غير مصنف

التصعيد في غزة سببه ضعف سياسة بايدن الإقليمية

الدكتورة نجاة السعيد

منذ بداية الانتخابات الأميركية وكان التخوف هو الانقسام الكبير بين الحزبين سيؤدي إلى سياسة خارجية مضطربة، مما يؤدي إلى عواقب خطيرة وكارثية خاصة عندما يتعلق الأمر بمنطقة غير آمنة ومستقرة مثل الشرق الأوسط.

لقد ورث الرئيس الأميركي، جو بايدن، من الرئيس السابق، دونالد ترامب، شرق أوسط سلمياً نسبياً – ليس خالياً من التحديات – ولكنه يتميز باتفاقيات سلام تاريخية بين الدول العربية والإسلامية وإسرائيل – الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان وكوسوفو والمغرب – بعد عقود من عدم الاعتراف بإسرائيل.

كذلك تم تقييد النظام الإيراني، الداعم للميليشيات وحروب الوكالة، بضغوط قصوى من خلال العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب ضده وكذلك بالحد من تمدده العسكري والتي انتهت بمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وهو مهندس حروب إيران في المنطقة وقائد ميليشياتها، وبجانبه أبو مهدي المهندس نائب قائد ميليشيات الحشد الشعبي العراقية الموالية لطهران.

فحتى أشد منتقدي ترامب اضطروا إلى الاعتراف بأنه عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، فإن حقبة ترامب كانت ناجحة. لكن بدلاً من البناء على الإرث الواعد الذي ورثه عن سلفه، سعى بايدن بدلاً من ذلك إلى إبعاد نفسه عن إنجازات إدارة ترامب.إن ما قامت به إدارة بايدن أقل ما يقال عنها أنها مؤشرات خطيرة لكل المتطرفين والمعادين للسلام بالمضي قدماً في تطرفهم، فعندما تهرول الإدارة بالمفاوضات مع النظام الإيراني – المعروف بدعمه للميلشيات والحروب بالوكالة – لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع أن النظام لا يزال يقوم بتخصيب اليورانيوم بما يتجاوز بكثير ما هو ضروري للأغراض السلمية وكذلك أغدقت عليه الأموال بحجة النظام بحاجتها بسبب التضخم والمشاكل الاقتصادية المحلية، مع العلم أن هذه الأموال معروف أنها لن تُستثمر محلياً بل سيتم تمويلها للحروب بالوكالة، وترفع الحوثي من قائمة الإرهاب، وتعطي ملايين الدولارات للسلطة الفلسطينية المتواطئة مع حماس بدون قيد أو شرط بالمحافظة على الأمن ومنع التعاون مع أي جهات إقليمية متطرفة، في الوقت الذي تجمد به بيع أسلحة لحلفاء أميركا، كل ذلك كان إشارات تفهم على أنها ضعف واستسلام من إدارة بايدن للمتطرفين واستهتار وتخاذل عن دعم الحلفاء. فإدارة بايدن قدمت المساعدات للسلطة الفلسطينية التي تقدر بـ 235 مليون دولار لإنها “تريد استعادة التواصل الموثوق به” بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بالفعل نظرة الإدارة كانت صائبة بدليل التصعيد الذي حدث بين الفلسطينيين والإسرائيليين والذي أودى بحياة المدنيين. فحماس هي منظمة تمثل جماعة الإخوان المسلمين في غزة وتعتبر أيضا خط الدفاع الأول للنظام الإيراني وتعتبر إحدى الأذرع العسكرية لإيران التي تقدم لها المساعدات العسكرية. كما يشمل التعاون التدريب على إنتاج الأسلحة وتشغيلها، حيث يسافر مقاتلو حماس إلى إيران بشكل متكرر لإجراء تدريب متخصص، بالإضافة إلى زيارة منشآت إنتاج الصواريخ الإيرانية. يشرف على علاقات إيران مع حماس فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، الذي يتبادل المعرفة حول إنتاج الصواريخ الإيرانية مع نظرائهم في حماس. فهذا التعاون الوثيق بين إيران وحماس ساعد حماس على زيادة مدى وفعالية الصواريخ التي أطلقت على البلدات والمدن الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، ونتيجة لذلك قامت إسرائيل بالدفاع عن نفسها بالضرب في أحياء في غزة والتي راح ضحيتها أبرياء بسبب اتخاذ حماس من المدنيين أذرع بشرية. أرادت إدارة بايدن إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل ترامب وهذا كان واضحاً للجميع وأعطى القوى المتطرفة إشارة مثل الحكومة الإيرانية بتنفيذ مخططاتها بتقويض الاستقرار، فالسلام الإسرائيلي الفلسطيني لا يمكن أن يأتي أولاً لأنه لا توجد قيادات فلسطينية يعول عليها فهي ترفض الحلول والتسويات منذ عقود أما التنظيمات الإرهابية مثل حماس لا تعيش إلا على الصراعات ولا تريد سلاماً من الأساس وكذلك لا يوجد مشروع دولة بدليل تعاونها مع نظام مهمته تمويل الميليشيات ودعم الحروب بالوكالة. لذلك كل ما قامت به إدارة بايدن إعطاء الحافز لهذه القيادات والأنظمة الإرهابية بنشر العنف والاضطراب بدلا من إقناع دول عربية وإسلامية أخرى بتوقيع معاهدات سلام لكي تضطر القيادات الفلسطينية من تغيير نهجها أو لدفع الفلسطينيين للبحث عن قيادات أكثر أهلية ونزاهة لحل مشاكلهم الاقتصادية والسياسية العالقة. فبلايين الدولارات التي صرفت على القيادات الفلسطينية كان بإمكانها أن تجعل من الضفة الغربية وغزة منطقة حرة تجارية توفر فرص العمل للجميع، لكن المصالح الشخصية وشجع هذه القيادات كان هو الأهم.   من التعتيم على الحقائق القول إن الاتفاقيات الإبراهيمية وجدت لحل القضية الفلسطينية ونظراً للتصعيد الحادث بين الإسرائيليين والفلسطينيين الآن فهناك من يريد إثبات فشل هذه الاتفاقيات. الحقيقة هذه الاتفاقيات لم تكن لحل القضية فمنذ التوقيع عليها ذكر سفير الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، إن الاتفاقية التي وقعتها بلاده مع إسرائيل كانت في الأساس “تتعلق بمنع الضم”. كما تم التأكيد أن هذا لا يعتبر تخطي على القيادات الفلسطينية فالحل عندهم وللفوز بأي قضية لابد من التنافس على خطة عمل جيدة، لكن في الوقت الحالي لا يوجد خطة بديلة من قبل القيادات الفلسطينية سوى الرفض على كل مبادرة، إذا الفشل بمن: في الاتفاقيات التي وقعت حديثاً أم بصاحب القضية منذ عقود؟ فهذه الاتفاقيات الإبراهيمية بالإضافة إلى دوافعها السياسية والاقتصادية، حافزها الأساسي غرس فكرة السلام ونزع الكراهية بين الشعوب وخاصة بين الأجيال الشابة وتربيتهم على الواقعية السياسية الخالية من الشعارات والأيديولوجيات، التي تربى عليها جيل الخمسينيات والستينيات وانتهى بهم المطاف بنكسات سياسية وكساد اقتصادي. وبعد هذا العنف الفلسطيني الإسرائيلي كل الذي أدلى به السيد بايدن محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإنهاء العنف “عاجلاً وليس آجلاً”، فهذا الطلب يبدو استخفافا بحجم مدى خطورة السياسة الخارجية للمنطقة من قبل هذه الإدارة. فإذا كان بايدن جاداً حقاً بشأن إنهاء العنف، فمن الأفضل له الاعتراف بنجاح سياسة ترامب في الشرق الأوسط وإكمال مشواره بدلاً من إهدار طاقته وكرامة الولايات المتحدة الأميركية في محاولة استرضاء آيات الله في طهران.

المصدر: موقع قناة الحرة الامريكية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى