أهم الأخبارمقالات

الأحوازيون ومواجهة الاضطهاد: بين التاريخ والمستقبل

حسين علي الأحوازي
في بعض الأحيان، يُجبر الإنسان على التعايش مع أناس لا يرغب في مُبادلتهم التحية، وهذه إحدى إكراهات التاريخ التي تفرضها طبيعة المجتمعات القائمة على دعائم الاستعمار ونهب ثروات الآخرين. مجتمعاتٍ تجمع البشر في كيانات غير متجانسة، لا يربطها سوى منطق القوة والقهر، مما يُكرّس أشكالًا جديدة من العبودية. والمحاولات اليائسة للحفاظ على هذه الكيانات الهشة –بوعي أو بدونه– تجعل الفردَ أسيرًا لتلك العبودية ذاتها التي يسعى إلى تفاديها.

إن إدراكَ أن الاضطهاد الإنساني هو نتاجٌ للعلاقات الاقتصادية والمادية، وتأثير العوامل الجغرافية وهياكل السلطة وأدواتها، يُشكّل خطوةً أساسية لفهم جذور الظلم. لكنّ الحديث عن حُرية البشر وكرامتهم ليس مجرد شعار؛ بل هو محركٌ قادر على تغيير واقع الاضطهاد. ولا ينبغي للأحداث التاريخية أن تُقيّد مسارنا نحو التحرر، فالحقوق تُنتزعُ بالإرادة لا بالانتظار.

لنتساءل: إذا واجه الإنسانُ الظلمَ والاضطهاد، فهل يُتوقع أن يقف مع ظالمه في الأزمات؟ من وقف مع الأحوازيين في نضالهم ضد الاضطهاد البنيوي سوى شعبهم نفسه؟ وهل حقًّا التزمت الشعوبُ في الجغرافيا المسماة “إيران” بمقولة سعدي الشيرازي: “بني آدم أعضاءٌ في جسد واحد”، أم أن خطابَ التنظيمات اليسارية الإيرانية ظلّ حبرًا على ورق؟

أما ما حدث في أورومية –المدينة المتنازَع عليها بين أهلها الأتراك والمهاجرين– حيث يُحَوّل النظامُ الحاكمُ صراعَ الهوية والموارد إلى “خلاف قومي”، فإن الجذورَ أعمقُ من ذلك بكثير. ففي 21 رمضان، يُحيي أهلُ الأرض ذكرى مأساةٍ بينما يحتفل المهاجرون بمناسبةٍ يُلبسونها ثوب “نوروز”، في لعبةٍ سياسيةٍ تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي.

لفكّ هذه الإشكاليات، نحتاج إلى منهجيةٍ تحليلية (باثولوجية) تُحدد ملامحَ القضية وجذورَها وطرقَ معالجتها. ففي إيران، غاب العدلُ الاجتماعي، واختفت المواطنةُ الحقيقية، وفُقِدت الهويةُ الجامعة، لتحلَّ محلها لغةُ القوة والقتل ضد الشعوب غير الفارسية. ومع ذلك، ما زال السؤالُ مطروحًا: من يتحمّل مسؤولية هذا الواقع؟

هنا يبرز دورُ النخب الفكرية التي تناقش إشكاليةَ القومية الأوروبية وتراكماتها المعرفية، والتي شكّلت هويةً حضاريةً جمعت شعوب أوروبا رغم اختلافاتهم. أما في إيران –المشحونة بكره “الآخر”– فلم يُطرح سؤالٌ جادّ: لماذا هذا الكرهُ المتجذّر للشعوب الأخرى؟ وماذا لو اعترفنا بحقوق هذه الشعوب، واتجهنا نحو مشروعٍ حضاريٍ تشاركيٍ تقوم أركانُه على العدل، بدلًا من تفوّقِ جماعةٍ على أخرى؟ عندها لن نسمعَ مصطلحاتٍ عنصريةً مثل “ترك خر” أو “عرب ملق خور” في الخطاب العام.

قبل عام 1908، لم تكن المفاهيمُ القوميةُ مسيطرةً في المنطقة، بل سادت الهويةُ الإسلاميةُ كرابطةٍ جامعة. حتى البريطانيون خلال صراعهم في أذربيجان كانوا يخشون من تعاطف المسلمين هناك مع إخوانهم في الهند. أما اليوم، فبرغم تشكُّل الهويات المحلية، تظلُّ الروابطُ الدينيةُ حاضرةً في خطاب شعوب المنطقة.

في أوروبا، بُنيت الدولُ على أسسٍ صناعيةٍ وحضاريةٍ متطورة، بينما تُقاس الثورةُ الفرنسية –خطأً– على الواقع الإيراني المُختلف جذريًا. إن التحديات الديموغرافية والاقتصادية في إيران لم يبناءَ نظامٍ سياسيٍ واقتصاديٍ متجانس، كما في هولندا التي وحّدتها “الثقافة المؤسساتية” رغم التعددية.

أما فرضُ اللغة الفارسية كلغةٍ مقدسةٍ ورافضٍ للانفتاح على الإنجليزية –كما في الهند وباكستان– فيعيق التقدم. ففي باكستان، لم يُؤدِّ تبنّي الإنجليزية إلى تخلفٍ حضاري، بينما نجد “العداءَ للعرب والأتراك” في إيران مرتبطًا بتخلفٍ حتى النخبة المثقفة التي تتبنّى خطابًا سلطويًا على حساب القيم الإنسانية.

السلطة في إيران –سواءٌ أكانت شيوعيةً أم دينية– تُدار بلغة الهيمنة نفسها. لكنّ الشعوبَ أدركتْ أن الحريةَ تُنتزعُ بالفرص لا بالشعارات. والأحوازيون اليوم أمام فرصةٍ تاريخيةٍ يجب استثمارها بوعيٍ بعيدًا عن الخطاب العاطفي.

أخيرًا، أدعو لقراءة أعمال أكاديميين مثل محمد حافظ نيا في “الجغرافيا السياسية الإيرانية”، فمستقبلُ المنطقة سيكون للشعوب التي تناضل من أجل حريتها وتتحرر من قيود الاستبداد.

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى