مقالات

أحزاب وميليشيات عراقية في مواجهة رجل وحيد

فاروق يوسف
 
حين تخلت الأحزاب المهيمنة على النظام السياسي في العراق عن منصب رئيس الوزراء (أيار/مايو عام 2020) كانت على يقين من أن الشخصية المستقلة التي سترضي ميول المحتجين من الشباب لن تتمكن من الحركة بمعزل عن ارادتها وما تقره من سياسات، وإلا فإنها ستغامر في السقوط في فراغ ليس له نهاية. هو فراغ السلطة. هناك حيث لن يتمكن من انتشالها أحد، حتى لو كانت الولايات المتحدة هي ذلك الأحد.
 
هذا ما كان مصطفى الكاظمي على دراية به. ليس لأنه رئيس جهاز المخابرات السابق وهو منصب حساس يؤهل صاحبه للاطلاع على أسرار لم تطلع عليها مجتمعة القوى السياسية فحسب، بل وأيضاً لأنه ابن العملية السياسية التي بدأت بعد الاحتلال الأميركي مباشرة وإن كان قد قضى في الظل زمناً طويلاً كونه ينتمي إلى شريحة من الشباب الذين لم تشأ سلطة الاحتلال أن تحترق أوراقهم في الصراعات بين المتطرفين الدينيين.
 
بناء على تلك الخبرة لم تشهد مرحلته أي توتر يُذكر مع الأحزاب. على عكس الصدامات التي جرت مع الميليشيات والتي لم يكن الكاظمي يأمل بأنها ستُحسم لمصلحة حكومته. ليس لأن تلك الحكومة ضعيفة بل لأن السلطات الثلاث كلها مُخترقة من الأحزاب التي هي على علاقة طيبة بالميليشيات وهناك تنسيق جزئي بين الطرفين يمتد من المصالح الظرفية إلى العلاقة الحيوية مع إيران.
 
لم يكن الكاظمي يأمل بأن تقف الأحزاب معه في مواجهته مع الميليشيات. لذلك لم يسعَ إلى اغرائها وهو اليائس من إمكان تحييدها في حالة نشوب صراع مسلح بين الميليشيات والقوات النظامية. كما أنه لم يكن مطمئناً إلى ولاء بعض الأجهزة الأمنية التي يتداخل فيها الوطني بالعقائدي بطريقة لا يمكن للمرء معها أن يحكم على نتائج الإداء. فالأحزاب التي كُلفت بإقامة دولة جديدة أنشأت تلك الدولة بما ينسجم مع مصالحها التي يمكن أن تتغير في أية لحظة تبعاً للمستجدات في الأحداث.
 
لقد كان الكاظمي مدركاً أن هناك مسافة بين الأحزاب والميليشيات ولكنها مسافة قابلة للإلغاء فيما لو تعلق الأمر بعدو خارجي كرئيس الوزراء الذي هو من وجهة نظر إيران طارئاً على السلطة ويجب استبداله ما أن يُسدل الستار على مسرحية الانتخابات المقبلة التي يظن مقتدي الصدر بأن تياره سيكون أولها وآخرها وهو الخيط الناظم لها. سيكون حزب مقتدى هو الغالب. في حال صحت ظنون مقتدى الصدر فإن الكاظمي سيكون أول الخاسرين. ذلك لأن مقتدى كان يكذب وهو يقول إنه وقف وراء ترشيح الكاظمي لمنصب رئيس الحكومة في المرة السابقة. بطبيعة الحال لم يكن في إمكان الكاظمي أن يقول “إنه يكذب”.
 
يجمع تيار الصدر بين الحزب والتحالف والميليشيا. معه الشيوعيون الذين صاروا بمثابة واجهته المدنية ووزارة إعلامه، غير أنه لا يكف عن الحديث عن بيته الطائفي الذي يمني النفس بأن يكون وهو الجاهل بممراته السرية سيده. هو زعيم حزب وميليشيا في الوقت نفسه. لذلك يشعر الكثيرون بالحسد إزاءه والغيرة منه. لقد فشل نوري المالكي وهو زعيم حزب “الدعوة” في إنشاء ميليشيا فاعتبر مجازاً “الحشد الشعبي” صنيعته فيما لم ينجح هادي العامري زعيم ميليشيا “فيلق بدر” في تشكيل حزب سياسي بالرغم من أنه صار عضواً في مجلس النواب بعد أن سُمح لعتاة المسلحين بالترشح لعضوية مجلس النواب.
 
ليس من المتوقع أن يسعى الكاظمي إلى استمالة “التيار الصدري” إلى جانبه لأنه يدرك أن حزب مقتدى الصدر وميليشياه لن يصطفا مع أحد، كائناً من يكن. ما صار معلناً أن الصدر قد انتهى من تصفية حساباته على المستوى الشعبي كونه الزعيم الأكثر شعبية وصار عليه أن ينتقل إلى مرحلة السيطرة على الدولة بشكل كامل. لم يستطع الكاظمي أن يمنع خروج تظاهرات تأييد للصدر في وقت لم تكن فيه تلك التظاهرات ضرورية لـ”التيار الصدري”.
 
بالتأكيد لم يكن الاستعراض الصدري موجهاً ضد رئيس الوزراء أو حكومته. خصوم الصدر يتوزعون بين الأحزاب والميليشيات. اولئك هم كارهو الكاظمي والساعون إلى تقويض حكومته. وإذا ما كان الصدر على ثقة بأنه سيهزم خصومه في الأحزاب والميليشيات فإنه لا يملك تلك الثقة حين يتعلق الأمر بالكاظمي، الرجل الوحيد الذي لا يستند إلى حزب ولا يملك ميليشيا.
نحن أيضاً في انتظار أن تصف خريطة الانتخابات المشهد السياسي العراقي. أحزاب وميليشيات في مواجهة رجل وحيد. فهل ستجلب تلك الوحدة شيئاً من التعاطف الشعبي لمصطفى الكاظمي؟
 
شيء من هذا القبيل يمكن أن يقع إذا ما خرج الكاظمي عن صمته وكشف عن أسرار لقاءاته العديمة الجدوى مع زعماء الأحزاب والكتل السياسية الذين كانوا يماطلون في شأن إجراء إصلاحات من شأنها أن تؤثر سلباً في امتيازاتهم ومصالح أحزابهم وكتلهم. قد يبدو الأمر أشبه بنشر الغسيل الوسخ غير أنه بالنسبة الى شخص يائس مثل الكاظمي يعد تعويضاً موقتاً عن الإصلاح الذي وعد به ولم ينجزه كما تقول الأحزاب. تلك من وجهة نظره فرية يمكنه التصدي لها من طريق فضح الأطراف التي وقفت في طريق الإصلاح.
ربما ستكشف لنا الأسابيع القادمة تفاصيل معارك خاضها الرجل الوحيد ضد الأحزاب هي أكثر شراسة ووعورة من معاركه ضد الميليشيات.
 
* نقلا عن “النهار”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى