ماذا بين لبنان وسوريا؟
رامي الريس
لا يزال الترقب سيّد الموقف في ما يتعلق بالخطوات المتلاحقة للتقارب بين أنقرة ودمشق على ضوء استعداد الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عقد اجتماع مع نظيره السوري بشّار الأسد بعدما كانت القطيعة، لا بل العداوة، هي التي طبعت العلاقات بين البلدين منذ اندلاع الثورة السوريّة سنة 2011 ومن ثم وصولها إلى أفق مسدود نتيجة ردة فعل النظام العنيفة في القتل والتهجير، وتشتت المعارضة ذاتها وسواها من العناوين الأخرى.
وإذا كان التطبيع ليس خطوة مجانيّة بطبيعة الحال، وبمعزل عن الاعتبارات التركيّة وما إذا كانت تنطلق من حسابات إنتخابيّة محليّة أم من إعتبارات أخرى؛ فإنّه يطرح تساؤلات جوهريّة حول صمود النظام وتمكّنه من البقاء على جثث السوريين رغم كل ما حصل خلال السنوات المنصرمة والتي استدعى فيها تدخلات بدأت من طهران و»حزب الله» وصولاً إلى موسكو التي شكّل انغماسها في الحرب السوريّة أحد أبرز المنعطفات في الحرب.
ثمّة من يعتبر أنّ فوائض القوّة التي وُظفّت لمصلحة حماية النظام، رغم قلبها للموازين العسكريّة والأمنيّة في ميادين القتال (وهي غير مكتملة حتى اللحظة) لا تعدو كونها عوامل مصطنعة قد تتساقط عند افتراق الجهات الراعية في مصالحها المباشرة، أو بسبب تراكم المشاكل الاقتصاديّة والمعيشيّة التي لن تتمكن موسكو (بسبب حربها في أوكرانيا) أو طهران (التي ترزح هي ذاتها تحت العقوبات الأميركيّة والدوليّة) من معالجتها.
المهم لبنانيّاً، هو الاستفادة من الدرس الذي لقّنته دمشق للرئيس السابق ميشال عون وقد وجّهت له صفعة قويّة في الأيّام الأخيرة من عهده عندما رفضت استقبال وفد رسمي لبناني لترسيم الحدود البحريّة الشماليّة أو حتى الحدود البريّة، مؤكدة سياستها القديمة أنها لا تقدّم هدايا مجانيّة للبنان من دون مقابل، طبعاً عدا عن أنّ موقفها الرافض لترسيم أو «تحديد» الحدود (كما طلب أمين عام «حزب الله» في حوار سنة 2006) مع لبنان هو موقف قديم ومعروف.
كان الرفض السوري لطلب لبنان مهيناً والمسؤوليّة في ذلك تعود إلى الرعونة السياسيّة والخفّة التي كانت تُدار فيها شؤون البلاد، وتعكس الحقد السوري الذي لا ينسى كيفيّة تصرّفه مع حلفائه وخصومه على حد سواء. ألم يسبق لدمشق أن وعدت عون بمعالجة قضيّة «المفقودين» في السجون السوريّة التي لم تقدّم له فيها أي معلومة مفيدة!
حتى في مسألة النزوح السوري إلى لبنان، وبمعزل عن بعض الآراء العنصريّة تجاه هؤلاء (كما تجاه اللاجئين الفلسطينيين)، هل يتوّقع اللبنانيون فعلاً أن يسعى النظام لإعادتهم؟ وأين أصبحت بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم؟ ومن يضمن سلامتهم من الملاحقات الأمنيّة أو التصفيات؟ ومن سيتولى إعادة إعمار سوريا في ظل الانسداد الكامل للعمليّة السياسيّة السوريّة وتعثّر مساري جنيف وآستانة إلى أجل غير محدد؟
ثمّة من يضع الشعب السوري أمام خياريْ التقسيم أو البقاء تحت سطوة هذا النظام (وما تبقى له من قوّة) وحلفائه الاقليميين والدوليين! يحق للشعب السوري أن يحلم بالتغيير الديمقراطي من دون أن يتعرّض للقتل، ولكن اليوم بات أقصى طموح المواطن السوري الحصول على رغيف الخبز وبعض الليترات من الوقود.
ويحق للبنان أيضاً أن يتطلّع إلى علاقات سويّة مع سوريا بعيداً عن مناخات الهيمنة والسطوة التي مارستها دمشق على مدى عقود على لبنان، بما يتيح له الاستقرار من دون أن يشهد تدخلات سافرة وصلت إلى حد الإدارة اليوميّة المباشرة في حقبة الوصاية السوداء! طيّ تلك الصفحة إلى الأبد منوط بالأداء السياسي اللبناني أيضاً المطلوب إرتفاعه إلى مصاف الدولة التي لا نزال نبحث عنها!
* نقلا عن “نداء الوطن”