فواتير الحرب والسلام في اليمن
صالح البيضاني
من المبكر التنبؤ بمآلات الحرب في اليمن في ظل الحراك السياسي الإقليمي المتسارع الذي يشي بأن هناك تحولات وشيكة قادمة، ستغير قواعد الاشتباك في الحرب اليمنية، وربما تدخله في مرحلة تهدئة نسبية، تكون بمثابة استراحة محارب لأطراف النزاع، كما هي فترة انتقالية لتحول طبيعة الصراع وعودته إلى مستوياته المحلية التي يمكن السيطرة عليها إقليميا في إطار تفاهمات يبدو أن أبرز مخرجاتها محاصرة رقعة الحرب ووقف تصديرها إلى خارج حدود اليمن.
لم يخرج الحوثي من ركام هذه الحرب منتصرا أو ظافرا كما يشيع أتباعه وآلته الإعلامية، كما لم تخرج السعودية التي قادت التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، مهزومة كما يحلو لإعلام الحوثي ومحور إيران تصويرها وخصوصا بعد وصول السفير السعودي لدى اليمن إلى صنعاء ولقائه بالقيادات الحوثية. وإليكم جردة الحساب التي أفرزتها ثماني سنوات من الحرب التي أوقد نيرانها الحوثيون في سبتمبر 2014 من خلال انقلابهم وما تلاه من ممارسات لم تهدد المجتمع اليمني بل شكلت خطرا على أمن الإقليم والعالم.
أحكم الحوثيون سيطرتهم بالفعل على القسم الأكبر من شمال اليمن، ولكن بثمن باهظ وبتلال من الضحايا والقتلى والأحقاد وتدمير النسيج الاجتماعي وزرع عداوات مذهبية ومناطقية وسلالية ستمتد آثارها المدمرة لعقود، وفي المقابل لم يحقق الحوثيون معظم أهدافهم المعلنة التي كانت ترسم مساحة جيوسياسية شاسعة لمناطق امتداد مشروعهم، حيث تقول خارطة الحرب التي دخلت عامها الثامن إن حدود السعودية التي ظل الحوثيون يوهمون أتباعهم بأنهم قد تجاوزوها إلى العمق السعودي، مؤمنة بالكاملة، فيما بعض وحدات الجيش اليمني متمركزة في مناطق على أطراف محافظة صعدة ذاتها، معقل الحوثيين الحصين، بل إن الحوثي لم يسيطر حتى على شمال اليمن كاملا كما كان يأمل، فبعض مديريات مأرب وتعز والحديدة وحجة خارج نطاق سيطرته.
وللجنوب قصة أخرى، فبعد تحريره من جحافل الغزو الحوثي الذي اجتاحه في مارس 2015، تحولت هذه المساحة الجغرافية الهائلة التي تمثل ثلثي خارطة اليمن السياسية “الجمهورية اليمنية”، إلى قلعة حصينة عسكريا وسياسيا وثقافيا، ضد أي مطامع حوثية، وتحد هائل للحوثيين ليس في الحرب فقط ولكن حتى في مشاريع السلام الجارية اليوم، حيث يرفض الجنوبيون أي تبعية سياسية أو اقتصادية لمشروع الحوثي حتى على أنقاض السلام المزمع.
الحرب اليمنية لم تكن دون تكلفة أيضا، فهناك خاسرون كثر في هذه الحرب التي أعادت اليمن قرونا إلى الوراء ومحت من الذاكرة كل المكاسب السياسية والاقتصادية التي حققها اليمنيون خلال أكثر من نصف قرن من ثورتهم على الإمامة في شمال اليمن، ولذلك فالخاسر الأكبر في هذه الحرب هو الشعب اليمني الذي تجرع ويلاتها وعانى من بطش الحوثي وظلمه ونتائج هوسه العقائدي ومغامراته الثورية المستوردة من إيران.
لقد أظهرت الحرب أقبح ما في اليمن وهو الحوثيون، كما سينزع السلام المرتقب أيضا آخر أوراق التوت أو “القات” الحوثية التي أمدت هذه الجماعة بأسباب البقاء خلال السنوات الماضية، وما يحدث اليوم ليس إلا نهاية للحرب بشكلها القديم وبداية لواقع سياسي وعسكري واجتماعي جديد سيتشكل على الأرض وسيجد الحوثيون أنفسهم في نهاية المطاف أمام فاتورة كبيرة مستحقة لضحاياهم، مجردين من ذرائع “العدوان الخارجي” التي ظلوا يختبئون خلفها لثماني سنوات!