بايدن وإيران.. إشكاليات حقيقية ومتطلبات ضرورية
د. طارق فهمي
رغم كل ما يتردد حول أن الإدارة الأمريكية القادمة ستفتح الباب أمام تعاملات سياسية واستراتيجية جديدة مع إيران بصورة شاملة.
وليس تعاملا يشمل فقط البرنامج النووي، وأن هناك رهانات مبكرة على التغيير الأمريكي المحتمل تجاه إيران، وأن الأمر سيتعلق بإيجاد آليات تعامل مباشر مع إيران عبر تفاوض ممتد حول البرنامج النووي، والمطلوب من إيران لكي تقبل كدولة في الإقليم وفقا للنهج الأمريكي النظري، والذي سيختلف بصورة كاملة حال بدء التفاوض الأمريكي الأوروبي مع إيران، فإن الأمر ليس بهذه الصورة المتوقعة في ظل وجود ضغوطات من مختلف الأطراف المعنية في المنطقة، ووجود ضوابط ومعايير حقيقية يجب أن تضعها الإدارة الأمريكية في التعامل، لأن إعادة الاتفاق القديم أمر مستبعد تماما، كما أن إسرائيل لا تزال تطالب بضوابط مختلفة ومعايير أخرى مع بدء التفاوض الإيراني الأمريكي، خاصة أن السلوك الإيراني يحتاج إلى تقويم وتصويب على كافة المسارات المطروحة في المجال النووي، وفي غيره من المسارات، وينبغي أن يتضمنها أي اتفاق جديد مع إيران التي يجب أن تلتزم بما سوف تتقدم به الإدارة الأمريكية من أطروحات وتصورات تفاوضية مباشرة، مع إدراك الإدارة الأمريكية لحجم المراوغات الإيرانية المتوقعة في التعامل، ومحاولة إطالة التفاوض، وتحقيق مكاسب سياسية وتفاوضية متعددة في مواجهة الأطراف الأوروبية، وليس الولايات المتحدة فقط، وذلك على الرغم من أن إيران اليوم أضعف من أي وقت سابق بسبب العقوبات وتفشّي فيروس كورونا، وأن المحافظين أو الإصلاحيين لن يسعوا للقيام بنشاط جديد يحبط احتمالات فتح صفحة جديدة مع الرئيس جو بايدن، والذي لن يجد صعوبات حقيقية أو إشكاليات مستجدة في إقناع حلفائه الأوروبيين بفكرة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
لكن التحدي الأكبر أمام الإدارة الأمريكية الجديدة سيكون تحفظ الجانب الإسرائيلي على برنامج إيران النووي، حيث ترى إسرائيل أن حصول إيران على سلاح نووي تهديدا مباشرا لأمنها، وستبذل كل ما في وسعها لتظل القوة النووية الوحيدة في المنطقة؛ وهذا ما يفسر تخصيص إسرائيل نسبة كبيرة من تحركاتها السياسية والاستخباراتية لإبطاء التقدم في البرنامج النووي الإيراني، من عمليات اختراق واغتيال علماء داخل الأراضي الإيرانية على صلة بهذا البرنامج، حيث يرى الجانب الإسرائيلي أن التغييرات في نهج الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه إيران، وبرنامجها النووي لا تأخذ في الحسبان متطلبات الأمن القومي الإسرائيلي ولا ما جرى في الإقليم من تطورات حقيقية ترتبط بتوقيع اتفاقيات السلام الجديدة، والتغيير المحتمل في بنية التصدير للنشاط الإيراني غير المشروع.
ولعل الإدارة الأمريكية الجديدة تعلم أن إيران قد زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى 12 ضعفا عن المستوى الذي يسمح به الاتفاق، فضلا عن استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في عملية التخصيب المحظورة، وأن إيران نجحت، منذ خروج إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، بشكل كبير في تقصير الفترة الزمنية التي تستطيع فيها الاندفاع إلى سلاح نووي، بسبب تطويرها لأجهزة طرد مركزي حديثة لتخصيب اليورانيوم. وهذه الأجهزة تخصّب اليورانيوم بسرعة تصل إلى 6 أو 8 أضعاف الأجهزة القديمة، التي شغلتها إيران عند توقيع الاتفاق السابق قبل 5 أعوام.
ومن ثم فإن على الإدارة الأمريكية الجديدة وضع خطوط حمراء في التعامل اللاحق، مع التخوف من نجاح إيران في الاستفادة من التفاوض، وتسليط الأضواء على الجدل الدائر حول دور المراقبين الدوليين، وحول درجة ونسبة التخصيب، واستثمار ذلك في التمويه وتطوير برنامج مواز يصبح التصدي له صعبا على المديين المتوسط وطويل الأجل، إضافة لضرورة فرض شروط تعطل من سرعة إنتاج سلاح نووي إيراني، إضافة لوضع قيود على مراحل العمل في المنشآت النووية، وكذلك التركيز على البرنامج الصاروخي، ومن الضروري أن تشكل جبهة مشتركة تشمل الولايات المتحدة، والدول العربية المركزية لتكون بمثابة رادع حقيقي وحاسم أمام مواصلة إيران تطوير برنامجها النووي بدلا من الصيغة القديمة للاتفاق النووي، على أن يسعي هذا التحالف إلى وضع “خطوط حمراء” لا يجب أن تتخطاها بنود الاتفاق الجديد. وسيساهم هذا التحالف – إن تم تشكيله فعليا – بالحصول على دعم المجتمع الدولي، خاصة مع التيقن من أن هدف إيران إنما هو إنتاج السلاح النووي في المقام الأول، وهو ما يشكل قلقًا حقيقيا من البرنامج النووي الإيراني، لأن مجرد امتلاك إيران للتقنية النووية يعني استخدامها في المجال العسكري، مما يؤدي إلى اختلال التوازن في المنطقة.
إذن لا بد من تسجيل موقف دولي شامل بشأن التعامل مع التطورات الإيرانية والإعلان عنها بصورة رسمية، خطاب واضح يركز على الخطر الإيراني على دول الإقليم مما يتطلب العمل معا في مواجهة إيران، ومن المبكر التأكيد على أن الإدارة الأمريكية الجديدة قد تتفهم كل المتطلبات الإقليمية والدولية بصورة كاملة، خاصة وأن الإدارة الأمريكية – من المفترض – أن تصيغ مقاربة مختلفة عن ما تم في عهد الرئيس ترامب من خلال سلسلة من التدابير والإجراءات المرحلية، وصولا للهدف الاستراتيجي وفقا لرؤيتها التي ستحددها، وهي ما تزال في مرحلة الاستكشاف والمتابعة، ومن ثم فإن هناك فرصة مناسبة لكل الأطراف الإقليمية لطرح الرؤى والمتطلبات التي تلبي احتياجات كل طرف، وليس إيران أو الولايات المتحدة فقط، خاصة وأن الجميع يتذكر جيدا أنه – وعلى الرغم من الضغوط الدولية الكبيرة وعدد الهجمات السيبرانية على منشآت التخصيب- واصلت إيران تطوير البنية التحتية لأجهزة الطرد، فهل تدرك الإدارة الأمريكية كل هذه التطورات المفصلية مع الحركة الإيرانية الحالية والمتوقعة؟.
عن “العين”