عصر الميليشيات
عبدالله بن بجاد العتيبي
يعيش العالم العربي منذ عقودٍ ما يمكن تسميته «عصر الميليشيات»، فهي واقع مرير تختلف الشعارات التي يحملها والمذاهب التي ينتمي إليها، ويبقى وجوده واستغلاله سياسياً لخدمة بعض الدول ثابتاً تاريخياً، وهو جزء من موجة الإرهاب والأصولية التي وصلت في تجلياتها الأخيرة إلى استراتيجية استقرار الفوضى.
الميليشيات المسلحة ذات انتماءات مختلفة وطبيعة متباينة، وهي تخدم دولاً بعينها وهي تزرعها في العديد من الدول لتخترق بها نسيجها الداخلي، لتنخر في جسد الأوطان وتحمي العملاء والخونة الذين يدينون بالولاء الكامل لدولٍ خارجية، وإنْ أضروا باستقرار أوطانهم واستهداف مواطنيهم، وبث الفوضى والخراب والدمار.
كل هذه الميليشيات باختلافاتها هي «طابور خامس» يخدم العدو ويعمل لمصلحته، وهو مستعد لإحراق بلاده بمن فيها طلباً لرضى العدو، وخدمة لأهدافه بكل أنواع المكر والكيد، لا تختلف في هذا الميليشيات الثابتة والميليشيات المتنقلة، ولا يمكن التفريق بين ميليشيا تخدم هذه الدولة الإقليمية أو تلك.
في العراق قامت ميليشيا «عصائب أهل الحق» باستهداف مباشر للوجود الأميركي بقوة السلاح والصواريخ دون أي اهتمام بمدى الدمار، الذي سيسببه خروج أميركا من العراق، واستفراد بعض الدول المحتلة بالهيمنة الكاملة، وبسط النفوذ على الدولة العراقية، وإحكام استعمارها على الدولة والشعب العراقي، وحين انتفض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ضد هذه الفوضى، واعتقل المسؤول عن هذه الجريمة التابع لهذه العصائب، خرجت مجموعة تنتمي لهذه الميليشيا، تلبس الأقنعة، وتهدد بشكل فج رئيس الوزراء والدولة بأكملها، ولم تخضع إلا عندما رأت الحزم الكامل من الحكومة على المواجهة القوية.
الميليشيات الثابتة مثل «عصائب أهل الحق» في العراق، أو «حزب الله اللبناني» في لبنان هي بالضبط مثل «ميليشيات الحوثي» في اليمن، هي ميليشيات محتلةٌ تابعةٌ للمستعمر، وخاضعة لقراره وخادمة لمصالحه. ويكفي هنا استحضار أن كل منجزات هذه الميليشيات على الأرض هي نياشين من خزي وعارٍ لتابع ذليلٍ لمستعمرٍ عدوٍ، ولا تغسل الشعارات المعادية لأميركا ولإسرائيل في غسل عار خيانة الأوطان.
الميليشيات المتنقلة لا تختلف عن سابقتها الثابتة، غير أنها لا تكتفي بخدمته داخل أوطانها، ولكنها برسم الخدمة المتنقلة من دولة إلى أخرى، ومن بلدٍ إلى آخر، وأوضح الأمثلة عليها الميليشيات الإرهابية السورية، التي يقوم نظام أردوغان بنقلها بحسب البلدان التي يسعى لاستعمارها، وهي ميليشيات أصولية إرهابية مرتزقة. فأردوغان يرسلها مرةً إلى ليبيا. وأخرى إلى أرمينيا، وها هو يعيد تحريكها في ليبيا مجدداً ضارباً عرض الحائط كل التوافقات الليبية برعاية الأمم المتحدة، والعديد من الدول العربية والأوروبية.
في اليمن وبنجاح السعودية والتحالف العربي بتطبيق «اتفاق الرياض»، وتوحيد الجبهة الوطنية ضد «الحوثي» بدأ الأخير يفقد أعصابه، وينشر الألغام البحرية في أحد أهم الممرات البحرية الدولية، وبدأ عناصره يفقدون سيطرتهم على أفعالهم، فقاموا كما يليق بمحتلٍ غاشمٍ بضرب امرأةٍ بكل وحشية وعلى مرأى من أبنائها، حتى قتلوها ولم يكتفوا بقتلها، بل قاموا بضرب الأطفال الصغار، ما أثار موجة غضب ضد هذه الميليشيات المحتلة، التي تدار بقيادات من مستعمر أجنبي.
مع بداية تنفيذ «اتفاق الرياض» والانخراط في محاصرة «الحوثي» ومحاربته بشكل جادٍ ومخطط له، وتحقيق تقدمٍ على الأرض داخل المناطق التي يسيطر عليها، ستزداد تصرفاته بشاعة ووحشية، وستزيد الألغام البحرية والصواريخ الباليستية، وسيتعرض الشعب اليمني في مناطق سيطرة «الحوثي» لمزيد من الظلم البشع والتعامل غير الإنساني. أخيراً، يجب أن تغير الأمم المتحدة من سلوكها المتساهل مع ميليشيا «الحوثي»، وأن تسمي الأشياء بمسمياتها، وصولاً إلى إنقاذ الشعب اليمني واستعادة الدولة اليمنية.
نقلا عن “الاتحاد”