مقالات

الناطق باسم «حزب الله»: «نحن إيران في لبنان!» (1-2)

خليل علي حيدر

لمَ اختار “حزب الله” في لبنان أو اختير له هذا الاسم؟

يفتتح د.رفعت سيد أحمد كتابه “ثائر من الجنوب” عن مسيرة الحزب وقائده بالآية (56) من سورة المائدة: “وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”، هل يعقل أن تبدأ دراسة متوازنة محايدة لأي شخصية سياسية أو حزب بمثل هذا التكريس والتقديس، فكما يعلم د.رفعت ما أكثر الأحزاب والجماعات الإسلامية التي تتسمى بالرموز الدينية، وتكرر الشعارات والآيات في بياناتها، وتقول إنها تتولى الله ورسوله، والذين آمنوا في حين تتمسك في الواقع بأهداف وتفسيرات غامضة أو متشددة، وفي هذه الجماعات كما نرى دائما المعتدل والمتطرف، وقد يكفر بعضها بعضا، وتتحارب بالسلاح الأبيض والأحمر، بل هناك التحذير الديني المعروف عن انقسام الأمة الإسلامية في مجموعها إلى أكثر من سبعين فرقة أو جماعة “كلها في النار إلا واحدة”، فمن من هذه الجماعات “حزب الله”؟

ثم كيف يجزم د.رفعت بوضع الآية في مقدمة الكتاب بأن هذا الحزب اللبناني هو حزب الله المذكور في الآية، رغم الاختلافات المذهبية وارتباط الحزب فوق ذلك بالسياسة الإيرانية، وتفسيرات واجتهادات “الولي الفقيه” في إيران؟ وكان “الولي” في البداية السيد الخميني ثم السيد علي الخامنائي، وقد يأتي ولي ثالث ولا يتفق حتى أتباع المذهب الشيعي على بعض اجتهادات الاثنين رغم إعلان حزب الله الالتزام بها؟

يضيف د.رفعت المزيد من التبجيل على الحزب، ففي مربع بارز (ص4) من الكتاب يصف الأمين العام السيد حسن نصرالله أنه “ثائر معمم تحمل ثورته عبق التاريخ، وروح الحسين مخضباً في دمه في كربلاء، ولأن كربلاء لا تزال حاضرة فينا وفي عالمنا المعاصر كان لابد وأن يأتي حسن نصرالله الثائر المعمم لتلتقي الثورة بالعمامة مجدداً”، ويكمل أن هذا القائد آت من الجنوب، كما أن كربلاء واقعة في الجنوب، رغم اختلاف البلاد، وهذه، مرة أخرى، لغة عاطفية آسرة، ولكنها ليست لغة باحث في العلوم السياسية أو محلل لسيرة شخصية دينية أو سياسية حول أفكاره وسياساته جدل واسع.

بل تأخذ د.رفعت العاطفة السياسية والحماس فيقول: “إننا في هذا الكتاب الذي نعقده للسيد حسن نصرالله وحزبه (حزب الله) نحاول أن نؤكد مجدداً أن أمة تمتلك مثل هذا السيد لا تنهزم، أمة لديها مثل هذا الحزب وتلك النوعية من المجاهدين الذين يضعون أرواحهم على أكفهم لا تنهزم، مهما نعق الناعقون من دعاة الهزيمة وفلاسفتها في بلادنا المبتلاة بهم”. ويضيف د.رفعت “إنه كتاب ليس فحسب عن السيد، وحزبه، ولكنه وبالأساس كتاب لنا، لكل عربي ومسلم حر يبحث عن الأمل في هذا الليل الأميركي البهيم هذا هو الأمر والنموذج لمن يريد الاقتداء والله أعلم”.

(ثائر من الجنوب ص12).

ونعود فنذكر د.رفعت بمخاطر هذه العاطفية في التحليل السياسي، وأن حزب الله كما هو معروف تحت النفوذ الإيراني والحرس الثوري وأن قراراته ليست كلها ملكه!

يحاول د.رفعت عبر صفحات الكتاب إقناع القارئ بصواب قرارات وتوجهات حزب الله، وبأنها تنطلق من ثوابت دينية ورؤى حضارية وحتميات تاريخية، ويقول مشيداً بخطب السيد نصرالله: “وفي كل خطاب يلقيه السيد حسن نصرالله نزداد يقينا بأن الزعامات لا تصنع من خلال الدراسات الأكاديمية، بل هي بتعبير هيغل عن القيادات بأنهم (الضرورة التاريخية) وبتعبيرنا نحن الاصطفاء أو صناعة السماء في الأرض”.

وبخصوص توظيف البعد الديني يقول: “بعد الاستدعاء الديني المقدس يقوم حسن نصرالله بإنعاش الذاكرة الإيمانية باعتبارها وقود المقاومة ومحركها الأول، وهو بهذا الاستدعاء يتناص مع ما نادى به مالك بن نبي في حديثه عن الفكرة الدينية في معادلة قيام الحضارات ونشأتها”.

هل من الحكمة حشر الإسلام والتشيع في سياسات ومغامرات إيران وحزب الله في لبنان؟ يقول د.رفعت إنها عين الحكمة.

وينتقد د.رفعت كل الأصوات والأقلام التي تحاول إبعاد الدين عن بؤر الصراع والتحدي، ويرى أن ما يقوم به حزب الله يخدم في النهاية ويتجاوب مع ما تنبأ به المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي بخصوص الصراعات الحضارية. يقول د.رفعت: “هل تعلم هؤلاء أن استبعاد الدين من الصراع يعني الهزيمة الساحقة؟ وهل فات هؤلاء أن استجابة الشعوب للتفاعل تتوقف على خطورة التحدي، وكما قال جمال الدين الأفغاني (الأزمة تصنع الهمة)، وربما قادنا ذلك أيضا إلى ما قاله أرنولد توينبي في نظريته الشهيرة (التحدي والاستجابة) إذ يعتبر توينبي أن نشوء أي حضارة أو استمرارها يتوقف على رد معين يقوم به الشعب لمواجهة تحد ما، وتكون هناك ثلاثة احتمالات في مواجهة هذا التحدي حسب مستوى التحدي وفعالية الرد:

1 – أما أن تقوم الشعوب بوثبة للأمام.

2 – أو تصاب بالتوقف والجمود.

3 – أو تذهب أدراج الرياح”.

(ثائر من الجنوب ص287).

ويردد د.رفعت في تعليقه هنا المخاوف المعهودة في الكتابات الإعلامية عن “مؤامرات الغرب” على العرب والمسلمين، فيطالبنا بأن نكون على مستوى التحدي الغربي الذي يريد أن يبتلع هذه الأمة العربية والإسلامية بملايينها دون تحديد.

ويحذر أن هجوم الغرب الذي يراه الكل فاغرا فاه سيكون على ثلاث جبهات: “ثفافيا من خلال مشروعه الحداثي، واقتصاديا من خلال الشرق الأوسط الكبير والاتفاقات الدولية الموجهة، وسياسياً من خلال تفكيك الخريطة العربية والإسلامية وإعادة ترتبيها وفق المنظور الإمبراطوري البراغماتي”. (ص287).

وربما كان هجوم الغرب علينا وشيكا والخطر القادم ساحقا ماحقا، ولكن لم لا يرى د.رفعت بأسا في اختيار لبنان ميدانيا لهذا النزال الذي تكاد مشاهده تذكرنا بقيام الساعة؟ ونهمس في أذن هذا التيار أن الشعب الإيراني في شكوى مريرة منذ قرابة نصف قرن من إهدار أمواله وضياع فرص تمتعه بثروته البترولية، ومن تدهور مستواه المعيشي، ومن بؤس قراه وأريافه، وتلوث جو مدنه وانحدار قيمة عملته، ومن سوء سمعته السياسية في كل البلدان، وعذابه الدائم في الجمارك والمطارات، فيما يواصل الولي الفقيه وحزب الله توسيع نطاق المعركة ضد الغرب وأميركا وإسرائيل ومظاهر الحداثة وصرف مليارات الدولارات على الأسلحة الصاروخية وتطوير القنبلة النووية والتدخل المسلح وغير المسلح هنا وهناك في لبنان والعراق وسورية واليمن وفنزويلا وربما اتفاقات سرية أخرى فمتى ينتهي كل هذا؟

ويتساءل كل مشفق على لبنان وشعبه وسط هذا العذاب: هل باستطاعة حزب الله أن يكون رأس حربة في صراع دام متواصل ممتد بهذا الحجم مع إسرائيل، ومن هم وراء إسرائيل؟ أما لهذا القتال والتعبئة من ثمن عسكري واقتصادي وسياسي؟ وهل د.رفعت أخذ في الحسبان حجم لبنان وديونه وبؤس شعبه وخراب دياره ويأس المواطن وتفكك الكيان؟ لماذا التضحية بالشعب اللبناني ونحر وطنه؟

ثم انظر إلى أهداف أخرى لحزب الله إلى جانب كل هذا الدمار، فهو لا يعتبر لبنانيا كالأحزاب الأخرى، ولا يعنيه في قليل أو كثير الاعتزاز بوطنه إلا كبقعة توالي الولي الفقيه!

نقلا عن “الجريدة”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى