إيران بعد غياب رئيسي
وليد فارس
لم يجف الحبر عن بيان إعلان وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادثة الطائرة الهليكوبتر التي كان على متنها بمرافقة وزير خارجيته، حتى بدأت الروايات حول من المسؤول عن موته؟ هل فعلاً كان هبوط الطائرة لأسباب تقنية أم أن هنالك طرفاً خرب محركها؟
أكثرية التقارير تخلص إلى أن عطلاً فنياً أدى إلى هذا الهبوط الاضطراري الذي تحول إلى كارثة، لكن أسئلة كثيرة لا تزال تطرح، ومنها كيفية سقوط هذه الطائرة، واستمرار طائرتين كانتا ترافقان الرئيس في رحلتهما من دون أن تعرج إحداهما على موقع الهبوط. ويقول البعض إن هذا الممر تستعمله الطائرات والهليكوبتر دائماً، حتى في فصل الشتاء على رغم سوء الأحوال الجوية. فإما أن هذه الحادثة فريدة من نوعها، وإما أن هنالك يداً مخربة دفعت بالأمور نحو هذا الاتجاه.
وأياً كانت نتائج التقارير النهائية، فهذا يدخل في إطار الخلاف على السلطة بين أجنحة داخل النظام الإيراني: جناح الرئيس القتيل وهو في موقع رئاسة الدولة، وكان بحسب المصادر يحاول أن يدفع بالسلطة إلى مؤسسات الحكومة التي يترأسها، وجناح المرشد الأعلى وبين يديه السلطة الخمينية العليا. وكان صراع الأجنحة يتكثف مع اقتراب موعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وكان العمل جارياً على إيجاد شخصية جديدة للحلول مكان خامنئي عندما يتوفى. وتقول المعلومات إن الرئيس الأعلى للسلطة الخمينية أوصى بابنه مجتبى خامنئي لكي يخلفه، ولكن مصادر أخرى قالت إن رئيسي كان يتهيأ لأن يكون الخليفة للولي الفقيه، مما فجر الصراع بين جناحين بحسب المصادر المطلعة.
ومن ضمن مواد الخلاف السيطرة على الأموال التي حولت من الغرب، وبخاصة من الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2014 وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وهي مبالغ هائلة بطبيعة الحال تقود إلى صراعات كبيرة عبر الحكومة والبيروقراطية والأجهزة الأمنية والمصارف، إضافة إلى الميليشيات التي تسيطر على الأرض. وقد يكون وراء الصراع بين مكتبي رئاسة الجمهورية والمرشدية العامة نتيجة خلافات عميقة تتعلق بطبيعة السيطرة على هذه الأموال التي تؤمن قوه النظام من ناحية، وترابطه العضوي مع الميليشيات الخمينية والحليفة في 4 دول عربية، فضلاً عن المناطق الفلسطينية.
لكن، ماذا بعد خروج رئيسي من الساحة؟
الاحتمال الأقرب هو أن يتم استضعاف مناصريه في الإدارات والدولة، واستبدال رئيس جديد به يكون جزءاً من الحلقة الضيقة التي تحيط بالمرشد الأعلى. وهكذا يهيئ موقع الرئاسة لخليفة المرشد في المرحلة القريبة. فما نتائج هذه التغيرات الدراماتيكية في إيران على الساحات الداخلية والإقليمية والدولية؟
على الصعيد الداخلي الإيراني، تبين من رد الفعل الشعبي الكثيف والاحتفالات التي جرت في طهران ومدن أخرى أن موت رئيسي قد يفتح باباً جديداً للمعارضة لكي تستنكر وجود النظام ككل وتدعو إلى تجديد التحركات ضد السلطة على أساس وجود فراغ ما أو في الأقل صراع بين أجنحه هذه السلطة. وهذا بالطبع سيدفع النظام إلى عملية قمعية واسعة لإقناع الرأي العام الدولي بأنه مسيطر على الأرض بصورة حاسمة.
على الصعيد الإقليمي، تقوم بعض الحكومات بتجديد اعترافها بسلطة خامنئي تمهيداً لإقامة العلاقة مع حكومة وحكم جديدين داخل طهران، ومنها دول وقعت اتفاقاً لعدم التدخل المتبادل في شؤون الدول الداخلية، ومنها دول الخليج العربي التي تراقب الأوضاع، ولن تتحرك إلا بعد أن ترى تطور النظام الجديد في اتجاه مستقر.
على الصعيد الدولي رأينا أن عدداً من الحكومات الأوروبية سارع في التعبير عن تعاطفه مع السلطة العليا من أجل تطمين القيادات الإيرانية بأن الاتفاقات القائمة بين أوروبا والاتحاد الأوروبي وطهران سيتم احترامها. وهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى أصحاب المصالح الأوروبية العليا والعميقة في إيران. وهم أقوى من أية معارضة إيرانية حتى الآن تسعى إلى تبديل النظام.
أما في الولايات المتحدة، فقد شرعت وزارة الخارجية، بكلام هادئ، في إرسال التعازي إلى القيادة الإيرانية، ولكن من دون إقامة علاقات دبلوماسية ناجمة عن تغيير الأوضاع الحكومية في إيران، لأن الإدارة تعرف تماماً أن هنالك أكثرية داخل الكونغرس من الحزبين لا تريد إقامة علاقات مع هذا النظام أياً كان رئيسه. ومعروف أنه في خلال حملة انتخابية رئاسية فإن المعارضة تكثف انتقاداتها تجاه الإدارة وتحملها مسؤولية الاعتراف بنظام تعد المعارضة أنه إرهابي.
لذا فإن إدارة بايدن ستوفر للنظام الإيراني اعترافاً بالصورة الدبلوماسي مع بقاء مبدأ المقاطعة خوفاً من القاعدة الجمهورية الشعبوية التي يبدو وكأنها حصلت على أكثريات عديدة في ولايات حاسمة، مما قد يؤثر في نتائج الانتخابات.
ماذا عن أهم النتائج المستقبلية؟
من المنطقي أن يلتف النظام الإيراني حول مؤسساته ويحميها ويعمل على تطويرها استعداداً لما قد يكون حملة استعراضية إيرانية في الشرق الأوسط في مرحلة ما قبل الانتخابات الأميركية، نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مما يعني أنه منذ بداية الصيف وحتى منتصف نوفمبر ستكون هنالك مرحلة زمنية دقيقة لن تتمكن فيها إدارة بايدن أو غيرها من أن ترد على أي تحرك كبير في الشرق الأوسط بسبب الانتخابات، وقد فهمت طهران هذا، وهي تستعد إذا أرادت أن تستخدم هذه المرحلة نفسها من أجل تنفيذ بعض أغراضها في المنطقة.
بعد رئيسي ستتجه إيران باتجاه تكثيف الأيديولوجيا الخمينية من أجل تمكين السلطة من ضرب المعارضة على أساس “محاربة الله” بالمعنى الخميني، لكن الوضع الجديد في إطار المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية قد يفيد المعارضة الإيرانية التي تأمل في التصعيد بين إسرائيل وحلفائها الإقليميين من ناحية، والنظام الإيراني من ناحية أخرى. كما تأمل أيضاً بانقسام داخلي للنظام يسهل انطلاق انتفاضات شعبية جديدة.
لكن، ما لم يتغير الموقف الأميركي، سيكون من الصعب تغيير هذا النظام في المرحلة الحالية، ومع اقتراب موعد الانتخابات قد تكون هناك مناسبات للتغبير، وفي أية حال فإن غياب أحد أركان النظام الخميني الذي كان مسؤولاً عن إعدامات بالآلاف في الثمانينيات، كان بمثابة خبر تشجيعي لأهالي ضحايا في إيران، وعامل محفز للضغط على النظام من أجل الإصلاح أو التغيير.
نقلا عن “إندبندنت عربية”