أهم الأخبارمقالات

بعث الأمس.. إطار اليوم.. التعويل الأميركي على الشريك الخطأ في العراق

 

رشا العزاوي

يواجه العراق، البلد الذي طالما عاش في حرب أو على حافتها، الآن، تهديدات خطيرة على أمنه أكثر مما واجه منذ عقود، وربما أكثر من أي وقت مضى.

هي كذلك لأنه لم يعد يملك أي مقومات تسهم في إنقاذه، بينما تحيط به أربعة أخطار متداخلة متزامنة ــ الانقسامات الداخلية، وتنامي العمليات العدائية الميليشاوية المسيسة، وتأصيل حكم الدكتاتوريات الصغيرة، وفشل الرقابة الأميركية في إنقاذ مشروع الدولة الضعيفة جدا حتى على المستوى الخدمي الذي حُصرت به ــ هذه المخاطر قد تصل في غضون بضع سنوات بالعراق إلى انهيار لا يمكنه هذه المرة التعافي منه.

المشكلة هي أنه في اللحظة التي ظهر فيها الدعم الأميركي لحكومة الإطار، ظهرت أحداث غزة ليستغلها الإطار كسبب للإفلات من الإشراف الأميركي على هذه الحكومة، ونجح ضغط فصائله إلى حد ما في دفع واشنطن لتقديم تنازلات دفعت “بحلفائها الأعداء” من الإطار التنسيقي، إلى إمعان الأذى في شركاء العملية السياسية واستخدام مطرقة القضاء لإقصاء خصوم سياسيين أو الإضرار بهم من دون أن يكون للمشرف واشنطن القدرة على منع ذلك.

إن التصعيد الميليشاوي في العراق مترابط مع محاولة الإفلات من قبضة الرقابة الأميركية، وهو تصعيد مسيس لا علاقة لها بغزة، يتزامن مع حرب يشنها الإطار على الأحزاب السنية والكردية البارزة التي قد تشكل تهديدا بشكل أو بآخر لشبكات الميليشيات المرتبطة به ولاستمرار فرض جزء من الهيمنة في المحافظات المعنية.

عندما نتحدث عن الأجنحة السياسية للفصائل الشيعية المسلحة في العراق والأجنحة العسكرية بما في ذلك الحكومة، لا يمكن التغاضي عن تكامل الأدوار، والركون إلى دعم حكومة يُعتقد أنها تمنع العراق من الانهيار بينما البادي لنا جميعا أنها تجره بقوة إلى الهاوية.

في الحقب المتتالية التي حكم فيها الإطار.. تبرز قناعة مشتركة، وفرض الهيمنة، في حقبة المالكي، كان ذلك يعني سحق الشركاء السنة والكرد تماما، والهروب للأمام بإيجاد مهدد كبير تنشغل به الجهات الخارجية بينما يستفرد هو بالخلاص من خصومه.

يحدث اليوم الشيء ذاته مع حكومة السوداني، من إحياء المهدد وهو “جماعات الواجهة التي تهدد بحرب إقليمية”، لا تبدو حكومته معنية كثيرا بمواجهتها، بقدر ما تحاول أن تجعلها مشكلة أميركية، بالتزامن ينمي الإطار الصراعات مع الأحزاب الكردية والسنية.

لكن يبدو أن خطة الإطار التنسيقي الحالية نسخة معدلة عما كانت عليه إبان حكم المالكي، وتحمل طموحات أكبر فيما يتعلق بتقديم حكومة تزعم أنها لا تتفق كثيرا مع سياسة تقسيم الجبهات السنية والكردية، لتجنب إسقاطها كما حدث مع المالكي، لكنها منبثقة عن جبهة لا تذر جهدا سياسي كان أو عسكري بهذا الاتجاه.

الإطار يعلم أنه تجاوز ذروة نشاطه ودخل في مرحلة انحدار لا رجعة فيها.. ما يجعل تقسيم ومواجهة الجبهات السنية والكردية خطته الواضحة للحفاظ على مكتسباته الخاصة.

سياسات الإطار مجتمعة تنذر بفترة انقاسامات عراقية.. والمشكلة لا تكمن في القوة العسكرية والعدوانية التي تتمتع بها جماعات الإطار لتنفيذ هذا التوجه.. بل بحسابات الإطار الخاطئة في الداخل والخارج، التي أدت يوما لهيمنة داعش على ثلث العراق، وأرجح وفق السياسة الحالية أن يرتكب أخطاء أكبر في المستقبل.

إن أذى الإطار بأجنحته السياسية والعسكرية والذي تعجز واشنطن عن احتوائه، دفع بالعراقيين إلى نبذ العملية السياسية، وبدول المنطقة إلى وضع خياراتها الخاصة للتعامل مع تهديدات أجنحة الإطار العسكرية المرتبطة بإيران، بما في ذلك الوصول لتسوياتها الخاصة بوساطة صينية.

تعويل واشنطن على الشريك الخطأ، أظهرها أمام العراقيين ودول المنطقة دولة عاجزة، لا تمتلك قوة الردع، وتعاني من فشل في الاستجابة للمهددات.

تلمس الميليشيات ومن خلفها إيران الخلل الأميركي وتستغله لترسيخ مكانتها في المنطقة عامة والعراق خاصة، معززة صورة أميركا غير الموثوقة.

الضعف الأميركي في العراق الناجم عن الشراكة مع الإطار التنسيقي، بات يهدد العراق ويهدد المنطقة والمصلحة الأميركية فيها.

في العراق نجد الولايات المتحدة في موقف فريد من نوعه إنها تدعم خصومها العدوانيين الذين لا يحظون بدعم شعبي أو إقليمي عدا عن دعم إيران التي يعادي نظامها الحالي واشنطن.

على واشنطن أن تعلم أن السياسة التي غزت العراق وفقها قد فشلت، دعم أحزاب امتيازها الوحيد تشارك كراهية نظام صدام حسين، لم يخلق عراقا أفضل فهذه الأحزاب تقترف اليوم كل ما حاربته في عهد صدام.

جاء حزب الدعوة وتلاميذه لخوض معركة باسم فلسفة مذهبية بُني كل عنصر منها على تفسير تاريخي وديني واجتماعي ساهم في ترسيخ الفرقة بين العراقيين وكان يفضل ولا يزال الهوية المذهبية على الوطنية، حتى بعد تناسخه إلى أحزاب عدة تنخرط في قوالب تبدو “ديمقراطية،” تحت واجهة الإطار التنسيقي.

مجيئهم بمساعدة الاحتلال الأميركي قد هز صورتهم كثوريين ولم يجدوا حرجا في ذلك، وليس لديهم حرج اليوم في الحصول على امتياز الدعم الأميركي ومعاداة أميركا في الوقت ذاته، لدى حليفتهم إيران سياسة محددة طغت على أهدافهم كقوة سياسية عراقية، سياسة ستمنعهم دائما من الاندماج مع الأمة العراقية التي يشكل تعافيها مهدد للمد الإيراني.

حتى بعد ما منحت واشنطن الأعذار للإطار التنسيقي على اختلاف مسمياته لعشرين عاما، وحاولت ترويضه، خلقت “إطار اليوم” الذي يريد إعادة العقيدة البعثية الصدامية إلى مؤسسات الدولة، لكن بمسميات أخرى.

الطريقة التي يدير بها الإطار الحاكم في العراق هي نسخة عن نهج صدام.

من تسليم مقاليد السلطة للمنتمين لهم أو الموالين لسياساتهم حصرا. إلى إقصاء الخصوم بالتهديد والقوة والدكتاتورية الصارمة التي تقضي بتدعيم نظام السطوة الإطارية وتجسير الفترة الانتقالية نحو الحكم الأوحد.

الحركة المعارضة التي عولت عليها أميركا لحكم العراق في عهد صدام حسين، جمعها السخط والعدو المشترك، لكن لم تكن أبدا حركة ثورية موحدة ذات أجندة وطنية، كان لكل جهة ثائرة أهدافها، وفي النهاية بعد أن سقط ما يوحد الساخطين، لم تختلف تلك الحركات عن غيرها، أسست جميعها ديكتاتورية الحزب ، وفاشية حكم الرجل الواحد لكل حزب، دكتاتوريات صغيرة تعادي أميركا التي تدعمها بقوة.

لذا، يتعين على واشنطن “الدولة المشرفة على حكومة الإطار” أن ترغم الإطاريين على تغيير حساباتهم، وأن تقلل من فرص وقوع الكارثة، وهو الجهد الذي يتطلب رؤية استراتيجية وعملاً جريئاً وإجراء عمليات قيصرية ضرورية لتقليص القوة العسكرية التي يعول عليها الإطار لتقسيم الجبهات العراقية الأخرى واستخدام أداة العقوبات ضد الجهات التي تستغل القنوات القانونية والقضائية لإقصاء الخصوم السياسيين.

نقلا عن العربية

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى