مقالات

رسائل تصعيدية بين أطراف الإطار التنسيقي

د. مهند الجنابي

يبدو أن التصعيد الأخير الذي يشهده العراق لا يحمل رسائل ضغط سياسي للتحالف الثلاثي الذي يضم الكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف عزم وتقدم فحسب، إنما يحمل أيضاً رسائل إلى داخل الإطار التنسيقي وتحديداً الأطراف التي بدأت تميل إلى الالتحاق بتحالف الأغلبية الوطنية.

فبعد توقف دام لأشهر، استُهلّ العام الجديد باعتداءات على مواقع عسكرية عراقية استهدفت قاعدة Victory في مطار بغداد بهجومين منفصلين، وقاعدة عين الأسد الجوية غرب الثرثار في محافظة الأنبار، وهجوم مجهول على البيشمركة في التون كوبري شمال كركوك، وقاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين، كما استهدفت السفارة الأميركية في بغداد وقاعدة زيلكان في ناحية بعشيقة التي تضم قوات تركية، وجميع هذه الهجمات استخدمت بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ كاتيوشا، فضلاً عن استهداف مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب تقدم وتحالف عزم في بغداد بقنابل يدوية.

رسائل تصعيدية خارج الإطار التنسيقي.
تزامن هذا التصعيد مع الإجراءات الدستورية المتمثلة بالجلسة الأولى للبرلمان الجديد وفي ظل أزمة سياسية أصرت على افتعالها أطراف الإطار التنسيقي، تبدو أن دوافعه مرتبطة بمراحل المسار التفاوضي قبل الجلسة الأولى، فاعتداءات ما قبل التاسع من كانون الثاني الجاري كانت تسعى لممارسة الضغط الأقصى على مقتدى الصدر لاحتواء الإطار التنسيقي كاملاً والتنازل عن الفيتو الذي يتخذه تجاه ائتلاف دولة القانون ودخول الثنائي الشيعي إلى جلسة البرلمان موحداً وإعلان الكتلة الأكبر، وهذا ما أكدت عليه أغلب بيانات الإطار التنسيقي وتصريحات أعضائه حتى صبيحة الجلسة الأولى للبرلمان، إلا أن وقائع الجلسة الأولى لم تؤكد عدم دخول الثنائي الشيعي موحداً فحسب، إنما أكدت أن الإطار التنسيقي أول من شقّ البيت الشيعي بتقديمه ورقة الكتلة الأكبر لرئيس السنة دون الكتلة الصدرية.

رسائل تصعيدية داخل وخارج الإطار التنسيقي.
رغم الملاحظات التي أثارها الإطار التنسيقي حول ما شهدته الجلسة الأولى وانتخاب هيأة رئاسة البرلمان، إلا أن مسار المفاوضات شهد تغيّراً بارزاً بين الكتلة الصدرية وبعض أطراف الإطار التنسيقي، وهو ما غيّر دوافع التصعيد لتشمل رسائل موجهة نحو أطراف رئيسة داخل الإطار التنسيقي وتحديداً تحالف الفتح الذي يضم منظمة بدر وكتلة صادقون التابعة لعصائب أهل الحق، وكتلة سند التابعة لكتائب جند الإمام الذين حصدوا 17 مقعداً نيابياً، بالإضافة إلى حلفاء الصدر من خارج الإطار التنسيقي.

فقد غرّد الصدر في 11 كانون الثاني أن باب التحالف لا يزال مفتوحاً على بعض ممن ما زال يحسن الظن بهم، وتشير معلومات من داخل التيار الصدري إلى أن الصدر لا يعترض على ضمّ تحالف الفتح (17 نائبا) بزعامة هادي العامري، وتحالف قوى الدولة (4 نواب) الذي يضم تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وتحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.

وبحسب مقربين من التيار الصدري، فإن مقتدى الصدر يشترط على من ينضم إلى تحالفه من أطراف الإطار التنسيقي الالتزام ببرنامجه القائم على محاسبة ائتلاف دولة القانون على سياساته، وتخلّي الفصائل المسلحة عن سلاحها لصالح الدولة، ويبدو أن هنالك استجابة واضحة من الجهات التي يسعى الصدر لضمها من الإطار التنسيقي، ممثلة بموقف هادي العامري من الحوارات السابقة، وموقفه من استهداف السفارة الأميركية والمقرات الحزبية التي غازل فيها توجهات الصدر، وزيارته يوم أمس إلى الحنانة للقاء مقتدى الصدر، فيما تشير معلومات إلى استعداد قيس الخزعلي التوجه نحو العمل السياسي وترك العمل المسلح للحفاظ على غطاء سياسي للفصائل المسلحة الأخرى من جهة، وممارسة دور الوصي على هذه الفصائل من جهة أخرى، وهو ما يسعى إليه الخزعلي منذ مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وما يؤكد ذلك تغريدته الأخيرة التي أشار فيها إلى أن استهداف الخضراء محاولة لخلط الأوراق.

أثار هذا المسار التفاوضي امتعاض الجهات السياسية والمسلحة من الإطار التنسيقي التي يرفضها الصدر (ائتلاف دولة القانون وكتائب حزب الله) وحلفاؤهم من الفصائل المسلحة الأخرى خارج الإطار، وتصاعد خطابهم باتهام حلفاء الصدر بشق الصف الشيعي والتهديد بالحرب الشيعية – الشيعية، وعلى الأرجح أن هذه الأطراف السياسية والمسلحة تركز العمل على جانبين، رسائل داخل الإطار التنسيقي للحفاظ على تماسكه الهشّ ومنع انتقال العامري والخزعلي إلى الصدر عبر التصعيد المسلح ضد القواعد العسكرية العراقية التي تضم قوات التحالف الدولي، ورسائل خارج الإطار التنسيقي لتفكيك تحالف الصدر مع القوى السنية والكردية عبر رسائل التهديد المباشرة، وفي ظل الوساطة الإيرانية التي تولي الجانب السياسي أولوية في الوقت الحالي، فمن المحتمل كثيراً أن نجاح الصدر في شق الإطار التنسيقي وتوسيع دائرة تحالفاته فيما يتعلق بالكتلة النيابية الأكثر عدداً، يتوقف على عزل ائتلاف دولة القانون وكتائب حزب الله والميليشيات الأخرى التي تدور في فلك الإطار التنسيقي.

سباق مع الوقت يغلّب المصالح الفرعية.
فرضت الإجراءات الدستورية بعد إجراء الانتخابات الأخيرة نفسها على الواقع السياسي القائم على التوافق حتى الدورة البرلمانية الرابعة في عام 2018، فقد خاض العراق معركة دستورية منذ إعلان نتائج انتخابات 10 تشرين الأول 2021 تمثلت بتغليب الالتزام بقانون الانتخابات على الضغوطات السياسية وكذلك فيما يتعلق بمصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات بعد اعتراضات استمرت لأشهر وصولاً إلى الجلسة الأولى للبرلمان الجديد في التاسع من الشهر الجاري وصدور أمر ولائي من المحكمة الاتحادية بإيقاف صلاحيات هيأة رئاسة مجلس النواب للنظر في دستورية الجلسة الأولى.

وبحسب السوابق القضائية، فعلى الأرجح أن تُردّ الدعوى المقدمة إلى المحكمة الاتحادية للطعن بدستورية الجلسة الأولى للبرلمان كون التنازع في النظام الداخلي يفصل به مجلس شورى الدولة، وفي ضوء بيان المحكمة الاتحادية بعدم تأثير أمرها على التوقيتات الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وشعور تحالف الفتح بعدم جدوى الطعن بدستورية الجلسة أو تفكيك التحالف الذي أفضى إلى انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه حتى وإن أعيدت الجلسة، فتغليب المصالح الفرعية يتقدم على تماسك الإطار التنسيقي الذي تشكّل أساساً للضغط على مواقف التيار الصدري وفُعّل لتغيير نتائج الانتخابات.

وفي ضوء ذلك، يدور الحديث الآن داخل أطراف الإطار التنسيقي التي يرجح انتقالها إلى تحالف الصدر حول مصير ائتلاف دولة القانون إذا ما أصر الصدر على محاسبة سياسات زعيمه، والضغط باتجاه قبول عدم اشتراكه في الحكومة مقابل تقديم تنازلات من الصدر بعدم ملاحقته قضائياً، ويبقى مصير هذا الأمر رهن المتغيرات المستمرة حتى لحظة تكليف رئيس الجمهورية الجديد لمرشح الصدر بتشكيل الحكومة أواخر الشهر القادم، إلا أن الواضح من جميع هذه المجريات أن الإطار التنسيقي في طريقه إلى التفكك وتحول العلاقة بين أطراف من التنسيق إلى التنافس الحاد.

نقلا عن العربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى