أهم الأخبارمقالات

إيران النوويّة: هل تنتقل إسرائيل من “الحرب بين الحروب” إلى الحرب الحقيقيّة؟

 

علي حمادة

يشير مصطلح “الحرب بين الحروب” الإسرائيلي عامةً، إلى الحرب الخفية غير المعلنة التي تخوضها إسرائيل عبر قوات خاصة تابعة للجيش، ومجموعات من العملاء التابعين لجهاز “الموساد” ضد الجهات التي تهدد أمنها، خصوصاً إيران التي كثفت أنشطتها التي تعتبر إسرائيل أنها تهدد أمنها، في الأعوام القليلة الماضية، لا سيما على صعيد الانتشار العسكري في سوريا وتهريب الأسلحة المتطورة إلى “حزب الله” في لبنان، والأهم على مستوى البرنامج النووي الإيراني بطبعته العسكرية، فضلاً عن برنامج تطوير الصواريخ البالستية العالية الدقة البعيدة المدى، والطائرات المسيّرة التي يمكن أن تهدد المنشآت الاستراتيجية داخل إسرائيل.

هذه “الحرب بين الحروب” مضت عليها أعوام عديدة، تارة تشتد، وتارة تخبو بحسب الواقع على الأرض. في الآونة الأخيرة اشتدت، لا سيما في الأيام الأخيرة لولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ثم مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض وإعلانه أن سياسة الإدارة الأميركية ستركز على إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي كان سبق للرئيس ترامب أن انسحب منه عام 2018.

طوال العام الماضي كانت الأولوية الأميركية تقضي بمد “جزرة” رفع العقوبات عن إيران في مقابل العودة إلى الاتفاق السابق، وبخاصة عودة طهران إلى الانصياع للقيود التي فرضها الاتفاق الأساسي. ولكن مع مرور الوقت، وعلى الرغم من أن معظم أعضاء الفريق الأميركي الذي كلف التفاوض غير المباشر مع الإيرانيين في اجتماعات فيينا منذ إطلاقها في شهر نيسان (أبريل) 2012، كانوا يميلون إلى التعامل مع إيران وفق النهج الذي كان قد أرساه الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولو على حساب حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط الذين تضرروا كثيراً من النهج الأميركي المتساهل مع إيران وسياساتها في المنطقة، لم تسر الأمور كما كان مقدراً لها من جانب فريق الرئيس جو بايدن المكلف الملف الإيراني. وبعد بضع جولات تفاوض، توقفت المفاوضات في شهر آذار (مارس) الماضي، إذ بقيت نقطة معلقة لم يتم الاتفاق بشأنها، وهي المرتبطة بمطلب إيران رفع العقوبات عن “الحرس الثوري” الإيراني شرطاً للتوقيع على مذكرة إحياء اتفاق 2015، إضافة إلى أن طهران لم تستطع أن تجيب عن أسئلة تقنية محدودة، كان من شأنها أن تبرر اكتشاف فرق التفتيش التابعة لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في ثلاثة مواقع غير معلنة من السلطات الإيرانية آثاراً لمادة اليورانيوم.

وبالطبع لم تعد طهران طوال فترة التفاوض التي دامت أكثر من عام وشهرين العمل بكاميرات المراقبة التابعة للوكالة، والمثبتة في المنشآت الإيرانية. صحيح أن المفاوضات توقفت تحت عنوان سياسي، فمطلب رفع العقوبات الأميركية عن “الحرس الثوري” له انعكاسات معنوية في إيران، كما أن له مفاعيل اقتصادية ومالية متعلقة بمؤسسة “الحرس الثوري” التي تتجاوز المهمة الأمنية البحتة، لتشمل الشأن الاقتصادي عبر عشرات المؤسسات الصناعية والتجارية الرئيسية في البلاد، وأيضاً مؤسسات اجتماعية وثقافية ودينية رئيسية كبرى في البلاد. فالحرس هو دولة داخل الدولة، ويشكل العمود الفقري لما يسمى بالدولة العميقة في إيران. ولذلك كان مفهوماً أن تتمسك السلطات الإيرانية بمطالبها، لا سيما أن مؤسسة “الحرس الثوري” ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرشد علي خامنئي مثلما يرتبط هو بها.

في كل الأحوال، اشتدت “الحرب بين الحروب” بين إسرائيل وإيران، على خلفية اقتناع الأولى بأن الثانية تقترب بسرعة من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج قنبلة نووية. ولا يمكن إغفال الحرب الخفية التي تقوم بها إيران بهدف محاصرة إسرائيل ومنعها من الرد على طموحاتها الإقليمية والنووية على حد سواء. ولقد شكلت العمليات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية وشخصيات أمنية وعسكرية مرتبطة إما بالبرنامج النووي أو بالأنشطة الإيرانية على الأراضي السورية نقلة نوعية في المواجهة الصامتة بين القوتين الإقليميتين، وكان تصريح قائد القوات البرية في الجيش الإيراني كيومرث حيدري قبل يومين الذي هدد فيه بتدمير مدينتي تل أبيب وحيفا رداً على “أي خطأ يرتكبه العدو (إسرائيل)”، لافتاً لجهة العنف في رفع منسوب الخطاب التهديدي، خصوصاً أن إيران كانت قد تعرضت في الآونة الأخيرة إلى سلسلة حوادث واستهدافات أمنية غامضة، كلها تشير إلى ضلوع جهات خارجية، يرجح أن تكون الأجهزة الإسرائيلية التي تنوعت عملياتها في الداخل الإيراني إلى حد اغتيال العديد من الضباط والمهندسين المرتبطين بشكل أو بآخر بالبرنامج النووي، أو بالتموضع في سوريا المعتبر تهديداً استراتيجياً تواجهه إسرائيل من دون هوادة. ومعلوم أيضاً أن إسرائيل تقوم منذ سنوات بعمليات قصف جوي دوري في سوريا لمنشآت ومخازن أسلحة متطورة ومواقع إقامة كفاءات تقنية على صلة بسلاح المسيّرات المفخخة الاستخبارية، والصواريخ الدقيقة.

لكن الأمر تطور إلى حد نقل المواجهة إلى الداخل الإيراني. وما من شك في أن كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الأخير أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، يشكل موقفاً تصعيدياً كبيراً، فقد أعلن أن “أيام الحصانة التي تهاجم إيران إسرائيل فيها عبر أذرعها من دون أن تصاب بأذى قد ولّت، وإسرائيل تستطيع العمل اليوم بكل حرية لضربها، ولم يعد هناك ما يكبّلها”، مضيفاً: “لقد كانت السنة المنصرمة سنة تحوّل في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه إيران. فدولة إسرائيل تحرّكت على مدار العام الماضي ضد رأس الأخطبوط الإيراني، وليس فقط ضد أذرع هذا الأخطبوط على غرار ما تكرر القيام به طيلة عشرات السنوات الماضية”.

هذه نقلة نوعية في المقاربة الإسرائيلية للمواجهة مع إيران. فمع أن أحد أوجه العمليات التي حصلت في الأسابيع القليلة الماضية على صلة بعدد من المحاولات الإيرانية لاستهداف مواطنين أو مسؤولين سابقين إسرائيليين في عدد من الدول الخارجية، وقد أُحبطت من خلال التنسيق والتعاون الاستخباري الإسرائيلي مع عدد من أجهزة الاستخبارات الغربية، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الأمر وحده، فـ”الحرب بين الحروب” الجارية المشتعلة الآن تأتي في وقت يقترب فيه الإيرانيون من الخط الأحمر في ما يتعلق بالقدرة على إنتاج القنبلة النووية.

فالتقديرات الإسرائيلية الأخيرة تشير، وفق مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى، إلى أن لدى إيران بالفعل كمية من اليورانيوم المخصب تكفي لتصنيع ثلاث قنابل نووية. هذه التقديرات غير بعيدة مما يتم تداوله في أروقة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في فيينا.

ومع أن مجلس محافظي الوكالة أصدر أول من أمس قراراً بغالبية ثلاثة وثلاثين من أصل خمسة وثلاثين عضواً يدين إيران بسبب أنشطتها النووية الخطيرة، ويتهمها بالمخاطرة بإفشال الاتفاق النووي بالكامل، فإن الموقف في طهران لن يتغير. لا بل كان الرد الإيراني على القرار سريعاً، إذ أبلغت طهران “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أنها ستوقف عمل مجمل كاميرات المراقبة التابعة للوكالة (27 كاميرا) المثبتة في المنشآت النووية عبر البلاد، فضلاً عن أنها ستباشر بتشغيل أجهزة طرد مركزية من الجيل السادس في منشأة “نطنز”.

وما من شك في أن الموقف الإيراني، بدعم من روسيا والصين لأسباب تتعلق بالتنافس الاستراتيجي مع الغرب، سيزداد تصلباً. وكلام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في اليوم التالي لصدور قرار الإدانة من مجلس محافظي الوكالة يشي بذلك، لا سيما قوله إن “إيران العظيمة لن تتراجع خطوة واحدة عن موقفها”!

ثمة قناعة لدى العديد من العواصم العربية المعنية بالشأن الإيراني، لا سيما في دول الخليج، بأن إيران لا تسعى إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بل إلى كسب الوقت من أجل أن تصل إلى مرحلة يصبح فيها من المستحيل منعها من إنتاج قنبلتها النووية الأولى. إنه رهان النظام لبقائه بعد أن يرحل المرشد علي خامنئي. من هنا دقة الموقف الإسرائيلي الذي لا يملك ترف التفرج على ولادة قوة إقليمية نووية معادية في طهران! والسؤال: في حال الفشل في إجهاض البرنامج النووي العسكري الإيراني، هل تنتقل إسرائيل من وضعية “الحرب بين الحروب” إلى وضعية الحرب نفسها؟ وهل تقف الولايات المتحدة خلفها؟

نقلا عن “النهار”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى