مقالات

ثورة 17 تشرين.. تحت ظلال الحزب

بديع يونس

أنقى ما في لبنان تحرّكات شعبه عندما تجتمع على شعار موحّد يؤطّر الملايين ويحرّكها ويوصلها إلى هدفها ومآلها النهائيّيْن.

في الزمن المعاصر شهد لبنان أبهى حلله في 14 آذار عام 2005 عندما خرج جزء كبير من شعبه يطالب بسيادته على أرضه، وبسيادة دولته المركزية وجيشه على كامل ترابه. فحقّق المحتشدون في الساحات العامّة خروج الاحتلال السوري من لبنان الذي ربض على صدر اللبنانيين حوالي ثلاثين عاماً. هو الذي لم يبقِ خلال العقود الثلاثة موبقة من موبقاته إلا ومارسها بحقّ اللبنانيين، قبل أن يُذيق شعبه مرارة ما أذاقه لشعب لبنان.

في 17 تشرين 2019 تسنّى لجزء أكثر تنوّعا، رغم أنّه أقلّ عددا، من الشعب اللبناني إظهار إجماعه على رفض ما آلت إليه أحوال البلاد في ظلّ طبقة حاكمة، على الرغم من تناقضاتها وخلافاتها الشخصية، تتّفق على نهب الشعب اللبناني وتجويعه وإفقاره وسلب ما في جيبه وفي خزائن دولته وصناديقها ومؤسساتها العامّة. طبقة تتفنّن بممارسات الفساد على أنواعها، وفي الاستيلاء على المال العامّ والخاصّ على حدٍّ سواء، وأوصلت اللبنانيين إلى “قعر جهنّم”.

تحوّل تاريخ 17 تشرين إلى مفترق تاريخي حيث توزّع مئات الألوف من اللبنانيين بشيبهم وشبابهم، على المناطق والطرق والساحات، يردّدون الشعارات المحقّة، ويطالبون بالإصلاح الحقيقي، ويرفضون طبقة حاكمة ربضت على صدورهم منذ استقلال عام 1943. فخرقت نضالات اللبنانيين المطلبية كلّ الطوائف والبيئات في لبنان من أقصى جنوبه حتى أقصى شماله، واجتمع حولها الشيعي والسنّيّ والمسيحي والدرزي والعلوي لأنّها تحاكي تطلّعاتهم نحو غد أفضل ومستقبل أرقى.

الخضوع لحزب الله

عندما فشلت السلطة في قمع هذه التحرّكات الوطنية الجامعة التي أطّرت فئات الشعب اللبناني حول الإصلاح ومحاربة الفساد ومحاسبة الطبقة السياسية الحاكمة على أساس “كلّن يعني كلّن”، اضطرّ حزب الله الحاكم والداعم لأحزاب السلطة – لقاء صمتهم عن سلاحه وتدخّله خارج لبنان – إلى أن يواجه ثوار الانتفاضة الشعبية مباشرة لا بـ”الواسطة”. عمد إلى تحريك “قمصانه السود” في الخندق الغميق لغزو ساحة رياض الصلح وساحة البرج وحرق الخيم وجلد المنتفضين بالسلاسل الحديدية و”فجّ” الرؤوس بالسلاح الأبيض، وواكب أفعالَه هذه لحماية الفساد والمفسدين حرسُ مجلس النواب المتحوّل إلى حرس خارج على القانون يطلق النار على رؤوس المتظاهرين مباشرة.

وكما كان امتداد الانتفاضة على وسع لبنان، كذلك امتدّت ممارسات حزب الله وأحزاب السلطة لتشمل بيئة هذا الحزب في صور والنبطية وبنت جبيل وحبّوش وطريق المطار وبعلبك، مانعةً المواطن الشيعي الشديد الفقر من المطالبة بلقمة عيشه بكرامة وإباء.

تخفي ممارسات حزب الله حقداً دفيناً ضدّ الفئات الشعبية ونضالاتها المحقّة وضدّ تطوّر لبنان وتقدّمه ليبقى الأقوى والمسيطر. إنّما ما هو غير مفهوم أن تطلق الانتفاضة نيرانها على أرجلها وتتحوّل إلى أداة من أدوات حزب الله والسلطة لتنفيس “الثورة المحقّة” وشرذمتها وتفريق صفوفها وتمييع مطالبها وخيانة شعاراتها.

عند إمعان النظر في تنظيمات الانتفاضة، يتبيّن أنّها نمت بأعداد تفوق نموّ الفطر في الربيع تحت جذوع الأشجار. تجاوز عددها المئات من دون أن ينضوي مثل هذا العدد في كلّ تنظيم من تنظيماتها التي تحمل أسماء مختلفة ومتنوّعة. وبدعم من حزب الله تطرح قوى بين هذه التنظيمات شعارات فئوية غايتها تفريق قوى المعارضة وليس جمعها. فبدلاً من أن توحّد الشعارات والتحرّكات داخل الانتفاضة، أدّى دعم حزب الله لِما زرعه من تنظيمات إلى التخريب عليها وتقويضها وتشتيت تنظيماتها وقواها.

دور الأحزاب في ضرب الثورة

ساهمت الأحزاب الباقية بنسب متفاوتة بضعضعة التحرّكات الشعبية خوفاً من شعار “كلّن يعني كلّن”. وشاركت هذه الأحزاب، منذ اغتيال الحريري، في الحكومات. وساهمت في إدارة دفّة الحكم موصلةً أحوال البلد إلى ما آلت إليه. وبالتالي فإنّ امتدادات حزب الله وأحزاب السلطة داخل الانتفاضة لم تؤدِّ فقط إلى إجهاضها وتشتيتها، بل انعكست الانشقاقات على نقابة أطباء الأسنان والصيادلة ونقابة المحامين فجاءت نتائج الانتخابات مخيّبة للآمال.

لن تقتصر ضعضعة قوى الانتفاضة على النقابات والتجمّعات المهنيّة، بل تتبيّن بوادر الانقسامات على مَن يدّعون “الثورة” فيما يساهمون في تخريب الاستحقاق المقبل المتمثّل في انتخابات 15 أيار النيابية المقبلة. فكلّ تنظيم ينفخ بأعداده ليظهر قوّته وليفرض إرادته على تركيب اللوائح، حتّى لو كان لا يمون إلا على أصوات لا تتخطّى عدد أصابع اليدين. ويضع كلّ تنظيم فيتو على حزب أو على تنظيم آخر وكأنّه يملك وحده ناصية الحقيقة ويجتمع في تنظيمه “أشرف الشرفاء”.

نقلاً عن “أساس ميديا”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى