الحالة المربكة مع إيران
إيران جار بحري قوي ولنا صلات عدة معه، يتمنى البعض قطعها تماما، ويتمنى آخرون زيادتها وتمتينها، وكل يغني على ليلاه!
لم تكن العلاقات مع الجارة الكبيرة سهلة منذ أيام الشاه، وازدادت تعقيدا مع الثورة الإسلامية، ونداءات الملالي بتصدير الثورة، التي فقدت زخمها مع الوقت، لتعود في صورة مد النفوذ السياسي شملت أربع دول عربية، والغريب أن «مد النفوذ» هذا، لم يمتد ليشمل مثلا دولا غير عربية مثل أفغانستان وجمهوريات آسيا الإسلامية، الأقرب لغويا وعرقيا وثقافيا لها، مقارنة باليمن ولبنان والعراق وسوريا مثلا! وتفسير ذلك يظهر هوان حالنا وتجرؤ «الكُل» تقريبا علينا!
يقول الزميل سامي النصف إنه يؤمن منذ فترة بأن خلافنا مع ايران ليس خلافا قومياً، بين عرب وفرس، أو مذهبيا، بين سنة وشيعة! فإشاعة وترسيخ هذا الفهم يعنيان في النهاية صراعا عديماً يصعب إنهاؤه بسهولة. وقارن وضعنا معها بالوضع التاريخي بين الألمان والفرنسيين، الذين لم تتوقف الحروب بينهم لقرون، وكان كل طرف يعتقد أنه لا نجاة له في وجود الأمة الأخرى، إلى أن «فُرض» الصلح والتطبيع عليهما، وضمهم مشروع «مارشال»، الأميركي وقرب بعضهم لبعض، بُعيد الحرب الكونية الثانية. أما ما بيننا وبين إيران من خلاف تاريخي فهو في الأصل خلاف سياسي، حتى وإن تدثر برداء الحرب الدينية، لأن السبب الأخير أكثر جاذبية عند المتطرفين من الطرفين، وأسهل تفسيراً، ولا يعني ذلك أن الخلاف الأول هو اختلاف بريء تماماً من المشاعر القومية أو الطائفية بين الطرفين، ولكنه سياسي بامتياز، والدليل أن السياحة لإيران مثلاً، من قبل مواطني الدول الخليجية بالذات، ستبلغ الذروة متى ما «طبَّعت» حكومات الطرفين علاقاتهما بروح من الصداقة والرغبة الحقيقية في التعاون في كل المجالات، وخاصة الاقتصادية منها، مع ضرورة إبداء كل طرف «حسن نواياه» للطرف الآخر، بعيداً عن الشوفينية أو العنصرية البغيضة! فبداية الخلاف كانت في الأصل تماشياً، أو إذعاناً للخلاف، السياسي والشخصي، بين الراحلين، شاه إيران، وعبدالناصر، وتماشياً أو جزءاً من حروب الوكالة نيابة عن الأميركان والسوفيت.
من جانب آخر، يرى البعض أن الخلاف بين الطرفين أكثر تعقيداً، ويعود لقرون غابرة، وأن هناك خلافات مستعرة بين الطرفين على تسمية الخليج وأمنه، وعلى الحقوق البحرية، وعلى الجزر العربية، وعلى حقوق الأقلية العربية والسنة فيها، وطموحات إيران الإقليمية، وقضية دعم المعارضة الإيرانية، والوجود العسكري الغربي والتركي في المنطقة، وتخليها عن دور «حامي شيعة المنطقة»، وغير ذلك من أمور يصعب الاتفاق بشأنها، جميعاً في يوم!
يعتقد فريق ثالث أن مهمة إنهاء الخلافات بين الطرفين تقع على عاتق إيران، فتاريخيا لم تكن إيران دولة توسعية بالمعنى السائد، ولكن ما تم بعد الثورة الشعبية فيها عام 1979، وتحولها لمذهبية وما تبعها من شنّ صدام حربه الغبية عليها، يلزمها إبراز حسن نيتها، وإنهاء نفوذها في الدول الأخرى، خاصة أنها حقيقة ليست معنية برفاهية الفرد الشيعي في الدول الأخرى، وتعليمه، بقدر اهتمامها بولائه لها!
من كل ذلك نرى أن الأمر يتطلب التفكير خارج الصندوق في علاقتنا بإيران وجعل التقارب مفيدا للطرفين، من خلال البحث عن وسيلة للتفاهم، وهذا يتطلب تنازلا من الطرفين، ولكن المشكلة أننا أمم وأنظمة مختلفة ومتناحرة، وبيننا خلافات حادة، بينما إيران دولة ممثلة بجهة واحدة، وبالتالي فإن إمكانية التقارب بيننا جميعاً وبينها ليست بالأمر الهين!
نقلاً عن “القبس”