلاقا من أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم.

نقلا عن العربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى