إيران… تخصيب الإرهاب أم اليورانيوم؟
تبدو إيران دائماً في جملة مفيدة مع الفوضى والإرهاب، كما أنّ جسراً ما يصل بينها وبين تهديد الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي معاً، وبالتالي ليس مستغرباً أن تسعى إلى إنتاج القنبلة النووية أو حتى الاستثمار في تنظيمات العنف والتطرف، سواء السنية أم حتى الشيعية؛ فكل منهما يُحقق هدف طهران وهو الفوضى المتنقلة.
سبب الخلاف بين إيران وجيرانها من العرب، هو سعيها الدائم إلى العنف الحالي والمؤجل، فقد أسرعت في برنامجها لتخصيب اليورانيوم وتطوير الأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية، رغم ادعائها الكاذب في وقت سابق أن تخصيب اليورانيوم هو فقط للأغراض السلمية؛ مشروع إيران قائم على تهديد الجيران، سواء من خلال جماعات العنف والتطرف التي نشأت في كنفها وما زالت تُعبر عنها، أم من خلال القنبلة النووية التي تسعى طهران إلى إنتاجها ولعلها قطعت شوطاً في ذلك.
إيران التي خدعت العالم بتصريحاتها السابقة بأن تخصيب اليورانيوم هو لأغراض سلمية، هي نفسها التي تقوم بتخصيب جماعات العنف والتطرف التي باتت تُشكل هي الأخرى تهديداً لأمن العالم! وهو ما يتطلب تدخلاً من المجتمع الدولي لمواجهة هذا “التخصيب”، سواء على مستوى التنظيمات الإرهابية أم على مستوى المواد الأولية التي تستخدم في إنتاج القنبلة النووية، لا بد من أن يحدث ذلك قبل أن تنجح في خلق هياكل تنظيمية جديدة للتنظيمات المتطرفة قد يكون من الصعب مواجهتها في المستقبل، وتتحول إلى خطر لا يقل على خطر سعيها إلى إنتاج السلاح النووي والبيولوجي.
خدعت إيران العالم في عام 2003 عندما أصدر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي الخامنئي، فتواه التي كانت تعتبر استخدام الأسلحة وسائر صنوف الدمار الشامل كالأسلحة الكيماوية والبيولوجية خطراً حقيقياً على البشرية، الفتوى ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ أشارت إلى حرمة إنتاج هذه الأسلحة، فضلاً عن استخدامها.
إيران التي أصدرت هذه الفتوى هي نفسها إيران التي تسعى إلى إنتاج القنبلة النووية، وهي نفسها إيران التي تقوم بتخصيب اليورانيوم وجماعات العنف والتطرف في كل مكان، صحيح أنها أفتت بحرمة تطوير الأسلحة الكيماوية، ولكنها استخدمت التّقية الدينية سياسياً حتى تتمكن من إنتاج هذه الأسلحة، كذب سياسي هدفه امتلاك ما تستطيع أن تُهدد به العالم!
إيران ضربت بفتواها السابقة واللاحقة وبالقوانين الدولية وأمن جيرانها عرض الحائط، شعارها في ذلك السير في طريق الفوضى بأقصى سرعة مهما كانت التكلفة البشرية التي يتحملها العالم جراء تحقيق حلمها عبر تخصيب اليورانيوم، تمهيداً لإنتاج أسلحة الدمار الشامل أو عبر تخصيب جماعات العنف والتطرف وتأهيلها للقيام بأدوار تخدم مصلحتها.
نجحت إيران في توظيف الدين لمصالحها الخاصة، مرة في الإيحاء بأنها لن تنتج أسلحة تُهدد من خلالها أمن المنطقة والبشرية جميعاً واستقرارهما، والأمر الثاني في سعيها الحثيث إلى إنتاج هذه الأسلحة المدمرة واستخدامها، ويبدو المثال واضحاً في الميليشيات الإيرانية الموجودة في العراق وسوريا واليمن ودول عربية أخرى كأذرع عسكرية تعتدي من خلالها على خصومها، فضلاً عن المسيرات الإيرانية التي تستخدم للهدف نفسه.
وهنا أصدر المرشد علي خامنئي، مرسوماً دينياً كجزء من التمويه حتى تنجح إيران في إنتاج القنبلة النووية، هذا المرسوم ضد تطوير الأسلحة النووية وإنتاجها وتخزينها واستخدامها، وهنا وظفت طهران الدين خدمة لأهدافها، مستغلة إياه أبشع استغلال، تكذب باسم الدين وتُريد أن تقتل الآخرين باسمه أيضاً.
يأتي ذلك متزامناً مع تصريح وكيل وزارة الدفاع الأميركي للشؤون السياسية، كولن كال، في جلسة في مجلس النواب الأميركي، إذ أشار قبل 12 يوماً إلى أن طهران قادرة على إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية واحدة بعد 12 يوماً، فبحسب كلام المسؤول الأميركي قد تكون إيران امتلكت قنبلة نووية بالفعل!
طهران نجحت خلال العقود الماضية في تخصيب جزئيات اليورانيوم بنسبة وصلت إلى 83.7%، وهي أقل بقليل من 90% الضرورية لإنتاج القنبلة النووية، وقامت بتخصيب جماعات العنف والتطرف في عدد من الدول العربية حتى باتت أذرعاً لها تُهدد بها أمن المنطقة والعالم، فإيران ليست لديها أي مشكلة تعوقها عن استخدام السلاح النووي بعد إنتاجه، ما دام يُحقق ذلك أهدافها السياسية والطائفية مستغلة الدين في ذلك.
أخطأت الولايات المتحدة في التعامل مع التهديد الإيراني، فوقعت اتفاقاً هشاً معها في عام 2015، ولم تجبرها على عدم استخدام الصواريخ البالستية أو تطويرها، بل قامت باستثمار التهديد الإيراني لمنطقة الخليج لمصلحتها، وها هي الآن تحصد وضعاً سياسياً سوف تتحملة واشنطن ومعها المنطقة التي تشعر بالخطر جراء نجاح طهران في امتلاك القنبلة النووية.
خطأ واشنطن في التعامل مع إيران بدأ بتوقيع اتفاق هش مع طهران قبل ثماني سنوات، وبخروجها من هذا الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، مع عدم وجود أوراق ضغط في يد الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن، وهذه كلها أخطاء أفرزت وضعاً معقداً سوف تُعانيه المنطقة العربية والعالم.
واشنطن باتت تتعامل بمنطق ما بعد إنتاج إيران القنبلة النووية، وهذا وإن كان خطأ الولايات المتحدة، فلا بد من أن تتحمل جزءاً من المسؤولية، سواء من خلال الاعتذار عن سياستها التي ترتب عليها ما حدث، أم جراء عدم الوقوف أمام أي تدابير من شأنها مواجهة إيران وتوغلها العسكري من قبل هؤلاء الشركاء، على واشنطن أن تُدرك سوء تقديراتها.
أهم خطأين وقعت فيهما واشنطن في العقود الثلاثة الأخيرة إزاء ما يتعلق بأمن المنطقة العربية ومنطقة الخليج على وجه التحديد، تقديراتها غير الدقيقة بخصوص قوة تنظيمات العنف والتطرف، وخطأ بوصلتها في مواجهة هذه التنظيمات، وبخاصة “القاعدة” و”داعش”، فضلاً عن السماح لإيران بدعم هذه التنظيمات، والخطأ الأكبر في السماح لها عبر سياسات غير مدروسة أدت في النهاية إلى أن طهران باتت على مقربة من إنتاج السلاح النووي!
أميركا لم تُدرك مبكراً أن استثمار طهران في جماعات العنف والتطرف الواضح سوف يدفعها دفعاً إلى تخصيب اليورانيوم؛ فهذه كلها أدوات الهدف منها تصدير ثورتها الدموية إلى العالم، طائفية إيران تدفعها إلى محاولة احتلال المنطقة العربية تمهيداً لإقامة خلافتها التي شاركت “داعش” و”القاعدة” فيها.
نقلا عن النهار العربي