غير مصنف

النظام الإيراني و”وكلاؤه” في المغرب

تغلغل النظام الإيراني عبر وكلائه في الدول العربية لبث الاضطراب وعدم الاستقرار، لم يقتصر فقط على المشرق العربي، بل أيضا على المغرب العربي، مما يؤكد لنا أن التوافق أو حتى التسوية مع نظام مؤدلج أشبه بأمر صعب المنال وحتى لو صار لن يؤتى ثماره.

فقد اعتقلت المخابرات المغربية مواطناً لبنانياً، يبلغ من العمر 57 عاماً، عند دخوله البلاد في 6 يناير، عضو في حزب الله تم القبض عليه وهو يحمل عدة جوازات سفر وبطاقات هوية أوروبية، وقد دخل المغرب باسم إبراهيم يوسف، ومع ذلك لم يظهر مثل هذا الشخص في سجل السكان اللبنانيين بنفس تاريخ الميلاد، وهذه ليست المرة الأولى التي يسافر بها بأسماء مستعارة متعددة.

فما الذي كان يفعله عنصر في حزب الله بوثائق مزورة في المغرب؟ هل كان مرتبطاً بشبكة تزوير ليدخل المغرب للتخطيط لشن هجوم؟ أم كان مرتبطاً بشبكة التزوير التي تساعد إيران وحزب الله بالانتقال من الشرق الأوسط وصولاً إلى أميركا اللاتينية والعودة؟  للإجابة على هذه الأسئلة، لابد للنظر إلى تاريخ العلاقة بين المغرب والنظام الإيراني.

فالمغرب قطع العلاقات مع النظام الإيراني مرتين، المرة الأولى: في عام 2009، بسبب تصريح مسؤول ديني إيراني بأن البحرين تنتمي حقاً إلى إيران. أما المرة الثانية: في عام 2018، اتهم وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إيران بإرسال عناصر بارزة من حزب الله وتزويد جبهة البوليساريو بالسلاح والتدريب.

إضافة إلى ذلك، اتهم المغرب إيران بالجهود المبذولة لنشر نسختها الثورية من المذهب الشيعي بين سكان المغرب، بالرغم أن غالبيتهم من السنّة وهو أمر فعلته إيران بحماسة عبر غرب أفريقيا وبين المهاجرين المغاربة في شمال أوروبا.

يتمتع حزب الله وإيران بسجل حافل من تزوير الوثائق على مدى السنوات الماضية. في عام 2014، تم القبض على عميل منظمة الأمن الخارجي لحزب الله، محمد أمادار، في بيرو للاشتباه في أنه كان يخطط لهجوم إرهابي في ليما. وكان قد دخل البلاد بجواز سفر مزور من دولة سيراليون الواقعة في غرب أفريقيا.

وفي عام 2019، اعتقلت السلطات الأرجنتينية إيرانيين اثنين دخلا البلاد بجوازي سفر إسرائيلي مزور. زعم الإيرانيون أنهم معارضون للنظام، لكن الأرجنتينيين يعتقدون أنهم من النظام، لأن موردي جوازات السفر المزورة والمسروقة، الذين أشارت مصادر استخبارات أرجنتينية إلى وجودهم في إسبانيا، كانوا مرتبطين بالنظام الإيراني. بعد بضعة أشهر، قُبض على إيرانيين اثنين آخرين بجوازي سفر مزيفين في الإكوادور.

امتثل المغرب أيضاً لطلب الولايات المتحدة بالقبض على ممول حزب الله والمواطن اللبناني، قاسم تاج الدين، أثناء عبوره من المغرب في عام 2017، مما أغضب السلطات الإيرانية. ويُزعم أن إيران سعت إلى رشوة المسؤولين في المغرب للسماح له بالرحيل، لكن في نهاية المطاف المغرب سلمه إلى الولايات المتحدة. وأطلقت إدارة ترامب سراحه في يوليو 2020، ربما كجزء من تبادل الأسرى أو لأنها لا تريد ما يعرقل الاتفاقية الإبراهيمية التي توسطت فيها إدارة ترامب بين الدول العربية بما في ذلك المغرب وإسرائيل، مما أثار استياء طهران الشديد.

قد لا يكون وصول أحد عناصر حزب الله في يناير، بعد أقل من شهر من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب مصادفة، لا سيما بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لإعادة إشعال الصراع في هذه المنطقة. صراع لم يعرف فترة راحة قصيرة منذ عام 1975 ويمكن أن يشعل منطقة غير مستقرة بالفعل.

وبالتالي لا توجد أفضل طريقة لقلب الأوضاع ضد خصم أقوى من الاعتماد على حرب العصابات مثل الهجمات الإرهابية من خلال وكيل. فهذا هو النظام الإيراني كما تعودنا عليه منذ 1979، لا يرى الاستقرار يعم في جزء من المنطقة العربية إلا وقام بنشر الفتن والاضطراب من خلال وكلائه في المنطقة.

بالنسبة للمغرب، هو رمز تاريخي للاعتدال السياسي والديني في منطقة مضطربة مكتظة بالجماعات المتطرفة، وعمليات اختراق وتزوير كهذه لا تبشر بالخير، لا سيما أن حزب الله متهم بأن له ضلوع بدعم جبهة البوليساريو بتوجيه من إيران بالرغم من إنكارها وتصفها بمزاعم لا أساس لها. لكن الواقع يؤكد دعم إيران لجبهة البوليساريو، فنجد الموقف الإيراني الرسمي من الخلاف الإقليمي للصحراء الغربية متوافق مع موقف الجزائر وردت الجزائر على هذا الدعم عدة مرات كان آخرها في مايو 2020، عندما سمحت للطائرات الإيرانية بالتزود بالوقود في الجزائر العاصمة في طريقها إلى فنزويلا. كما أن اتصالات حزب الله والبوليساريو معروفة للجميع، حيث التقت نانا الرشيد، إحدى قيادات البوليساريو الرئيسية، بالنائب عن حزب الله، علي فياض، في بيروت، عام 2017، ونشرت تعليقاً حماسياً على صفحة الفيسبوك: “تحيا المقاومة!”.

إضافة إلى ذلك، هناك خطر آخر يدعو إلى القلق، حيث أصبحت الصحراء الغربية وكذلك سواحل المغرب، على نحو متزايد، نقطة عبور لشحنات الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى أوروبا، وهو عمل ييسره بجدية ممولو وميسرو حزب الله. الصلة المحتملة بين حزب الله والبوليساريو مثيرة للقلق، ليس فقط لأنها تعكس استراتيجية إيرانية مشتركة لكسب النفوذ من خلال تعزيز الوكلاء ضد خصومها، ولكن لأنها يمكن أن تكون حاضنة للأنشطة غير المشروعة ذات المنفعة المادية المتبادلة التي من شأنها أن تضيف إلى عدم الاستقرار الإقليمي.

لكن للأسف، بعد كل هذه التدخلات الخطيرة للنظام الإيراني عبر وكلائه والتي تذكرنا بنظام المافيات، نجد الأوربيين والحزب الديمقراطي في أميركا يحصرون خطر هذا النظام فقط بالتسلح النووي، مع أن الميليشيات التابعة للنظام وحروبه بالوكالة نفس الخطورة إن لم تكن أخطر.

لدى الإدارة الأميركية الكثير لتستثمره في حلفائها كالمغرب بدعمهم ضد التوتر وحروب الوكالة، لكنها بدلا من ذلك نجدها تسترضي نظاما مهما فعلت معه فهو كاره لها. فهل هذه الإدارة ستسكت على إرسال إيران لوكلائها في الصحراء المغربية مثلما فعلت في سوريا قبل عقد من الزمان مما جعل الأمور في غاية السوء؟ هذا ما سنراه في الأيام المقبلة

الدكتورة نجاة السعيد

اكاديمية سعودية

المصدر: موقع قناة الحرة

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى