أهم الأخبارمقالات

باكستان بين الشرق والغرب.. والخليج بينها وبين الهند وإيران

 

ليال الإختيار

منذ تأسيس الدولة ال#باكستانية عام ١٩٤٧ ومكانة باكستان – الدولة التي تصنف في مصاف الدول الاسلامية الكبرى ديمغرافيا وعسكريا ونوويا – تتكرس يوما بعد يوم، رقما صعبا في صراعات القوى الكبرى على النفوذ في وسط وغرب اسيا .

الدخول الى باكستان والى الملعب السياسي يمر حكما بالمؤسسة العسكرية الباكستانية، التي تحظى بأهمية خاصة في البلاد، منذ نشأتها كمؤسسة عابرة للاثنيات، في بلد متعدد الهويات واللغات ، وبصفتها حامية للامن القومي في مواجهة الجارة #الهندية التي تتفوق على باكستان نحو خمس مرات سكانا واقتصادا. وهو ما يمثل امتدادا لصراع تاريخي بين جارتين نوويتين يمتد لاكثر من ٧٠ عاما، منذ حصولهما على الاستقلال عن الحكم البريطاني عام ١٩٤٧. وهو الصراع الذي قسمت بنتيجته هذه الامبراطورية الى: باكستان ذات الاغلبية المسلمة، وبجناحيها الغربي والشرقي، حتى انفصال الأخير عنها سنة 1972 وإعلانه بنغلادش المستقلة ذات الأكثرية المسلمة البنغالية. والهند ذات الاغلبية الهندوسية. وهو التقسيم الذي جعل من الصراع صراعا دائما حتى اليوم .

طبعا يحكى الكثير في باكستان تاريخياً عن التدخلات السياسية للمؤسسة العسكرية. ويكتب الكثير عن الانقلابات التي قادتها المؤسسة منذ العام ١٩٥٨ وحتى سقوط حكومة عمران خان الأخيرة. لكن الاختصار لكل هذا هو ان المؤسسة العسكرية، بعرف السياسة الباكستانية عبر الزمن وليس بعرف الدستور، هي الضابط لايقاع الاستقرار الداخلي والتوازن الخارجي. ومن هنا اهمية هذه المؤسسة بالنسبة لدول منطقة الشرق الاوسط والخليج تحديدا .

منذ استقلالها كانت باكستان اقرب الى المعسكر الغربي منها إلى المعسكر الشرقي السوفياتي يومها. الا انها استطاعت ابان الحرب الباردة ان توازن بين الشرق والغرب، في لحظة مفصلية في تاريخ الكون. وهو ما تسعى لان تقوم به اليوم، لاسباب سياسية واقتصادية الى حد كبير. خصوصا ان واشنطن اصبحت تنظر لعلاقاتها مع باكستان ضمن اطار اوسع يأخذ في الاعتبار المصالح المتنامية للولايات المتحدة مع الهند .

اعادة تعريف العلاقات الباكستانية الاميركية قابلها تقدم كبير في العلاقات إسلام أباد مع الصين، التي مدت باكستان بالسنوات الاخيرة بأكثر من ١١ مليار دولار وبالعديد من الامدادات العسكرية، واصبحت ممراً اساسياً او “كوريدور” استراتيجياً في رؤية الحزام والطريق. وهو ما يعطي باكستان اهمية جيوسياسية كبرى في المواجهة الاقتصادية الدائرة بين الصين والولايات المتحدة وفي حرب الممرات العالمية.

هو خليط من العوامل الداخلية والخارجية، يضاف اليه التنافس والانقسام السياسي الحاد بين الاحزاب الرئيسية الباكستانية. ما يجعل العلاقة مع باكستان بالنسبة لدول المنطقة وخصوصا بلدان الخليج، علاقة عميقة واساسية. تمزج بين الاهمية الجيوسياسية لباكستان في دول المنطقة واهمية المنطقة سياسيا واقتصاديا، من دون إغفال الروابط الدينية بين هذه البلدان .

من هذا المنطلق وانطلاقا من اهمية اسلام اباد في البنيتين الامنية والتجارية للمنطقة، فأن العلاقات بين الطرفين يمكن اختصارها بما قاله الامير تركي الفيصل يوما عن العلاقات الباكستانية – السعودية، بأنها : ربما تكون من اوثق العلاقات بين البلدين من دون اي معاهدة” وهو الامر الذي ينسحب طبعا على العلاقة مع دول مجلس التعاون ” .

دول المنطقة تقف اليوم الى جانب اسلام اباد في محنتها المالية بعد الانهيار المالي الذي تعانيه البلاد، مع زيادة عجز الحساب الجاري والعجز التجاري، وارتفاع مدفوعات الديون الخارجية. كما النقص الحاد الذي تعانيه في احتياطيات النقد الاجنبي الذي وصل الى أدنى مستوى منذ تسع سنوات، ليبلغ ٥،٦ مليار دولار . يضاف اليها تدهور العملة امام الدولار. مع مستوى تضخم وصل الى ٢٤،٥ ٪. في ظل ارتفاع اسعار النفط والغذاء بعد الحرب الاوكرانية الروسية.

خصوصا ان باكستان مستورد اساسي للنفط، مما ضاعف الفجوة المالية في الداخل الباكستاني .

ما قدمته السعودية من مساعدات اجتماعية ومن امداد نفطي اضافة للدعم المالي للصرف المركزي الباكستاني وغيره، قدر بأكثر ر من ٢١ مليار دولار في السنوات الاربع الماضية . اضافة الى ما تقدمه الامارات من استثمارات تجارية واقتصادية تصل الى مليارات الدولارات. يضاف اليهما الدعم القطري عبر جهاز قطر للاستثمار “الصندوق السيادي القطري”. كلها تهدف الى منع اهتزاز الاقتصاد الباكستاني وتاليا الداخل الباكستاني .

وانطلاقا من العلاقات التاريخية الراسخة بين دول الخليج وباكستان، فإن هذه المساعدات هي في الواقع دعم استراتيجي واضح المعالم والمسار. يفترض بالحكومة الباكستانية ان تلاقيه بإجراءات تصحيحية داخلية، تحد من مسارات الفساد المتجذر وتطلق العنان لمسيرة اصلاحية قوية. كي تبقى باكستان القوة الاسيوية التي تربط الشرق والغرب وتمثل دعامة للامن القومي الخليجي مع كل التحديات التي تحيط بالمنطقة والعالم .

هذه العلاقة الراسخة تعرف اليوم تشويشاً يمثله ملفان شائكان في العلاقات الباكستانية الخليجية. وهما ملف العلاقات مع ايران ومع الهند.

ففي ملف العلاقات الباكستانية الايرانية ادارت اسلام اباد الملف من مبدأ الموازنة بين علاقتها الاقتصادية والدفاعية والسياسية القوية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبين قلقها الجيوستراتيجي من مشاركتها مع ايران لحدود بطول 980 كيلومترا. كما وبين قلقها من الشراكة الهندية الايرانية. هذا المبدأ القائم على شيء من الحياد لا يمكن ان يكون ثابتا في السياسة الخارجية الباكستانية. مع ما اصبح يشكله النظام الايراني عبر تمدده في الشرق الاوسط، وتهديده دول الخليج. كما تغلغله في افغانستان وباكستان. ومن هنا لا بد من موقف باكستاني حازم ورادع قائم على مبدأ العلاقات مع دول المنطقة اولا .

وفي ملف العلاقات الهندية الخليجية، وعلى الرغم من الجدل حول القومية الهندوسية في ملف كشمير، والصراع التاريخي بين باكستان والهند هناك، الا ان الهند عملت على تطوير روابط استراتيجية مع شبه الجزيرة العربية. لاسيما مع السعودية والامارات. بهدف اعادة تعريف العلاقة بين شبه الجزيرة العربية وجنوب اسيا . اضافة طبعا إلى كون الهند شريكاً اقتصادياً حيوياً للمنطقة التي تصدر إلى نيودلهي ثلث احتياجاتها النفطية، وهي في صلب البرنامج الاستثماري السعودي الخارجي لرؤية ٢٠٣٠. كما هي في صلب الاستثمارات الاماراتية الخارجية . وبالتالي فان هذه العلاقة لا ترتب اي نتائج على الروابط الخليجية الاسيوية انطلاقا من باكستان، بل هي موازنة خارجية تدخل الصين في صلبها ايضا .

هكذا، وعلى قاعدة أن العلاقات بين الدول لا يمكن ان تكون بوجهة سير واحدة ولا من طرف واحد ، كانت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني الأخيرة إلى الخليج. وكانت خصوصاً دعوته البارزة لمحادثات مع الهند. فهل تسجل لدول الخليج إنجاز جديد في السياسة العالمية، هو انطلاق مسار التسوية لنزاع تاريخي عمره سبعون عاماً ونيف بين الهند وباكستان؟

*نقلاً عن صحيفة  النهار 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى