الأهداف الكبرى لحرب إيران على العرب
وليد فارس
خلال الخمس عشرة سنة الماضية، سنحت لنا فرص أن نشارك في سيناريوهات المناورات النظرية للألعاب الحربية War Games، التي تقوم بها أجهزة الدفاع والاستخبارات الأميركية، مع متخصصين من القطاع الخاص، في خلوات تحليلية ينظمها متعاقدون Contractors مع البنتاغون، أو الجامعات العسكرية والاستخباراتية في واشنطن. ومن بين هذه الخلوات تلك التي ركزت على الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط، وقد خصصت مساحات بحثية ونقاشية حول الاستراتيجيات الإيرانية، بناءً على معلومات استخباراتية، ومادة منشورة، وتقييمات لمتابعين للملف من مختلف الأجهزة، أو القطاعات الدفاعية.
بكلام أبسط، ما السيناريوهات الحربية التي كانت تُستعرض، أو “تُطبخ”، على مدى السنين في المعسكر الإيراني – ولو نظرياً – لتطبق في حروبها على الدول العربية المعارضة لها، ولا سيما دول الخليج، و”الدول المستعمرات” في الهلال الخصيب.
هذا ملخص لعدد من الخلوات التي خصصت للسيناريوهات الممكنة، الصعبة والأسهل، التي ترتكز على شروط جيوسياسية غير متوافرة بعد، ولكن محتملة، وأخيراً السيناريوهات المرتبطة بالسياسات والأجندات والاستراتيجيات الأميركية، وعلى رأسها الاتفاق النووي.
هذا الملخص التنفيذي يعكس تلك التمارين، وليس بالضرورة رأي الحكومة أو الأجهزة الأميركية.
طبيعة السيناريوهات
طبيعة سيناريوهات الحرب (war Games Scenarios) افتراضية، ولكنها مبنية على عدد من العوامل الموضوعية، وأهمها الآتية:
1- الهدف النهائي لإيران.
2- الأهدف المرحلية.
3- القدرات العسكرية الحالية وتخمين القدرات الممكن تحقيقها.
4- المعادلة الإقليمية القائمة.
5- المعادلة الدولية القائمة.
6- تغيير الحكومات في الغرب.
7- الوضع الداخلي في إيران.
8- التحالفات العسكرية الكبرى لإيران مع روسيا والصين.
9- نفوذ إيران داخل أوروبا والولايات المتحدة.
السيناريوهات تأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات، وتضيف الهدف النهائي إليها، وتحلل المتغيرات وتربطها بالمعادلة.
الأهداف الكبرى
للنظام الإيراني أهداف بعيدة المدى معروفة، وهي السيطرة على المناطق الشيعية في العالم العربي، وربطها ببعضها في مساحة جيو – سياسية واحدة. وبعد ذلك، السيطرة على المواقع الإسلامية المقدسة العالمية الواقعة في الحجاز لإعلان الشرعية الإسلامية العالمية الموحدة التي أعلنها آية الله الخميني عندما أعلن “الجمهورية الإسلامية” في 1979.
هذا هدف دراماتيكي كوني لا بد أن يُحقق عبر إنجاز هدفين ممهدين، الأول هو السيطرة على الدول والمناطق العربية ذات الأكثرية الشيعية وإلغاء المعارضة للخمينيين فيها، ما يشمل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذه الأجندة قد خطط لها ونفذها النظام منذ تصفية المعارضة الداخلية في إيران نفسها في 1979-1988، سواء أكان ذلك ضد الملكيين أو القوميين أو اليساريين، أو حتى “مجاهدي خلق”. الإنجاز الأول كان بإقامة محور تحالفي مع نظام حافظ الأسد وإحكام السيطرة على العلويين و”حزب البعث” والجيش السوري، فكان ذلك سيطرة على البلد العربي الأول. وعبر قوات النظام التي كانت تحتل لبنان منذ 1976، دخل “الباسدران” إلى الدولة العضو الثانية في الجامعة العربية، واخترق طائفته الشيعية، وسيطر على كل البلاد تدريجياً عبر الأسد و”حزب الله”. وارتدت القيادة الإيرانية إلى العراق، واقتحمته عبر ميليشياتها منذ 2011 كلياً، بعد أن اخترقت طائفته الشيعية، في منهجية مماثلة، وباتت هذه الدولة، وهي أيضاً عضو في جامعة الدول العربية، في قبضة طهران. أما العضو الرابع في الجامعة، اليمن، فسقط شماله في أيدي الحوثيين عبر سيطرتهم العسكرية على الشيعة ودعم إيران لهم.
الهدف الثاني: السعودية
بعد اكتمال الهدف الأول، اتجهت إيران إلى تحقيق الهدف الثاني، وهو استهداف المملكة العربية السعودية، مهد الهوية العربية والإسلامية، إذ لا يمكن للخمينيين أن يستكملوا “حلمهم التاريخي”، أو أن يترجموا عقيدتهم إلى واقع، أي أن يسيطروا على الجزيرة العربية، وفي قلبها الحجاز، بما فيه مكة والمدينة، من دون حرب طاحنة ضد المملكة بكل الوسائل الممكنة وتحت كل الشعارات. هذا من ناحية الهدف، أما من ناحية التنفيذ، فقد عملت القيادة الإيرانية على مدى ثلاثة عقود منذ انتهاء الحرب الباردة، على محاولة زعزعة أمن المملكة، وفتح جبهات عليها، سياسياً وداخلياً وأمنياً ودبلوماسياً. ففي مرحلة أولى، اخترقت طهران جاليات في المنطقة من العراق إلى لبنان إلى اليمن إلى الداخل السعودي، لتثبت شبكات استخباراتية وأمنية تعمل ضد أمن السعوديين. وفي مرحلة ثانية، بحسب التقييم الجيوسياسي، جهد النظام الإيراني لسنوات كي يصل إلى الحدود السعودية نفسها عبر بلدين عربيين، هما العراق واليمن. ووصل إلى الحدود الشمالية للسعودية عبر العراق من خلال حملات مركزة لإخراج الأميركيين ما بين 2003 و2011. وبعد نكسته، مع تنظيم “داعش” ما بين 2014 و2018، عادت ميليشياته لتعتدي على القوات الأميركية التي عادت إلى العراق، ولا تزال فيه، لضرب “داعش”. ووصل الإيرانيون إلى الحدود الجنوبية للمملكة عبر ميليشيات الحوثي التي بدأت حملاتها العسكرية نحو 2011.
الجبهتان: أهداف استراتيجية
يعتزم النظام الإيراني إقامة “كماشة استراتجية” حول السعودية، أي حصارها، وتهديدها من جبهتين ميدانيتين في الشمال (العراق) والجنوب (اليمن)، وعبر مياه الخليج، وقدر المستطاع أن يخل بأمنها في البحر الأحمر.
فما شروط هذه الاستراتيجيات؟
أ. أولاً: تحتاج إيران إلى سيطرة محكمة على العراق، أي من دون منازع داخلي أو خارجي. وهذا يعني حصر الأكراد شمالاً، إبقاء القوة السنية في الأنبار تحت السيطرة، وكبح جماح المعارضة الشيعية في الوسط والجنوب. وهذا ما توصلت إليه الميليشيات الإيرانية تقريباً في العراق، إلا أنه أمام سيطرتها الكاملة من دون منازع أكثر من عائق. فالمجتمع المدني، وخصوصاً الشيعي، لم يهدأ بعد، ولا سيما مذ خريف 2019. والقوة الكردية لم تُطوع بشكل كامل، على الرغم من انقساماتها الداخلية. أما “المقاومة السنية”، فهي جمر تحت الرماد، قد تشتعل من جديد وراء خطوط الإمداد الإيراني. أما الأشد خطورةً فهو الوجود العسكري الأميركي في العراق، الذي لن يسمح باستهداف السعودية من العراق، ما دام موجوداً. إذاً، على الرغم من سيطرة إيران على العراق، فإن “المستعمرة” غير جاهزة بعد لعمل عسكري إيراني كبير ضد المملكة عبر حدودها الشمالية.
ب. تحتاج إيران إلى قاعدة استراتيجية في اليمن، تعمل من خلالها على ضرب أهداف في العمق السعودي، من مطارات ومدن وتجمعات نفطية، وصولاً إلى العاصمة الرياض، بهدف كسر الأمن القومي السعودي، تمهيداً لنشر الفوضى داخل المملكة، وإسقاط مؤسساتها. وقد توصل النظام في طهران إلى تسليح وتجييش الحوثيين لهذا الغرض، ونجح في إقامة كيان مؤيد للخمينيين في اليمن، وتمكنت قوته العسكرية من اجتياح مناطق واسعة من البلاد وقصف السعودية بالـ”درونات” والصواريخ الباليستية. فنجحت إيران في التقدم على جبهتها الجنوبية ضد السعودية أكثر من جبهتها الشمالية عبر العراق، حتى الآن. إلا أن التحالف العربي بقيادة الرياض قد صدّ التقدم، وحوّل المواجهة إلى حرب استنزاف قد لا تتمكن إيران من كسبها. لذلك، فإن أولوية إيران في تلك الساحة هي “وقف الحرب السعودية على الحوثيين”، أي وقف التحالف من شن عمليات عسكرية ضد “الميليشيات الإيرانية” في اليمن. لماذا؟ لأنه ما لم تتمكن إيران من تحريك الجبهة الشمالية عبر العراق، فإنه سيكون للمملكة الوقت الكافي لتنهي الحوثيين في الجنوب.
السيناريو الاستراتيجي الإيراني
باتت الخطط الإيرانية الاستراتيجية ضد قلب التحالف العربي تتضح. فطهران تعمل على كماشة، بفك شمالي لم يجهز بعد، وبفك جنوبي يتم إنهاكه الآن، بالتالي، فإن التقييم الذي تقدمنا به في المراجعات التحليلية في واشنطن يتلخص في أن لطهران أولويتين في مجابهتها الحالية مع المملكة. هي تسعى بكل قوتها الضاغطة في العاصمة الأميركية لأن توقف التحرك العسكري السعودي ضد الحوثيين، وبأي ثمن. ومن ناحية أخرى، تضغط لسحب القوات الأميركية بأسرع وقت ممكن من العراق. الخلاصة، هي أن القيادة الإيرانية تستهدف السعوديين ليتوقفوا عن التقدم، والأميركيين ليخرجوا.
فهل ستنجح إيران في تحقيق هذه الأهداف؟ هذا تحليل آخر في مقال مقبل.
اندبندنت عربية