لماذا سمح خامنئي بوصول رئيس إصلاحي؟
هدى رؤوف
أصبح لدى إيران رئيس جديد، مسعود بزشكيان، وهو أول رئيس إصلاحي منذ ما يقارب عقدين، وفاز في الانتخابات بنسبة 53.6 في المئة من الأصوات، فهزم المحافظ المتشدد سعيد جليلي خلال جولة الإعادة بفارق 2.8 مليون صوت.
ولم يعُد السؤل المطروح هل من الممكن تغيير السياسات الإيرانية الداخلية والخارجية في ظل رئيس إصلاحي، بل السؤال الأهم في هذا الإطار، هو لماذا سمح المرشد الإيراني ومن معه من المؤسسات الأمنية والعسكرية بوصول رئيس إصلاحي بعد كل تلك السنوات؟.
يمكن القول إن ثمة أسباباً داخلية بالأساس هي التي دفعت نحو وصول رئيس إصلاحي للسلطة، فقد تمت الدعوة إلى إجراء الانتخابات بعد الوفاة المفاجئة للرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادثة تحطم طائرة هليكوبتر في مايو (أيار) الماضي، واعتمدت حملة بزشكيان الانتخابية على إعادة التواصل مع الغرب لتخفيف العقوبات من خلال إحياء الاتفاق النووي وتخفيف قواعد اللباس الصارمة للنساء، وبلغت نسبة المشاركة في جولة الإعادة 50 في المئة، وهو تحسن مقارنة بالمستويات المنخفضة في الجولة الأولى.
وأظهرت هذه الانتخابات كذلك الانقسام بين الفصائل المحافظة في إيران التي توزعت أصواتها على المرشحين المحافظين الرئيسين، إذ لم يتمكن المحافظون من الاتفاق على مرشح واحد خلال الجولة الأولى من الانتخابات.
وفي جولة الإعادة حصل جليلي على 13.5 مليون صوت مقابل 16.4 مليون صوت لبزشكيان، مما يعكس الاستقطاب المتزايد في النظام السياسي والاستياء في جانب المتشددين والمحافظين من النظام.
هنا يتجلى أن أحد أسباب سماح خامنئي بوصول مرشح إصلاحي، هو لأنه شعر بالقلق من التيار المتشدد الذي أصبح هو الآخر متنافساً في ما بينه.
السبب الآخر هو التخوف من أن يتحول الإصلاحيون إلى طرف معارض، والسبب الثالث هو التخوف من عودة الاحتجاجات الشعبية على غرار أعوام 2017 و2019 و2022 و2023، فعلى مدى السنوات الماضية شهدت إيران تحركات لأسباب عدة خلال ولايتي حسن روحاني وإبراهيم رئيسي، فكانت التظاهرات التي قادتها النساء على مستوى الدولة والتي اندلعت عام 2022، فضلاً عن الانتفاضات العرقية القومية في مقاطعتي كردستان وسيستان وبلوشستان خلال الفترة نفسها، والاضطرابات بين العمال والموظفين على وقع تدني الأجور والرواتب وارتفاع نسب التضخم نواة للحراك الثوري ولظهور قوى سياسية رافضة للمرشد والنظام والتي يمكن أن تتحرك في أي لحظة على رغم خفوتها منذ أشهر طويلة، لكن يظل الاستياء العام من المواطنين الذي انعكس في أقل نسبة تصويت ضمن الانتخابات شهدتها إيران أخيراً، وكانت لهذا الحراك الثوري أصداؤه الاجتماعية والثقافية، فضلاً عن تفاقم المشكلات الاقتصادية، إلى جانب تهميش الإصلاحيين وقمع الحريات المدنية والسعي وراء أجندة رجعية حول سياسات إعادة الإنتاج الاجتماعي والسيطرة على السكان.
ومن ثم كان هناك إدراك عام داخل إيران أن المتشددين لم يعودوا قادرين على إدارة الحكومة، أو تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لذا كان وصول الإصلاحيين إلى الحكم مرة أخرى عاملاً يحجب عن المرشد الإيراني انتقادات المواطنين له في ما يخص تدهور الأوضاع الاقتصادية أو سوء الإدارة.
وبالنسبة إلى أهم التحديات التي تواجه بزشكيان، فهي قدرته على ممارسة نفوذه بمواجهة المتشددين في النظام، في حين يتمتع المرشد الأعلى بالسلطة المطلقة، ومع ما تواجهه إيران من تناقضات هيكلية، ربما لن يتمكن بزشكيان على رغم وعوده من تجاوز المحركات البنيوية للتضخم وانخفاض مستويات المعيشة.
وعلى مستوى السياسة الخارجية التي تقع صلاحيتها كاملة في يد المرشد والمؤسسة الأمنية والحرس الثوري، فمن غير المحتمل أن تتغير، بخاصة السياسة الإقليمية التي تقوم على شبكة من الوكلاء الإقليميين وأصبحت جزءاً رئيساً في استراتيجية إيران وتحقق مصالحها الوطنية وتحمي أمنها في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
نقلا عن اندبندنت عربية