أهم الأخبارمقالات

الأخلاق بين الهند وإيران والبرلمان الكويتي

 

سعد بن طفلة العجمي

لفهم الكلمة التي ترتبط بالأحداث بعد ومنظار خاص يعطيان عمقاً لفهم الحدث. لعل تشريح وشرح مشتقة “الأخلاق” وأخواتها من المشتقات تمنحنا زاوية لغوية إدراكية لأبعاد الكلمة في ضوء ما أشعل الاحتجاجات العارمة في إيران، ألا وهي شرطة الأخلاق التي اعتقلت الشابة مهسا أميني لتموت بعد اعتقالها من التعذيب كما هو الراجح، وفي إطار العنصرية الهندوسية ضد المسلمين في الهند وتشكيل لجنة برلمانية كويتية لمعالجة “الظواهر السلبية” في المجتمع.

أصل الأخلاق من خَلَق، وتعني منظومة من الفضائل المحمودة التي تختلف من مجتمع إلى آخر، والأخلاق ليست كالقيم، فالقيم عامة قديمة، ولا تخص مجموعة بعينها من البشر، ولا يحتكرها دين دون آخر، كالصدق والخير والحب والسلام والعطاء والتضحية والإيثار… إلخ، وهي قديمة قدم التطور الحضاري والذهني والعقلي للإنسان، وبالمناسبة انتشرت في الكويت وثيقة سماها مروجوها “وثيقة القيم” تطالب المرشحين لانتخابات مجلس الأمة بالتوقيع عليها، والتزام ما ورد فيها من “قيم”، وسماها مناوئوها وثيقة “داعش” أو وثيقة قندهار.

أما الأخلاق، فهي متغيرة بتغير المعتقدات والثقافات والعادات والتقاليد، فما قد تراه غير أخلاقي في مجتمع ما، يكون ممارسة طبيعية، بل ربما محمودة في مجتمع آخر، وما قد يراه مجتمع ما من العيب الفاضح، ربما يكون مقبولاً في ثقافة أخرى.

والخَلْق هو الإيجاد والابتداع من العدم والخالق هو الرب، سبحانه، لكن الخُلُق هو سلوك الفضيلة في الغالب. ومن الأخطاء الشائعة: لديه عيب خُلْقي، والصحيح هو عيب خَلْقي، فالأول سلوكي والثاني بدني.

وورد في وصف النبي محمد بالقرآن الكريم بأنه “على خُلُقٍ عظيم”. وأشاد أحمد شوقي بأهمية الأخلاق، “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا”

والخُلْق، بالقيف وتغليظ اللام، هو المزاج، ففي العراق يقولون “مالي خُلُق”، وفي الخليج يسكنون اللام “مالي خُلْق”، وغنى المطرب الخليجي السعودي رابح صقر، “خميس ومالي خلق أزعل”.

وتعني كلمة “خَلْق” الشعب باللغتين الفارسية والتركية، وهي مستعارة من العربية، وبنك الشعب “خلق بنك” من أكبر البنوك التركية ووجهت الولايات المتحدة إليه اتهامات بغسل الأموال الإيرانية وكسر محاصرتها، كما سجنت أحد مسؤوليه بتهم مشابهة وأطلق سراحه عام 2019.

أما “مجاهدي خلق”، فتعني حركة مجاهدي الشعب الإيرانية المعارضة الأكبر للنظام الإيراني وتترأسها مريم رجوي، أرملة زعيم الحركة السابق مسعود رجوي الذي اختفى في ظروف غامضة عام 2003.

“فدايي خلق” وتعني فدائيو الشعب، كانت حركة يسارية إيرانية مسلحة قضى عليها النظام كما قضى على غيرها من الحركات السياسية المخالفة له، ولعل أشهر من قضى عليه النظام من التنظيمات اليسارية حزب “توده” الشيوعي، أي حزب الجماهير عام 1983.

ويجمع الخليجيون الخَلْق، أي البشر، بالخلايق كجمع جمع، وأشهر من أورد تلك الكلمة نمر بن عدوان في قصيدة من قصائد عدة برثاء زوجته وضحا وغناها المطرب راشد الماجد، “البارحة يوم الخلايق نياما * بيحت من كثر البكا كل مكنون”.

وكلمة “الخُلقان” باللهجة البدوية في الخليج تعني الملابس البالية وهي عربية فصيحة من خَلِق. فالخَلِق هو القديم البالي والخلوق هو المؤدب المنضبط سلوكياً في تعامله مع الآخرين.

في الهند فشلت المحكمة العليا، الجمعة 7 أكتوبر (تشرين الأول)، في التوصل إلى قرار حول حق الفتيات المسلمات بارتداء الحجاب داخل المدارس والجامعات، فمن مجادل بحقهن، إلى مجادل بعدم فرض الحجاب في الإسلام أصلاً، الفتيات المسلمات تمسكن بحقهن في ارتداء الحجاب ورفضن نزعه. تريد حكومة رئيس الوزراء مودي العنصرية الهندوسية فرض نزعه من على رؤوسهن، وتضامن معهن كثير من غير المحجبات، بل غير المسلمات، ولبسن الحجاب معهن تضامناً وإيماناً بحقهن، وما زال الجدل دائراً والصراع مستمراً.

في إيران ومنذ أسابيع اندلعت احتجاجات عارمة في طول البلاد وعرضها بعد مقتل شابة اسمها مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق” التي رأت في طريقة لبس حجابها مخالفة لما يرون أنه أكثر التزاماً وأخلاقاً. حصدت الاحتجاجات حتى الآن مئات الضحايا والجرحى وشلت البلاد وما زالت مستعرة. تقود هذه الاحتجاجات، أو الثورة، الإيرانية طالبات المدارس اللاتي نزعن حجاباتهن كرمز للتمرد ورفض الوصاية عليهن من قبل شرطة الأخلاق، لكن أسباب التمرد أعمق من مسألة الحجاب بكثير.

لا الهند تستطيع فرض نزع الحجاب ولا إيران قادرة على فرض لبسه على مزاج “شرطة الأخلاق”. فالحرية باختيار لبس الحجاب من عدمه مسألة تختزلها الحالة الهندية والحالة الإيرانية، “ودعوا الخلق للخالق”.

لا نعرف الظواهر السلبية التي تراها اللجنة “السلفية” في البرلمان الكويتي، لكنها حتماً ترى أن عدم لبس الحجاب يعتبر “ظاهرة سلبية”، فهل تتابع وتتعلم وتعتبر “لجنة الظواهر السلبية” الكويتية البرلمانية مما يجري في إيران والهند؟ لعل وعسى.

*نقلاً عن  “إندبندنت عربية ” 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى