كيف تعاملت إيران مع استراتيجية واشنطن بين الدبلوماسية والردع؟
هدى رؤوف
في وقت تجمدت فيه محادثات فيينا ثم استئناف محاولات التفاهم بين إيران والولايات المتحدة في الدوحة، جاءت زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن للشرق الأوسط، وتحديداً إسرائيل والضفة الغربية والسعودية.
وفي حين كان ممثلو الطرفين الأميركي والإيراني يبحثان فرص التفاهم في الدوحة، وقد قيل إن المحادثات انتهت بلا جدوى، كان بايدن يؤكد أنه يدعم أي تنسيق أمني دفاعي إقليمي في مواجهة إيران، ومن ثم اتبع بايدن تجاه إيران استراتيجية قائمة على محوري الدبلوماسية والردع في الوقت نفسه، فكيف تعاملت إيران مع استراتيجية واشنطن تلك؟ وكيف رأت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لبعض القوى الإقليمية في المنطقة؟
جاءت استراتيجية واشنطن القائمة على الدبلوماسية من رغبة إدارة بايدن في أن ترى إيران في اتفاق يحجم نشاط برنامجها النووي، وأزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا تشجع الولايات المتحدة على البقاء في المحادثات مع إيران التي قد تعيدها إلى سوق الطاقة العالمية بنحو 1.5 مليون برميل يومياً في التوقيت الحالي.
لكن من جهة أخرى دفعت الحرب في أوكرانيا واشنطن نحو التنسيق والتعاون مع القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، لا سيما دول الخليج ومنها السعودية، إضافة إلى إسرائيل وبعض الدول الأخرى، ومن ثم بدا أنه من الضرورى دعم واشنطن لسياسات الردع الإقليمية ضد ما تمثله إيران من تهديدات.
وفي ظل الاستراتيجية الأميركية القائمة على الدبلوماسية والردع في آن، اتبعت إيران الدبلوماسية وفتح الحوار مع بعض دول الإقليم، لا سيما التي من المحتمل أن تكون جزءاً من أية ترتيبات إقليمية يحتمل الإعلان عنها.
ففي حين تعنتت إيران منذ بدء محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي قبل نحو عام، وتوقف المحادثات لأشهر عدة بناء على طلب منها ثم العودة بمطالب وصفتها بالخطوط الحمراء، عملت على الاستجابة لجولة الدوحة منذ أيام قليلة وتمسكت فيها بالحصول على ضمانات اقتصادية من واشنطن، واستقبلت وزير الخارجية القطري في طهران بعد فشل جولة الدوحة.
ومنذ أيام سافر كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إلى عُمان في ما بدا أنه جهود دبلوماسية لدفع المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، والتقى باقري كني مع وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، وقال كني إن طهران ومسقط تركزان على تعميق تعاونهما الثنائي لتحسين لاستقرار الإقليمي.
وهناك تعاون محدود في بعض الملفات بين إيران والإمارات في إطار سياسة أبوظبي لتهدئة التوترات مع طهران، وآخر هذه الملفات التعاون بينهما لتبادل الخبرات في مجال مكافحة العواصف الترابية والرملية.
وذكرت وكالة أنباء إيران الرسمية (إرنا) أن الاتفاق يأتي في أعقاب مرسوم أصدره المرشد الأعلى علي خامنئي في شأن الحاجة إلى الدبلوماسية للتخفيف من حدة العواصف.
وفي مؤتمر صحافي أشاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني والذي شغل منصب السفير الإيراني في القاهرة، بالعلاقات مع الأردن واصفاً إياها بالجيدة، لكنه رد عن الأنباء التي تتحدث عن محادثات ثنائية بين إيران ومصر بأنها غير دقيقة، معتبراً أن وجود محادثات دبلوماسية سيساعد البلدين في بناء علاقاتهما بالشكل الصحيح، ولن تكون هناك حاجة إلى وسيط.
ومن المعروف أنه نادراً ما كانت القاهرة وطهران على علاقة طيبة منذ ثورة 1979 في إيران التي أطاحت بشاه البلاد المدعوم من الغرب، والذي كان مقرباً من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. وتصاعدت التوترات بين البلدين بعدما أيدت السلطات الإيرانية قاتل السادات، وفي ظل ربط القاهرة الأمن الخليجي بالأمن القومي المصري والعربي وتأكيدها، اعتباراً من أن إيران أحد مصادر تهديد أمن الخليج، أن تحسين العلاقات بين طهران والقاهرة مرتبط بالسياق الإقليمي والعربي، ولا يفوتنا مشهد وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير عبداللهيان ولحاقه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال قمة بغداد لدول الجوار العام الماضي، بما يشير إلى محاولات إيرانية للتقارب مع مصر.
من جهة أخرى فإن استجابة إيران لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة تمحورت حول أن الزيارة لن تحقق الأمن لإسرائيل، وهو ما صدر عن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وقد جاء ذلك بعدما قاله البيت الأبيض قبل ذلك بأيام من أن الزيارة ستشهد مناقشات حول تعزيز التعاون الإقليمي في مجال الدفاع الجوي، لا سيما في ما يتعلق بمواجهة طهران، وهي الخطط التي استنكرتها إيران باعتبارها تهديداً لأمنها.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية للصحافيين في اليوم الذي وصل فيه بايدن إلى إسرائيل، الأربعاء الـ 13 من يوليو (تموز)، بأن تشكيل الولايات المتحدة ائتلافات إقليمية لن يضمن الأمن في المنطقة، وأكد أن التحالفات الأمنية التي تتحدث عنها واشنطن لن تخدم مصالح المنطقة وأمنها، داعياً إلى التخلي عن المساعي الرامية إلى تشكيل تحالف إقليمي واحترام سيادة دول المنطقة، مضيفاً أن إيران مستعدة لمد يد الصداقة لدول المنطقة بهدف تعزيز الأمن والاستقرار.
وما زالت إيران تتمسك برؤيتها في ما يخص أمن الخليج وترفض أن ترى أي وجود أميركي فيه، في وقت تنسق فيه مع روسيا والصين وتبني تحالفاتها المناهضة للغرب، كما أن التنسيق الأمني والدفاعي الجوي المزمع تأسيسه بين دول الإقليم يدفع إيران إلى العزلة الإقليمية، فيما هي تعتبر الانفتاح على الدول العربية ضمن ركائز استراتيجيتها الإقليمية.
وسواء تم تجديد الاتفاق النووي أم لا، فإن زيارة الرئيس بايدن تهدف إلى تعزيز التنسيق الإقليمي في مواجهة جهود إيران المستمرة لترسيخ نفسها في جميع أنحاء المنطقة وتوسيع استخدامها للصواريخ والطائرات من دون طيار، وفي هذا الصدد تتوقع إيران استمرار الدعم الأميركي لـ “معركة ما بين الحروب” الإسرائيلية، والتنسيق مع الدول العربية.
اندبندنت عربية