أحناف العرب قبل الإسلام (١-٤)
أ. د. عائض محمد الزهراني
عرفت الجزيرة العربية قبل الإسلام العديد من الحضارات القديمة مثل مملكة سبأ وحمير ومأرب جنوب الجزيرة وبشرقها كحضارة دلمون، ومملكة كندة في نجد ومكة ويثرب في الحجاز، كانت حضارات مزدهرة ساهمت في التطور الإنساني والحضاري بمعايير عصرها، وتذكر مصادر التاريخ والتراث أن عرب الجزيرة؛ خاصة الحجاز كانوا على اتصال وثيق ومستمر بالبلدان المجاورة كالشام والعراق واليمن والروم وفارس، ولديهم إلمام ومعرفة عميقة بالديانة المسيحية في الشام، ونجران والديانة اليهودية باليمن ويثرب، وتنوعت الأيديولوجيا العقائدية كفسيفساء زاهية في الحياة الدينية في الجزيرة العربية؛ فعقائد اليهود والمسيحية والحنيفية والأدينيون، تناغمت في محيط اجتماعي مُتجانس، وتعايش معها الجميع، وكانت عبادة الأصنام في جزيرة العرب، يشوبها بعض الغموض والتشوه رغم إيمان فئة بدين الفطرة ملة إبراهيم -عليه السلام- الحنيفية، كانوا يُوحِّدون الله سبحانه وتعالى، وينكرون الوثنية وتقاليدها وبدعها في الدين، يقول الله تعالى:
(وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) )البقرة: 135)
ومن أشهر الشخصيات الحنيفية التي زخرت بها المصادر التاريخية قس بن ساعدة بن عمرو الأيادي، وهو أحد حكماء العرب وأشهر الخطباء على مر التاريخ العربي. كان من قدماء الحنفاء الذين ظهروا في بداية انحراف العرب عن دين أبيهم إسماعيل وجدهم إبراهيم، فكان يدعوهم ليعودوا إلى الطريق الصحيح، ويسعى ليُحارب ما ظهر فيهم من بدع، ويقال: إنه كان يعرف النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعثته ويقول: “إن لله دينًا خير من الدين الذي أنتم عليه”، كما يُروى أن الرسول -عليه الصلاة والسلام-قد دعا له وقال: إنه يحشر يوم القيامة أمة. ويُروى أنه قال:
في الذاهبينَ الأولينَ مِن القرونِ لنا بَصائر
ورأيتُ قومي نَحوها تَمضى الأكابر والأصاغِرُ
لا يَرجعُ الماضي إلىَّ ولا مِن الباقين غابر
أيقنتُ أنى لا محالةَ حيثُ صارَ القومُ صائر
وهو أوّل من خطب متكئًا على عصا، وأول من كَتَب: من فلان إلى فلان.
وأول من قال: أما بعد. وأول من قال:
(البينة على مَنْ ادَّعَى واليمينُ عَلَى من أنكر).
نقلا عن صحيفة مكة