أهم الأخبارمقالات

الرياض وطهران… أكثر من محادثات وأقل من جولة

 

حسن فحص

ما الذي حصل؟ وما التطورات التي دفعت إلى عقد جلسة حوار جديدة بين السعودية والنظام الإيراني في العاصمة العراقية بغداد؟

سؤالان قد لا تجيب عنهما الجهود التي بذلها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإعادة تفعيل هذه الحوارات التي بدأت في بغداد قبل أشهر، وشهدت انعقاد أربع جولات ساعدت في تقديم صورة مختلفة عن العراق وقدرته على لعب دور الوسيط، وترجمة التقارب في وجهات النظر حول ضرورة الحوار والتفاوض بين دول الجوار العراقي من جهة، والقوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة من جهة أخرى. ومحاولة توظيف موقع العراق الذي يسعى إلى لعب دور متوازن بين هذه القوى والأطراف، وإبعاده من الآثار السلبية لأي توتر قد يحوله إلى ساحة تصفية حسابات وصراعات بالوكالة.

يحسب لوزير الخارجية العراقي إصراره الدؤوب على إعادة تفعيل الحوار السعودي – الإيراني الذي شكل هاجساً محورياً في جهوده الدبلوماسية، بخاصة مع طهران، ومساعيه إلى تدوير زوايا المواقف في مختلف الملفات التي تنعكس سلباً على العراق والمنطقة، ومشاريع بناء منظومات وتفاهمات اقتصادية وسياسية وأمنية إقليمية، سواء من بوابة إعادة الحرارة للحوار بين الرياض وطهران، أو من خلال نقل الرسائل بين طهران وواشنطن في إطار العمل على منع انهيار المفاوضات النووية بينهما.

قد لا يكون الوزير العراقي قادراً على تحقيق خرق في موضوع العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد إيران، تحديداً في الجزء المتعلق بالحسابات المالية المجمدة لعائدات بيع إيران الغاز والكهرباء للحكومة العراقية، وحتى التبادل التجاري للقطاع الخاص، إلا أنه استطاع تحقيق خرق في التريث أو الجمود الذي سيطر على مسار الحوارات الثنائية بين الرياض وطهران.

هذا الحوار الذي انطلق من رؤية سعودية بضرورة المبادرة الخاصة لمحاولة ضبط الطموحات الإقليمية للنظام الإيراني، بعد أن تخلت واشنطن أو استبعدت من طاولة الحوار دور إيران ونفوذها الإقليمي والتهديد الذي يشكله برنامجها الصاروخي الـ “باليستي” لأمن دول المنطقة واستقرارها، بخاصة الدول الخليجية، مستفيدة من الحاجة الإيرانية إلى إعادة ترميم علاقاتها مع دول الجوار العربي، وإدراك قيادة النظام أن التقدم والتوافق والاتفاق مع واشنطن حول الملف النووي لا يعني انعكاسه حتماً على علاقاتها الإقليمية، وأن المرحلة تفرض عليها البحث عن تسويات مع هذه الدول قد تجبرها على تقديم تنازلات من أجل الوصول إلى هدفها في عقد تفاهمات إقليمية لإدارة المنطقة، تعمل على سد الفراغ الذي سينتج من الانسحاب الأميركي منها، أو على الأقل تراجعها على سلم الأولويات الأميركية.

ما شهدته بغداد الخميس الماضي، الـ 21 من أبريل (نيسان) 2022، لم يكن جولة جديدة بمعنى الكلمة، بحسب التوصيف الإيراني الذي اعتبرها استكمالاً للجلسة التي جرت بين الطرفين في العاصمة العُمانية مسقط قبل أشهر، بعد تعليق جولات بغداد الأربع، أي أن ما حصل هو أكثر من محادثات وأقل من جولة، على الرغم من الأجواء الإيجابية التي خرج بها هذا اللقاء الذي شارك في جزء منه رئيس الوزراء العراقي، وحرص الطرفان على كسر الطابع الأمني بإشراك سفيري البلدين في هذه الجلسة لفتح مسار الحوار الدبلوماسي.

الحديث عن مذكرة تفاهم من 10 نقاط بين الطرفين يعني أن البحث في الملفات التي طرحت على طاولة الحوار منذ البداية قد جرى التوصل إلى تفاهمات جدية حولها، وهي ملفات وإن كانت تعتبر في الحالات الطبيعية ذات طابع سياسي ودبلوماسي، إلا أن تراكم التوترات والخلافات حولها والاتهامات المتبادلة جعلها تأخذ طابعاً أمنياً لا بد من التفاهم حوله لإعادة تفعيل العمل الدبلوماسي.

وإذا ما كانت جلسة مسقط بين الرياض وطهران قبل شهر رمضان قد أسهمت في تثبيت الموقف الإيراني المتعاون في جهود السعودية لإعلان وقف إطلاق النار في الحرب اليمنية، والتأسيس لبدء حوار سياسي بين القوى المتصارعة في هذا البلد، فإن جلسة بغداد تعتبر استكمالاً لهذه الخطوة بناء على ما خرجت به من تعاون إيراني للعمل على استمرار هذه الهدنة وبذل المساعي لتسهيل الحل السياسي، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره شبه اعتراف من طهران بالدور الذي تلعبه في الأزمة اليمنية، وقدرتها على التأثير في مسار الحل، بعد أن كانت ترفض أي حديث حول هذا الموضوع.

الزيارات المتتالية للوزير العراقي إلى طهران، بخاصة الأخيرة التي ضمت إليه كلاً من مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي ورئيس جهاز الاستخبارات، جاءت بعد الزيارة التي سبقتها لنظيره العماني بدر البوسعيدي إلى طهران والتي تصب في جزء منها على جهود استكمال الحوار الذي استضافته مسقط، بالتالي فإن حديث الوزير العراقي عن “جولة سادسة” في بغداد، وإن كانت تعبر عما حصل من إيجابيات في حوار بغداد الأخير، إلا أن الطرفين المعنيين لم يلمحا في مواقفهما إلى ذلك أو إلى مكان انعقاد الجولة المقبلة، بخاصة أن المتوقع للجولة الجديدة أن تشهد لقاء بين وزيري خارجية البلدين الأمير فيصل بن فرحان وحسين أمير عبداللهيان، يؤسس لكسر جبل الجليد في العلاقة بين البلدين ويفتح الطريق لمسار بناء ثقة جديد بينهما.

لقاء القمة بين وزيري الخارجية، وبحسب تعبير الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها سعيد خطيب زاده، لن يكون في المدى القريب، مما يرجح فرضية أن الأمور بين الطرفين لم تنضج بعد لهذه الخطوة، بخاصة أن طهران ستكون مطالبة بمواقف حاسمة من الملفات التي وضعتها على طاولة الحوار، فضلاً عن أن بغداد كمكان لمثل هذا اللقاء يبدو مؤجلاً في ظل أزمة الحكم التي يعيشها العراق، وعدم اتفاق القوى السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف شخصية لتشكيل الحكومة الجديدة.

نقلاً عن “إندبندنت عربية”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى