اليوم السعودية وغدا مصر
حسن فحص
في الجردة السنوية التي قدمها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن أعمال وأنشطة الوزارة التي يقودها خلال السنة الإيرانية الماضية، لم يكن باستطاعته إخفاء أو تعمية مقدار الارتياح والسعادة لديه عما تحقق خلال الأسابيع الأخيرة، والتي يمكن تخليصها بحدث واحد وفريد وهو إعلان توقيع الاتفاق السياسي – الأمني – الاقتصادي بين إيران والسعودية برعاية صينية، وهو ارتياح وترحيب لا يقف عند حدود شارع “الكشك المصري” نسبة إلى الشيخ المصري المعارض عبدالحميد كشك، وسط العاصمة طهران والموصل إلى مبنى وزارة الخارجية، بل يتعداه إلى جميع مقار السلطة ومراكز القرار في النظام، بخاصة وأن الثمار التي ستجنيها هذه الوزارة حملتها سلة التفاهمات التي جاء بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني الذي يمر نزولاً من شارع “خالد الإسلامبولي” حيث “حسينية الأهوازيين” ومكان نشاطاته الاجتماعية، ليصل إلى مقر الأمن القومي في شارع باستور قرب مقر إقامة المرشد الأعلى وعلى مرمى همسة منه.
الوزير عبداللهيان حدد في هذه الجردة السياسية والدبلوماسية أهدافاً جديدة تشكل جدول أعمال الدبلوماسية الأمنية – السياسية للنظام خلال المرحلة أو الأسابيع أو الأيام المقبلة، وفي مقدمها وقبل الحديث عن أي إنجاز محتمل وقريب على خط المفاوضات النووية، إعادة ترميم العلاقة بين بلاده ومملكتي البحرين والأردن من جهة، ومصر من جهة أخرى.
وقد حاول في هذه المطالعة أن يوحي بأن الجهود الدبلوماسية على هذه المسارات بدأت خلال الأشهر الماضية، ومن المفترض أن تصل إلى نتائجها النهائية قربياً، بخاصة وأن باب الحوار مع البحرين قد فتح من خلال وساطة عُمانية وشخص السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، وزيارات برلمانية إيرانية إلى المنامة بعنوانين مختلفة “اتحاد البرلمانات العالمية”، ووفود فنية وتقنية انتهت إلى توقيع مذكرة تفاهم ثنائية بينهما.
أما في ما يخص العلاقة مع المملكة الأردنية فإنها وعلى رغم التوترات التي حصلت وسيطرت على أجوائها خلال السنوات الأخيرة، وما أدت إليه من قطيعة بعد الاعتداء على الممثليات الدبلوماسية للسعودية، إلا أن التواصل بينهما حافظ على استمراريته في الحدود التي تسمح بها الضرورة التي تفرضها التطورات الإقليمية، ولعل المحطة الأبرز والأكثر جدية على هذا المسار كانت على هامش قمة “بغداد-2” التي استضافتها العاصمة الأردنية في الـ 20 من ديسمبر (كانون الأول) 2022، واللقاء الثنائي الذي جمع الملك عبدالله الثاني مع الوزير الإيراني عبداللهيان، والذي لم يكن ليحصل لولا التطور الحاصل على خط الحوار السعودي – الإيراني.
لا شك في أن القيادة الإيرانية، وتحديداً المرشد الأعلى الذي يعتبر الراعي الأساس للتوجه الانفتاحي لحكومة إبراهيم رئيسي على الدول العربية عامة والخليجية بخاصة، تدرك بشكل لا خلل فيه أن الخطوات الحاصلة على صعيد العلاقة مع الإمارات والكويت والبحرين والأردن وما يمكن أن تشهده من إعادة إنتاج للعلاقة مع العراق وسوريا ولبنان واليمن، لم تكن لتحصل وتنفتح على هذا الحجم من الإيجابية لو لم تمر من بوابة التفاهم مع السعودية، كونها المعبر الرئيس لكل أو أية تسوية محتملة في الشرق الأوسط، وحتى في منطقة غرب آسيا التي تشكل ساحة الهواجس والاهتمام الإستراتيجي الإيراني، مما يعني أن هذه القيادة بجميع مستوياتها الأمنية والعسكرية والسياسية أدركت ولمست بشكل قاطع صعوبة تحقيق أي من أهدافها في منطقة غرب آسيا من دون التفاهم والتعاون مع الرياض، وأن السعودية تعتبر شرط وبوابة العبور إلى أي مستوى من التعاون الإقليمي وحتى الدولي، وأن الجهود والمساعي التي بذلتها لتحييد أو تقييد أو إقصاء هذا الدور لم ولن تصل إلى نتيجة، وعليها الاعتراف بحجم ودور وموقع الرياض المتقدم والأساس في قيادة القرار العربي وفي إطار تكريس وترسيخ وبلورة رؤية جامعة لمشروع المصلحة العربية المشتركة، مما يفرضها بالتالي شريكاً لا يمكن تجاوزه أو العبور عنه في أي معادلة إقليمية.
الاستفاقة التي يمارسها النظام الإيراني باتجاه محيطه العربي والشرق الأوسطي والتي تقارب في آلياتها استدارة كاملة، ترتكز على مبدأ الابتعاد من حال العداء والانتقال إلى بناء شراكات وصداقات بعيدة من التوتر، يدرك أنها يجب أن تمر في مسار طويل ومعقد من اختبار حسن النيات والجدية في تقديم سلوكيات جديدة ومختلفة تعزز الثقة بمستقبل هذا الانفتاح وتعمّقها، وأن استكمال هذا المسار لا بد من أن يتوج بتطبيع العلاقة مع مصر وإنهاء حال العداء والخصومة التي سيطرت منذ عام 1979.
وإذا ما كانت عملية وآليات إعادة تطوير العلاقة مع السعودية والدول الخليجية لا تحتاج إلى كثير من الوقت على الصعيد الدبلوماسي، لجهة أن القطيعة الدبلوماسية لم تكن هي الأساس في هذه العلاقات وأن كلا الطرفين، الخليجي والإيراني، كانا يمتلكان تمثيلاً دبلوماسياً متبادلاً على مدى العقود الماضية باستثناء بعض المقاطع الزمنية،
وأطولها كانت الأخيرة واستمرت لسبع سنوات بعد الاعتداء على الممثليات السعودية في طهران ومشهد، إلا أن الأمر يختلف في العلاقة مع مصر لأن القطيعة بينهما هي من عمر النظام الإيراني الجديد على رغم وجود مكاتب رعاية مصالح في العاصمتين، وسبق أن مرت بحالات من التوتر التاريخي الموروث بين النظام الملكي الشاهنشاهي وسلطة الرئيس عبدالناصر.
ومن هنا فإن مسار إعادة العلاقات بينهما يمر بمستويين، الأول يتأثر بالخطوة السعودية وينسجم مع موقع الرياض في المعادلات الإقليمية والثقل العربي، أما الثاني فيرتبط بالخصوصية المصرية والتراكم التاريخي السلبي بين الطرفين، وعلى رغم المبادرة الإيرانية على لسان وزير الخارجية عبداللهيان وإعلانه استعداد بلاده لاستئناف علاقتها مع مصر بأسرع وقت ممكن، إضافة إلى ما كشفه عن لقاء مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على هامش قمة “بغداد-2” في الأردن، إلا أن المطلوب من طهران أكثر من هذا، ويبدأ من اتخاذ خطوة وقرار حاسم في تغيير أسماء بعض شوارع العاصمة التي تشكل استفزازاً للقاهرة والقيادة المصرية، مثل شارع “خالد الإسلامبولي” وشارع “الشيخ كشك”، والتي سبق للحكومة والدبلوماسية المصرية أن وضعتها على جدول كل الحوارات التي أجرتها مع طهران في السابق.
ولعل النقطة الأساس في مسار التطبيع مع مصر تمر من خلال نيات طهران وآليات تعاملها مع الأمن الإستراتيجي للقاهرة من بوابة الوضع في قطاع غزة والقوى الفلسطينية الفاعلة على هذه الساحة وانعكاسه على الموقف المصري، فهل ستكون طهران على استعداد لاتخاذ مثل هذه الخطوات على طريق بناء الثقة مع مصر لتؤسس وتساعد في إعادة العلاقات بينهما؟
سؤال لا بد للقيادة الإيرانية من الإجابة عنه خلال المرحلة المقبلة، والذي يؤشر إلى قدرتها على كبح جماح القوى والتيارات المتشددة الداخلية التي لعبت دوراً سلبياً في إعادة العلاقات.