بوتين بين إيران والسّعودية
رندة تقي الدين
القمة التي جمعت رؤساء إيران إبراهيم رئيسي، وروسيا فلاديمير بوتين، وتركيا رجب طيب أردوغان، في طهران، كرّست التعاون الاقتصادي الوثيق بين إيران وروسيا الخاضعتين لعقوبات أميركية وغربية صارمة.
وعلم أن روسيا وقّعت مع إيران أكبر صفقة في تاريخ صناعة النفط بين البلدين في مجال تطوير شركة غازبروم الروسية 3 حقول غاز و6 حقول نفط في إيران بقيمة 40 مليار دولار، مع إكمال مشاريع الغاز الطبيعي المسال وإنشاء خطوط أنابيب لتصدير الغاز إلى الخارج. وتنوي غازبروم استثمار 10 مليارات دولار في الحقول و15 مليار دولار لزيادة الضخ في حقل بارس الجنوبي، بحسب رئيس شركة إيران للنفط NIOC . وحقل الغاز الإيراني هو امتداد لحقل الشمال العملاق في قطر، ولكن الجانب الإيراني منه يتضمن كميات غاز أقل بكثير من الجانب القطري. وتحتاج إيران إلى استثمارات باهظة تأخرت بسبب العقوبات عليها.
وقبل العقوبات كانت توتال الفرنسية عازمة على الدخول في مشروع تطوير “ساوث بارس” south pars ، إلا أن العقوبات على إيران أوقفت كل الاستثمارات الغربية في قطاع نفط وغاز شهد تدهوراً في وضع حقوله التي كانت تحتاج إلى تطوير بسبب تقادمها.
وهكذا، فزيارة بوتين طهران كانت بمثابة تحد لسياسة الرئيس الأميركي جو بايدن، ودعوته السعودية ودول الخليج إلى زيادة إنتاج النفط لتخفيض أسعاره في الولايات المتحدة. وكان الموقف السعودي واضحاً من طلب بايدن، وهو أن السعودية التي تشارك روسيا في مجموعة أوبك + لن ترفع الإنتاج إلا في إطار جماعي في أوبك +، وبحسب توقعات العرض والطلب في الأسواق العالمية.
وحرص بوتين على الاتصال بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد القمة الثلاثية في طهران، لـ”يتناول معه وضع السوق النفطية بالتفصيل”، بحسب الكرملين، فولي العهد مطلع على تفاصيل السوق النفطية ووضع العرض والطلب، وإلى جانبه شقيقه الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير النفط الذي لديه خبرة طويلة بالسوق النفطية وبالمتعاملين في الأسواق المستقبلية في كل أنحاء العالم.
والمملكة التي هي من مؤسسي أوبك، كانت خلال أصعب التوترات السياسية بين الأعضاء تعوّل على الأخذ بالاعتبار أوضاع السوق، لأنها، كما دول أوبك، حريصة على حماية الأسعار ولا تريد تدهورها. والتشاور مع بوتين من شأنه أن يؤكد موقف المملكة من ضرورة درس السوق قبل اتخاذ القرار لشهر أيلول (سبتمبر) في نهاية هذا الشهر.
وتشير توقعات أوبك ووكالة الطاقة الدولية إلى أن هناك زيادة في الطلب على النفط، ولكن ما زال الغموض يخيم على مستوى هذه الزيادة التي قد تقود إلى زيادة إنتاج من السعودية في إطار قرار جماعي داخل أوبك، إذ إن المملكة وحدها لها قدرة إنتاجية زائدة بنحو مليون برميل في اليوم.
فهل كان اتصال بوتين بولي العهد السعودي لطمأنة المملكة إلى أن التفاهم مع إيران ليس ضد السعودية؟ القمة الإيرانية الروسية في توقيتها تبدو كأنها تحذير مبطن من ثعلب السياسة الرئيس الروسي إلى الشريك السعودي في أوبك+ من أي خطوة تقوم بها المملكة للاستجابة للمطالب الأميركية. لقد ذهب بوتين إلى إيران ليؤكد تحالفه معها، ليس فقط في سوريا، بل أيضاً على صعيد منطقة الخليج إذا خذلته دول الخليج بتحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة.
واللافت أنه غداة الزيارة الروسية لطهران، قصف الطيران الإسرائيلي مواقع إيرانية في سوريا وأسقط ضحايا من جيش النظام. وإسرائيل تدخل وتخرج في الأجواء السورية من دون أن يعترضها أو يمنعها السلاح الجوي الروسي الذي، مبدئياً، هو المسيطر على المجال الجوي السوري.
وجرى تداول معلومات عن شراء روسيا مسيرات من إيران لاستخدامها في أوكرانيا، حيث يواجه الجيش الروسي مقاومة عسكرية أوكرانية أطالت عملية غزو كانت روسيا تعتقد أنها ستتم بسرعة. في الوقت نفسه، قررت روسيا طرد الوكالة اليهودية من موسكو بسبب موقف إسرائيل المؤيد لأوكرانيا، ما زاد التوتر في العلاقات الإسرائيلية الروسية التي كانت جيدة.
التحالف الإيراني الروسي ليس جديداً، ولكنه تعزز بالتخوف والقلق من رغبة إدارة الرئيس بايدن في العودة إلى الشرق الأوسط. فالسياسة الأميركية قربت بين البلدين رغم التنافس بينهما على صعيد المبيعات النفطية إلى الصين، إذ تخفض روسيا أسعار نفطها إلى الصين كثيراً.
أما الرئيس التركي فهو على خلاف مع كل من روسيا وإيران في سوريا لأنه يريد التخلص من الأكراد، وهو عضو في حلف الناتو، لكن مشاركته في هذه القمة لها أبعاد سياسية واضحة، إذ إن أردوغان الذي يطمح للهيمنة في المنطقة لا يريد تركها لنظام إيراني شيعي متحالف مع نظام الأسد العلوي، وهو يرغب في الاستفادة من التقارب مع إيران من أجل الاقتصاد والطاقة.
بوتين ينظر اليوم إلى التحالفات في منطقة الشرق الأوسط كأنه يحلم باستعادة نفوذ الاتحاد السوفياتي، لكن العالم تغير وأوروبا تحررت من روسيا التي ما زالت تعتبر أن أوكرانيا ومحيطها جزء منها، فيما زمن جدار برلين سقط وبوتين لا يمكنه السيطرة على العالم.
نقلاً عن “النهار”