تاريخ صراع بلاد الحرمين الشريفين مع إيران
بقلم: علاء إبراهيم حبيب
عكفت طهران منذ وصول الخميني إلى الحكم على التسلح بشكل غير مسبوق، وأعدت مشروعا يهدف إلى التوسع وبسط النفوذ في المنطقة، وما كان من المملكة العربية السعودية إلا أن تصدت لها، وخلال الحرب بين العراق وإيران، 1980 إلى 1988، ساندت السعودية ودول الخليج العربي العراق بينما ساعدت إسرائيل إيران من خلال مدها بالأسلحة، وفي موسم الحج عام 1987 مارس مجموعة من الحجاج الإيرانيين مراسم وطقوسا خارجة عن مناسك الحج، ما أدى إلى حدوث اشتباكات عنيفة بينهم وبين قوات الأمن السعودية، تلاه قطع ثلاث سنوات للعلاقات الدبلوماسية.
ومن أجل فهم أكثر عمقا للعداء الذي يكنه النظام الإيراني للسعودية فضلت أخذ كل فترة حاكم أو رئيس إيراني على حده:
عهد الخميني (1989-1979):
علق الخميني مؤسس النظام، على أحداث مكة 1987 قائلا: «أن نتنازل عن القدس ونصالح صدام أهون علينا من أن نسامح السعودية»، وبعدها تم الكشف عن فضيحة (إيران جيت) أو (إيران كونترا) ضمن صفقة سلاح أبرمتها أمريكا مع طهران بمشاركة إسرائيلية في عام 1986، وقد أثارت هذه الصفقة ضجة في إسرائيل ودافع حينها وزير الدفاع الإسرائيلي (شيمون بيريز) عن مساهمة إسرائيل في هذه الصفقة، في حين اعترف وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق (آبا إيبان) ورئيس لجنة التحقيق في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية بمساهمتهم في الصفقة، وأكد حق إسرائيل في بيع أسلحة إلى إيران).
كذلك قال الخميني عن مبدأ الإمامة الذي يعتقد به: «للإمام مقام محمود ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون! وإن من ضروريات مذهبنا أن لأمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل»!
عهد رفسنجاني (1997-1989):
مارس النظام الإيراني التُقية على نطاق واسع في عهد هاشمي رفسنجاني من أجل إعادة البناء السياسي والاقتصادي وإزالة آثار الحرب مع العراق، وادعى رغبة طهران في طي سجل الماضي وتناسي الخصومات السابقة، وسعى بعد توليه الرئاسة إلى التقرب من الغرب، لفك العزلة الدولية عن بلاده، والاستفادة من الاستثمار الغربي، وسعى إلى جذب الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص بهدف إنعاش اقتصاد البلاد المتردي، وطبق مشروع التنظيم العائلي، خلافا للسياسات السابقة التي كانت تشجع على زيادة المواليد، ولكن محاولات الانفتاح على الغرب وتحرير الاقتصاد لم تمنع استمرار انتهاك حقوق الإنسان وقمع المعارضة في البلاد، وعمدت حكومة رفسنجاني في التسعينيات إلى قمع المسيرات والمظاهرات التي خرجت احتجاجا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. كما اتضح أنه كان في قلب الاتصالات المتعلقة بفضيحة (إيران جيت)، التي كادت أن تطيح بالرئيس رونالد ريجان.
أما فيما يخص سياسة التقارب مع دول الخليج العربي في عهد رفسنجاني فهي كانت عبارة عن خدعة أراد بها أخذ راحة من أجل التعافي بعد الحرب الطويلة، كذلك هو لم يزر السعودية خلال ولايته، لكنه فعل ذلك بعد خروجه من كرسي الرئاسة وقد جرت الزيارة سنة 1998، وكان رفسنجاني، يومها رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام.
عهد خاتمي 1997 -2005:
عندما تولى محمد خاتمي رئاسة إيران كانت الإستراتيجية الإيرانية آنذاك تقتضي التظاهر بالتودد إلى المملكة العربية السعودية، وإيهام العالم بأن زمن الإصلاح قد حان، وفعلاً انخدع العديد بهذه المسرحية ومرر خاتمي أجندته كرجل الإصلاح ولكنه سرعان ما انكشف من خلال سياسته الداخلية، فبعد سنة من انتخابه تم تصفية العشرات من الكتاب والسياسيين داخل وخارج إيران، وقد عرفت تلك العمليات آنذاك بـ(الاغتيالات المتسلسلة) وكانت تلك الاغتيالات تتم وفق فتاوى من رجال الدين المتشددين من أمثال مصباح يزدي وجنتي، حيث ُسربت قائمة تقضي بفتاوى لاغتيال 197 مثقفا وكاتبا، كان بينهم الكاتب والصحفي العربي الأحوازي يوسف عزيزي.
والمثير للسخرية، أن خاتمي أعد سيناريو للخروج من قضية الاغتيالات التي اعتبرت خطرا على النظام آنذاك، وكان السيناريو يقضي أن يكشف عن تورط الاستخبارات في قتل المثقفين، ثم يتعرض هو وأنصاره لحملات مستمرة من قبل المحافظين!
أحمدي نجاد 2005م-2013م:
تشابه عهد محمود أحمدي نجاد مع مرحلة الخميني، حيث باشر عملية تصدير الثورة بشكل معلن وأصبحت المواجهة مع السعودية في أوجها حيث تفجرت بعض الملفات الساخنة والمتمثلة في الشحن الطائفي الموجود في المنطقة، والبرنامج النووي الإيراني، وكذلك الدور الإقليمي الذي تلعبه إيران في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن.
وبالفعل قامت السعودية بالرد بالمثل لمواجهة الدور الإيراني في المنطقة وتخلت عن دبلوماسية الكواليس إلى التحرك العلني للعب دور مهم في إعادة تشكيل خريطة الصراعات في المنطقة.
ففي الملف العراقي وجهت السعودية تحذيرا غير مباشر إلى إيران للتخلي عن ما وصفته بجهود إيرانية لنشر المذهب الشيعي في العالم العربي الذي تسوده الغالبية السنية، أما بالنسبة إلى القضية الفلسطينية فقد وجهت السعودية رسالة تحذير قوية على لسان الملك عبدالله بأن (قضية فلسطين المفروض أن يحلها العرب وليس سواهم)، أما على صعيد الملف النووي فإن موقف السعودية واضح إزاءه، ويتمثل في رفضها مساعي إيران لامتلاك أسلحة نووية.
حسن روحاني 2013م :
عهد روحاني لم يكن أفضل ممن سبقه من الرؤساء، هذا إن لم يكن هو الأسوأ، فقد شهد عهده توترات كبيرة في العلاقات مع المملكة العربية السعودية وقطعا في العلاقات الدبلوماسية منذ مطلع عام 2016 عقب هجوم على سفارة السعودية وقنصليتها من جانب إيرانيين، كما اتهمت السعودية إيران بالوقوف وراء الهجمات التي استهدفت منشآت النفط السعودية في شهر سبتمبر 2019.
إبراهيم رئيسي 2021:
على غرار من سبقه من الرؤساء يمارس رئيسي بدوره الُتقية السياسية من أجل تمرير المشروع الإيراني في المنطقة، وقد أجرت السعودية وإيران، العام الماضي أربع جولات من المباحثات العقيمة استضافتها بغداد.
الأمر الغريب في هذه المحادثات هو أن شهر سبتمبر 2021، الذي شهد الجولة الرابعة من المباحثات، كان أكثر الشهور تصعيداً من قبل جماعة الحوثي الموالية لإيران!
ختاماً، علينا أن نعلم أن إيران تسعى إلى كسب مزيد من الوقت لذا نراها تبحث عن أسباب للتنصل من أي اتفاقيات مع بلاد الحرمين الشريفين، فهي باتت قريبة من التوصل إلى إتفاق نووي يسمح لها بالعودة إلى المنظومة الدولية من دون الحاجة إلى تقديم تنازلات على الصعيد الإقليمي، كذلك لا أحد يستطيع أن ينكر أنه لولا الغرب لما استطاع النظام الإيراني الصمود حتى الآن.
نقلا عن أخبار الخليج