الحرب التي لن تقع مع لبنان
طوني فرنسيس
هل ينتهي شهر سبتمبر (أيلول) إلى حرب طال الحديث عنها بين إسرائيل و”حزب الله”؟ السؤال مشروع نتيجة للخطابات والمواقف التصعيدية من الجانبين، التي يحكمها إسرائيلياً موقف مبدئي من المشروع النووي الإيراني، وإيرانياً موقف رسمي أيديولوجي لا يكف عن اعتبار تل أبيب كياناً تنبغي إزالته.
تأخذ إسرائيل تهديدات حسن نصر الله زعيم “حزب الله” على محمل الجد، وقد عبرت مقالة لعاموس يادلين الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) عن الموقف شبه الرسمي في خصوص تلك التهديدات، “منذ ثلاثة أشهر يهدد نصر الله إسرائيل قبل بدء استخراج الغاز المتوقع من حقل كاريش، ويحذر بأنه جاهز للمخاطرة بحرب في حال بدأت إسرائيل باستخراج الغاز قبل أن ينال لبنان حقوقه ويحصل على مطالبه الكاملة في المفاوضات على الحدود البحرية، يهدد نصر الله بأنه في حال كهذه لن يكتفي بضرب كاريش، بل سيمنع استخراج الغاز من كل الحقول في فلسطين”.
ينتهي يادلين إلى الاستنتاج أنه من الممكن أن ينتهي هذا الوضع بين “حزب الله” وإسرائيل إلى اشتباك قوي جداً، حتى لو كان الطرفان لا يريدانه، ويقترح لتقليل خطر تصرف خاطئ من طرف “حزب الله” أنه على إسرائيل أن توضح للحزب وللإسرائيليين واللبنانيين أنها لن ترتدع عن الضخ من كاريش في الموعد المحدد ومن دون علاقة بالمفاوضات، ولن تخوض مفاوضات تحت التهديد، وأن الرد على أي هجوم من “حزب الله” سيكون قاسياً وغير متوقع، كما أن مضيه حتى النهاية “سيكون رهاناً غير مسؤول على مصير لبنان والطائفة الشيعية”.
ويختم رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق أنه “ما دام حزب الله مستمراً في تهديداته ويطبقها على سكان البلدان والقرى في الجنوب اللبناني الحذر والابتعاد عن البنى العسكرية التابعة له، التي أنشئت في مناطق مدنية”.
لم يبتعد الموقف الرسمي الإسرائيلي عن السياق الذي رسمه يادلين، وبدا أن الحكومة الإسرائيلية قررت السير في تشغيل حقل كاريش من دون انتظار نتيجة المفاوضات مع الدولة اللبنانية، يوم الجمعة الماضي، أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية بدء الاستعدادات لربط حقل كاريش بشبكة الأنابيب التابعة لها، تمهيداً لتشغيل المنصة وإنتاج الغاز الطبيعي من دون انتظار الاتفاق مع لبنان، على الرغم من الحديث عن تقدم في المفاوضات.
قبل ذلك بساعات، أشار وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس إلى وجود توتر مع لبنان، لكنه جزم أنه “في النهاية سيكون هناك حفارتان، أحدهما في إسرائيل والأخرى في الجانب اللبناني، إذا نجحت عمليات التنقيب”.
في التصريحات نفسها، سأل غانتس “هل سيكون هناك تصعيد؟”، وأجاب بأن “إسرائيل مستعدة للتوصل إلى اتفاق يخدم البلدين، وإذا كان نصر الله يريد الإضرار بالعملية فالثمن سيكون لبنان.
رئيس “أمان” أهارون حاليفا ذهب أبعد من ذلك في مؤتمر حول مكافحة الإرهاب، إذ اعتبر أن “نصر الله ليس تحت الوصاية الإيرانية، بل هو شريك في صناعة القرار الإيراني، وأن تقديرات الجيش الإسرائيلي هي أن هناك احتمالات في حالات معينة أن يلتحق حزب الله بدائرة العنف الإيرانية”.
في الخلاصة يتمسك المسؤولون الإسرائيليون باحتمال الاتفاق مع لبنان، ويذهب مسؤول عسكري كبير إلى القول إن “حزب الله يكثف حملته الإعلامية بشأن حقل كاريش لأهداف سياسية لبنانية داخلية”.
وليس هذا الاعتقاد بعيداً من الواقع، ففي خطابه يوم السبت الماضي، بدا نصر الله مهادناً لإسرائيل على الرغم من إعلانها عن قرب تجارب الربط والضخ من كاريش، واكتفى بتكرار التهديد بالصواريخ، وأنه بعث برسائل سرية في هذا الخصوص.
لم تكن لغة التهديد، التي سادت خطبه خلال الأسابيع الماضية هي الطاغية، وبدا أنه يوجه حديثه إلى الداخل اللبناني أكثر مما يوجهه إلى الدولة العبرية، وكانت الحكومة وانتخابات الرئاسة بنداً أساسياً في خطابه لجموع أنصاره، وفي المناسبة وجه سهاماً إلى الجيش اللبناني مستعيداً أحداثاً جرت منذ ثلاثين عاماً إبان سيطرة السوريين على لبنان وجيشه، وإلى قرار التمديد لقوات الأمم المتحدة الذي يتيح لهذه القوات حرية الحركة في الجنوب المحامي لإسرائيل، محملاً البعض في الدولة المسؤولية، ثم استعاد مجازر صبرا وشاتيلا ليغمز من قناة سمير جعجع والقوات اللبنانية، الطرف الأساسي المعارض لـ”حزب الله” في الصراع الداخلي، علماً بأن المتهم بالمشاركة في المجزرة إيلي حبيقة صار بعد قليل صديقاً وحليفاً لنصر الله وآل الأسد ووزيراً دائماً في حكوماتهم اللبنانية قبل أن يغتال في جريمة لن يكشف فاعلها أبداً.
تدخل إشارات قائد “حزب الله” المذكورة في إطار معركته الداخلية لتثبيت إمساكه بموقعي رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، بالتالي مفاصل الدولة، وهو ما اقتضى منه توجيه الاتهامات ضد ثلاث جهات تعوق مشروعه، القوى السياسية المؤثرة المتبقية في النظام السياسي والإدارة، وحزب القوات اللبنانية وما يمكن أن يشكله من نواة لجمع المعارضة، والجيش الحزب الوطني الأكبر والجامع.
يحتاج نصر الله إلى الفوز في المعركة الداخلية حاجة إيران إلى ضمان نفوذها في لبنان، فهذا البلد الذي وصل قادته إلى التباهي بصنع طائرات مخصصة لقصف حيفا وتل أبيب، بدا راسخاً في عجزه أمام مئات الغارات الإسرائيلية على قواته في سوريا، وأمام عشرات الهجمات داخل إيران نفسها، وهو يفضل ألف مرة الحفاظ على مكاسبه اللبنانية بدلاً من التورط في مغامرة قد لا تخدم مشاريعه الطويلة الأمد، وإذا صحت المعلومات الإسرائيلية عن اضطرار إيران و”حزب الله” لسحب ميليشياتهما من جنوب سوريا تحت ضغط الهجمات الإسرائيلية، فإن مشهداً آخر يلوح في الأفق، ليست الحرب مع إسرائيل في جنوب لبنان بين تفاصيله أو حتمياته.
اندبندنت عربية